قرار رقم 2025/1
قـــــــــــــــرار 1/2025
المراجعات: - رقم 10/و تاريخ الورود 9/12/2024
- رقم 11/و تاريخ الورود 12/12/2024
- رقم 12/و تاريخ الورود 17/12/2024
- رقم 13/و تاريخ الورود 18/12/2024
موضوع المراجعات: القانون رقم 327/2024 الصادر في 4/12/2024 والرامي الى تعديل المـــــــادة 2 من المرسوم الاشتراعي رقم 150/1983 وتعديلاته (قانون القضاء العدلي) المنشور في ملحق العدد 49 من الجريدة الرسمية تاريخ 5/12/2024.
إنّ المجلس الدستوري الملتئم في مقرّه بتاريخ 7/1/2025، برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب وحضور الأعضاء القضاة: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، ألبرت سرحان، رياض أبو غيدا، فوزات فرحات، ميشال طرزي، الياس مشرقاني وميراي نجم.
وبغياب نائب الرئيس القاضي عمر حمزة لوجوده في المستشفى.
بعد الاطلاع على ملف المراجعة وعلى التقرير،
وبعد التدقيق والمذاكرة،
تبيّن أنّ النواب: حليمة القعقور- شربل مسعد - سينتيا زرازير- الياس جرادي –عماد الحوت- نبيل بدر- أديب عبد المسيح- مارك ضو - فؤاد مخزومي- ميشال الدويهي وبلال الحشيمي،
قدّموا استدعاء بتاريخ 9/12/2024، سجل في قلم المجلس برقم 10/و/2024، طعناً بالقانون رقم 327/2024 الصادر في 4/12/2024، المنشور في ملحق العدد 49 من الجريدة الرسمية تاريخ 5/12/2024، طالبين قبول الاستدعاء شكلاً وتعليق مفعول القانون المطعون فيه وقبوله أساساً وإصدار القرار النهائي بإبطاله
وعرضوا أنه في تاريخ 8/10/2024، تقدّم النائب علي حسن خليل باقتراح قانون معجّل مكرر يرمي إلى تعديل المادة /2/ من المرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته (قانون القضاء العدلي). وقد اقتصر اقتراح القانون آنذاك على فقرة وحيدة تنص على أن تضاف الى المادة المذكورة المتعلّقة بتأليف مجلس القضاء الأعلى الفقرة التالية: " عند انتهاء الولاية، وباستثناء حالة بلوغ السن القانونية، يستمر الأعضاء الذين انتهت ولايتهم في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بُدلاء عنهم وحلفهم اليمين المنصوص عنها في المادة /3/ من هذا المرسوم الاشتراعي".
وفي الجلسة المحددة لمناقشة الاقتراح فوجئوا بأن ما يناقش بات مغايراً، ثم أثار عدد من النواب مسألة عدم حضور النائب العام التمييزي بالتكليف جلسات مجلس القضاء، وشدد بعضهم على ضرورة حضوره، وصرح النائب علي حسن خليل انه يبقى من الضروري حل معضلة النائب العام المالي.
وفي ظل الغموض حول موضوع النقاش طرح رئيس مجلس النواب الموضوع على التصويت، دون ان يفهم جيداً على ماذا يجري التصويت. وتبين من الصفحة 18 من محضر جلسة المناقشة ان النائب علي حسن خليل قد تلا الاقتراح المعروض على التصويت الذي تضمن الفقرتين الاوليين من القانون المطعون فيه، بالإضافة الى عبارة وردت بشكل غريب في آخر الاقتراح وهي " والتمديد لمدة ستة أشهر للقضاة الذين يبلغون سن التقاعد" دون أي شرح آخر،. ما يدل على إضافة الفقرة الثالثة بعد الجلسة، وأنه لم يتم التصويت عليها، كما لم يتم التصويت بالمناداة، وفق ما ورد في المحضر، وانه عند التصويت برفع الايدي صدّق الاقتراح دون ان يتم إحصاء الايادي التي رفعت، رغم مطالبة بعض النواب بمعرفة النتيجة الدقيقة، وبإعادة التصويت بالقيام والقعود أو بالمناداة بالأسماء.
وبعد الجلسة فوجئوا بأن مضمون النسخة النهائية، التي سربت للإعلام، مختلفة تماماً عن مضمون الاقتراح الأساسي، إذ جاء فيها " يمدد للقضاة الذين يبلغون سن التقاعد بين 15/3/2025 و15/3/2026، الذين يتطلب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يتخذ في مجلس الوزراء، لمدة ستة أشهر من تاريخ تقاعدهم" ثم فوجئوا ثانية بتعديل صيغة القانون المرسلة لمجلس الوزراء لإصداره باستبدال 15/3/2026 ب 15/5/2026. وأدلوا في الشكل بأن مراجعتهم واردة ضمن المهلة القانونية ومستوفية لجميع الشروط الشكلية، وفي الأساس بوجوب إبطال القانون المطعون فيه للأسباب التالية:
1-مخالفة أصول التشريع الدستورية، لا سيما المادة /36/ من الدستور،
2-مخالفة أصول التشريع الدستورية، لا سيما المادة /34/ معطوفة على المادة /18/ من الدستور،
3-انتهاك مبدأ وجوب استشارة مجلس القضاء الأعلى، وتالياً مخالفة الفقرة "ه" من مقدمة الدستور والمادة /20/ منه،
4- مخالفة مبدأ فصل السلطات المكرّس في الفقرة "ه" من مقدمة الدستور من خلال تعدّي السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة التنفيذية في الفقرة الأولى من القانون المطعون فيه،
5-مخالفة مبادىء المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل والمساواة أمام القانون والمساواة في تولي المناصب العامة المكرسة في الفقرة "ج" من مقدمة الدستور والمادتين /7/ و/12/ من الدستور، ومبدأ عدم التمييز المكرس في المادتين/2/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و/2/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المعطوفتين على الفقرة " ب" من مقدمة الدستور،
6- ألمسّ باستقلالية القضاء ومبدأ فصل السلطات المكرس في الفقرة "ه"من مقدمة الدستور والمادة /20/ منه،
7- مخالفة الفقرة الثالثة من القانون المطعون فيه مبدأ فقه القانون ووضوحه.
وكرّروا في خاتمة استدعائهم طلباتهم بقبول الاستدعاء شكلاً وتعليق مفعول القانون المطعون فيه، ومن ثم إبطاله بعد التأكد من صحة الوقائع المسندة اليها ادلاءاتهم بطلب التسجيل الصوتي للمناقشات من المجلس النيابي والاستماع اليه.
وتبيّن أنه بتاريخ 11/12/2024، أرسل كتاب لجانب رئاسة مجلس النواب لإيداع المجلس الدستوري نسخة عن محضر مناقشات القانون ونسخة عن التسجيل الصوتي وان النسختين قد وردتا في 12/12/2024 وأودعتا الملف.
وتبيّن أنه بتاريخ 12/12/2024 قدّم النواب: جبران جرجي باسيل، سيزار ريمون أبي خليل، سليم جورج عون، أسعد درغام، جورج نعيم عطا الله، نقولا صحناوي، شربل مارون، سامر أسعد الثوم، ندى البستاني، وجيمي جبور مراجعة طعن بالقانون إياه سجلت في قلم المجلس بتاريخ ورودها برقم 11/و/2024، طلبوا فيها بدورهم قبول المراجعة شكلاً وتعليق مفعول القانون وقبولها أساساً وإبطاله وأدلوا بالأسباب القانونية التالية:
1- مخالفة الأصول الشكلية الجوهرية المتمثلة بآلية التصويت على القوانين المفروضة بموجب المادة /36/ من الدستور.
2- مخالفة أحكام المادة /18/ من الدستور لعدم بيان كيفية التصويت على القانون معطوفة على المادة /34/ منه.
3- مخالفة مبدأ فصل السلطات المنصوص عنه في الفقرة /ه/ من مقدمة الدستور وذلك بالتعدي على صلاحيات السلطتين التنفيذية والقضائية.
4- مخالفة مبدأ عدم رجعية القوانين بإحياء تعيين قضاة انتهت ولايتهم في 14/10/2024 دون توفر مبررات لهذه المخالفة.
5- مخالفة مبدأ عدم جواز العودة عن ضمانة مكرسة قانوناً.
6- مخالفة مبدأ شمولية التشريع وتجرده وعدم جواز التشريع على قياس الأشخاص.
7- مخالفة مبدأ المساواة.
وتبين أنه بتاريخ 16/12/2024، صدر قرار عن الهيئة العامة برقم 8/2024 بقبول المراجعة رقم/11/ شكلاً وبضمها الى المراجعة رقم /10/، والسير بهما معاً، كما صدر قرار برقم/9/ بوقف مفعول القانون المطعون فيه لحين البت بالمراجعتين.
وتبين أنه بتاريخ 17/12/2024 قدّم النواب: جورج عدوان، غسان حاصباني، ملحم الرياشي، فادي كرم، زياد حواط، غادة أيوب، الياس اسطفان، سعيد الأسمر، الياس الخوري، رازي الحاج، ستريدا جعجع، بيار بو عاصي، كميل شمعون، جورج عقيص، أنطوان حبشي، غياث يزبك، جهاد بقرادوني، نزيه متى وشوقي الدكاش مراجعة طعن ثالثة بالقانون السابق ذكره، سجلت في قلم المجلس برقم 12/و بتاريخ ورودها، عرضوا فيها الوقائع كما هي واردة في المراجعة رقم 10 وطلبوا قبول المراجعة شكلاً ووقف مفعول القانون، وقبولها اساساً وإصدار القرار بإبطاله والا بإبطاله جزئياً، بأبطال الفقرتين الثانية والثالثة منه، وادلوا بالأسباب القانونية التالية:
1-مخالفة القانون أحكام المادة /36/ من الدستور.
2-مخالفة القانون أحكام المادة /20/ من الدستور، ومبدأ استقلالية القضاء.
3-مخالفة القانون أحكام الفقرة " ه" من مقدمة الدستور ومبدأ الفصل بين السلطات.
4-مخالفة القانون مبدأ الشمولية والتجرُّد، وثبوت التشريع لمصلحة أشخاص محدّدين، والانحراف التشريعي.
5- وفي كل الأحوال، إبطال جزئي للقانون المطعون فيه، وذلك بإبطال الفقرتين الثانية والثالثة منه، لعلّة عدم إرفاق النص القانوني بأسباب موجبة.
وتبين أنه بتاريخ 18/12/2024 قدّم النواب: بولا يعقوبيان، ابراهيم منيمنة، ياسين ياسين، غسان سكاف، إيهاب مطر، ميشال ضاهر، فريد البستاني، ملحم خلف، نجاة عون صليبا وفراس حمدان، مراجعة طعن رابعة بالقانون السابق ذكره سجّلت في قلم المجلس برقم 13/و/2024 بتاريخ ورودها، طلبوا فيها بدورهم قبولها شكلاً ووقف مفعول القانون وقبولها أساساً وإصدار القرار بإبطاله وأدلوا بالأسباب القانونية التالية:
1- مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام المادة 36 من الدستور
2- مخالفة القانون المطعون للصيغة الجوهرية المتمثّلة بوجوب استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى بشأنه والتي اعتبرها المجلس الدستوري مكرّسة للضمانة المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور ولمبدأ استقلال السلطات الدستورية وتعاونها المنصوص عليه في الفقرة (ه) من مقدمة الدستور.
3- مخالفة القانون المطعون فيه لأحكام المادتين 18 و51 من الدستور بإصداره ونشره خلافاً لصيغته التي أقرّها مجلس النواب لا سيّما لجهة البند (ثالثاً) من مادته الوحيدة الذي لم يقرّه مجلس النواب.
4- مخالفة القانون المطعون فيه أحكام المادة 20 من الدستور ومبدأ استقلال القضاء ذي القيمة الدستورية بخرقه وانتهاكه وإضعافه الضمانات المفروضة في هذا المجال خصوصاً لناحية تشكيل وعمل مجلس القضاء الأعلى.
5- مخالفة القانون المطعون فيه مبدأ المساواة المنصوص عليه في البند (ج) من مقدّمة الدستور وفي المادة 7 منه.
6- خروج القانون المطعون فيه عن قواعد التشريع ومبادئه المعتمدة فقهاً واجتهاداً ما يجعله تشريعاً زائفاً مشوباً بالإنحراف والخطأ التشريعي الفاضح وفقاً لاجتهاد المجلس الدستوري.
7- مخالفة البندين (أولاً) و(ثالثاً) من المادة الوحيدة للقانون المطعون فيه لمبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها المنصوص عليه دستورياً وخصوصاً بين السلطتين الإشتراعية والإجرائية.
وتبين أنه بتاريخ 23/12/2024، تقرر قبول كل من المراجعتين 12 و13/و/2024 شكلاً وضمهما الى المراجعة الحاضرة أي المراجعة رقم 10/و/2024 والسير بها معاً.
بنــــــــاء عليــــــه
أولاً: في الشــــــكل:
حيث إنّ مراجعة الطعن الأولى رقم 10/و/2024 وردت ضمن المهلة القانونية موقّعة من العدد المطلوب من النواب ومستوفية لباقي شروطها الشكلية فيقتضي قبولها شكلاً علما أن المراجعات المضمومة اليها أي رقم 11 و12 و13/و/2024 قد قبلت شكلاً في قرارات الضم.
ثانياً: في الأســــــاس:
حيث إنّ الأسباب التي استندت اليها المراجعات تندرج ضمن فئتين، الأولى تتعلق بمخالفة أصول التشريع والثانية بمخالفة مضمون القانون المطعون فيه للدستور، ويقتضي التطرق الى هذه الأسباب تباعاً:
1-في الأسباب المتعلّقة بمخالفة أصول التشريع الدستورية:
أ- في مخالفة المواد 18 و34 و36 و51 من الدستور
حيث إنّ جميع الطاعنين يدلون بأن القانون المطعون فيه قد أُقرّ خلافاً لأصول التشريع المحددة في الدستور لاسيما المواد 18 و34 و36 و51 منه،
وحيث إنّ رقابة المجلس الدستوري، على أي نص تشريعي يطعن به لديه، لا تقتصر على النظر في مدى انطباق مضمون ذلك النص على الدستور انما تتعداه الى النظر في عيوب عدم الدستورية التي قد تشوب أصول التشريع المنصوص عنها في الدستور أو في القواعد العامة الواردة في مقدمته أو في متنه وهو ما يعرف بالرقابة الخارجية على القوانين،
وحيث إنّ المادة 36 من الدستور تنصّ صراحةً على كيفية التصويت في مجلس النواب، وذلك وفقا لما يلي:
« تعطى الآراء بالتصويت الشفوي أو بطريقة القيام والجلوس إلا في الحالة التي يراد فيها الانتخاب فتعطى الآراء بطريقة الاقتراع السري. أمّا فيما يختص بالقوانين عموماً أو بالاقتراع على مسألة الثقة فإن الآراء تعطى دائماً بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عالٍ. »،
وحيث إنّ الغاية من نصّ المادة 36 هي التصويت على مسألة الثقة وعلى القوانين بشفافية تامة صوناً لمبدأ علنية الجلسات النيابية المنصوص عليه في المادة 35 من الدستور، ما يسمح بالتثبت من تكوين الأكثرية الدستورية المطلوبة لإقرار القوانين ويؤدي الى اطلاع الناخبين على ما يقوم به النواب فرداً فرداً،
وحيث إنّ القاعدة التي نصّت عليها المادة 36 هي صيغة شكلية جوهرية لا تقبل الاستثناء لورود تعبير "دائماً" في النص الدستوري الواردة فيه، وتشكّل شرطاً ضرورياً للمراقبة والمحاسبة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، وقد اعتمدها النظام الداخلي لمجلس النواب في المادتين 78 و85 منه،
وحيث إنّ إهمال هذه القاعدة الجوهرية في التصويت أو مخالفتها يؤدي الى اعتبار التصويت باطلا وينسحب هذا البطلان على القانون الذي يصبح مستوجب الابطال في حال الطعن به أصولاً (قرار المجلس الدستوري رقم 20/2019 تاريخ 3/6/2019)،
وحيث إنّ القوانين تقرّ من خلال التصويت بغالبية أصوات النواب وفق ما نصّت عليه المادة 34 من الدستور،فلا ينشر قانون ما لم يقرّه مجلس النواب، وفقاً لأحكام المادة 18 من الدستور،
وحيث إنّ الدستور نصّ على الأكثرية الواجب توافرها للنصاب القانوني في جلسات مجلس النواب ولاتخاذ القرار في كل من الأمور المطروحة عليه، ومنها القوانين العادية والقوانين الدستورية، ما يعني أن للعدد دوراً حاسماً في اتخاذ القرار ووضع القوانين، وهو أمر طبيعي في الأنظمة الديمقراطية، وإنّ أحكام المادة 36 من الدستور تقع في هذا السياق، وهي مرتبطة جذرياً بطبيعة النظام الديمقراطي البرلماني الذي نص عليه الدستور،
وحيث إنّ المادة 51 من الدستور تنصّ على ما يلي:
« يُصدِر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المُحدَّدة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس، ويطلب نشرها، وليس له أن يُدْخِل تعديلاً عليها أو أن يعفي أحداً من التقيد بأحكامها».
وحيث إنّه يُستفاد من أحكام المادة 51 أنها تحظر إصدار القانون ونشره خلافاً لصيغته الحرفيّة التي أقرّها مجلس النواب سواء من خلال الزيادة على تلك الصيغة أو الإنقاص منها أو تعديلها بأي شكل من الأشكال،
وحيث بالعودة الى محضر جلسة مناقشة القانون في الهيئة العامة لمجلس النواب ومقارنته بالتسجيل الصوتي للجلسة، الواردين من المجلس المذكور، يتبين أن اقتراح القانون الذي تمّت تلاوته من قبل النائب علي حسن خليلقبل أن يعرضه رئيس المجلس للتصويت، لم تتمّ مناقشته بالصيغة التي تُلي فيها من قبل النائب خليل، ولا بصيغته النهائية التي تمّ نشرها في الجريدة الرسمية، علماً أنّ هاتين الصيغتين تختلفان أيضاً في ما بينهما. وقد تضمّن النص الذي عرض للتصويت الفقرتين الأوليين من القانون المطعون فيه بالإضافة إلى عبارة وردت في آخر الاقتراح وهي "...والتمديد لمدة ستة أشهر للقضاة الذين يبلغون سن التقاعد" من دون أي تفصيل بشأن التاريخ الذي يبلغون فيه سنّ التقاعد، وذلك بخلاف نص الفقرة الثالثة من القانون المطعون فيه التي نصّت على أنّ هذا التمديد يفيد فقط القضاة الذين يتطلب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يتخذ في الحكومة، والذين يبلغون سن التقاعد بين 15 آذار 2025 و15 أيار 2026،
وحيث إنّه، فضلاً عن ذلك، لم يتبيّن أنّهذا الاقتراح نال أكثرية الأصوات إذ أنّه حين عرض للتصويت برفع الأيدي، اعترض عددٌ من النواب على طريقة التصويت وعلى عدد الأيدي المرفوعة، فطلبوا من رئيس مجلس النواب إعادة التصويت عن طريق المناداة وفقاً للمادة 36من الدستور والمادة 88من النظام الداخلي للمجلس النيابي، وقد استجاب الرئيس لطلبهم وشرع بالتصويت عن طريق المناداة، إلا أنه تبين من التسجيل الصوتي ان المناداة اقتصرت على تلاوة الأسماء التالية: "جورج عدوان، ستريدا جعجع، غسان حاصباني، بيار بو عاصي، الياس اسطفان، ايلي الخوري، ملحم الرياشي، سعيد الأسمر، نبيل بدر، رازي الحاج، جهاد بقرادوني، نزيه متى"، من دون انتظار جوابهم بالموافقة أم بعدمها، وسط اعتراض عدد من النواب على هذه الطريقة، ثم سُمع صوت رئيس المجلس يقول: "صدّق" قطعاً للفوضى التي رافقت بدء عملية التصويت بالمناداة. وقد تلا ذلك اعتراضات عديدة وسط ضجيج عارم، وسمعتأصوات تسأل عن مصير القانون وتطالب بنتيجة التصويت بالمناداة، كما طلب بعض النواب تدوين اعتراضهم في المحضر دون إضافة طلبهم، وقد تبين تدوين اعتراض للنائب جميل السيد،
وحيث يتبيّن أنّ عدد النواب الذين نودي عليهم لا يتعدّى الاثني عشر نائباً، إلا أنّه لا يتبيّن أنّ هؤلاء النواب صوتوا بالموافقة على القانون، خاصة أنّهم جميعاً من عداد الطاعنين به بالمراجعة رقم 13/و/2024،
وحيث إنّ إقرار القانون يكون مخالفاً لأصول التشريع المنصوص عليها في المواد 18و34 و36 و51 من الدستور، وللمبادئ والقواعد التي يرتكز عليها النظام الديمقراطي البرلماني في لبنان، لا سيما تلك المنصوص عليها في الفقرة (ج) و(د) من مقدّمة الدستور ولمبدأ وضوح المناقشات البرلمانية ذي القيمة الدستورية النابع من مبدأ السيادة الشعبية المنصوص عليه في الفقرتين المذكورتين، والذي يعتبر أحد تجليات مبدأ الديمقراطية السائد في لبنان، فيقتضي تبعاً لذلك ابطال القانون برمته لهذا السبب.
ب- في السبب المتعلّق بعدم استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى، وتالياً مخالفة الفقرة "ه" من مقدمة الدستور والمادة /20/منه:
حيث إنّ المادة 20 من الدستور تنص على أن «السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام يضعه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة. أمّا شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والأحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني»،
وحيث إنّ المادة 5 من قانون القضاء العدلي الصادر بالمرسوم الاشتراعي رقم 150 تاريخ 16/9/1993 وتعديلاته تنص في البند "ز" منها على أن يناط بمجلس القضاء الأعلى صلاحية إبداء الرأي في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء العدلي،
وحيث إنّ اقتراح القانون لم يُرسل إلى مجلس القضاء الأعلى لإبداء الرأي فيه، كما هو ثابت من محضر الجلسة، والذي يتبيّن منه أنّ النائب جورج عدوان شدّد مرتين على وجوب احترام استشارة المجلس قبل النظر في أي اقتراح قانون يتعلّق بالقضاء العدلي، كما ثبت ذلك أيضاً من بيان رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود المؤرخ في 2/12/2014 الذي تداولته بعض وسائل الاعلام والمتضمن صراحةً أنّ القانون قد أقر دون استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى، وقد ارفقت صورة عن البيان بالمراجعة رقم 10/و،
وحيث إنّ استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى في عملية التشريع، عندما يتعلّق النص بتنظيم شؤون القضاء والقضاة، يعتبر تكريساً لمبدأ استقلالية السلطة القضائية ذي القيمة الدستورية، والذي يمثّل أحد انعكاسات مبدأ فصل السلطات، المنصوص عليه في الفقرة "ه" من مقدمة الدستور،
وحيث إنّ الاستطلاع المشار اليه ليس مجرّد صيغة شكلية نصّ عليها القانون، بل هو صيغة جوهرية formalité substantielleتكرّس احدى الضمانات القضائية المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور،
يراجع قرارالمجلس الدستوريرقم 23/2019 تاريخ 12/9/2019، (الموازنة العامة والموازنات الملحقة لعام 2019)، حيث جاء:
"إضافة الى اعتبار المادة 89 المطعون فيها، باستثناء ما سبق، فارساً من فرسان الموازنة، فإن هذه المادة أغفلت صيغة جوهرية formalité substantielle تكمن في موجب استطلاع رأي كل من مجلس القضاء الأعلى ومكتب مجلس شورى الدولة ومكتب مجلس ديوان المحاسبة، في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء...
حيث إنّ الصيغة الجوهرية المذكورة لا تقتصر على مجرّد استطلاع رأي الهيئات المذكورة في مشاريع القوانين والأنظمة المتعلقة بالقضاء، بل هي تكريس للضمانة القضائية المكتوبة في المادة 20 من الدستور وأيضاً لمبدأ استقلال السلطات الدستورية وتعاونها، المنصوص عليه في الفقرة (ه) من مقدمة الدستور"،
وحيث إنّ إقرار القانون المطعون فيه الذي تضمن تعديلات في قانون القضاء العدلي في ما يختص بتأليف وولاية مجلس القضاء الأعلى وتعديل سن التقاعد لبعض القضاة دون استطلاع رأي مجلس القضاء يكون مخالفاً للدستور ومستوجب الابطال لهذه الناحية.
ت- في السبب المتعلّق بوجوب إبطال الفقرتين الثانية والثالثة من القانون لعلة عدم إرفاق النص القانوني بأسباب موجبة:
حيث إنّ الطاعنين في المراجعة رقم 12/و يطلبون من باب الاستطراد، إبطال القانون المطعون فيه جزئياً، وذلك بإبطال الفقرتين الثانية والثالثة منه، لعلة عدم إرفاق النص القانوني بخصوصهما بأسباب موجبة،
وحيث إنّ المادة 6 من قانون الحق في الوصول الى المعلومات رقم 28/2017 نصّت على أنّه "تنشر الأسباب الموجبة مع القوانين والمراسيم على مختلف أنواعها في الجريدة الرسمية، وذلك بواسطة الجهة المناط بها صلاحية النشر أو صلاحية الإصدار"،
وحيث إنّه، إذا كانت الأسباب الموجبة للقانون تكتسي أهمية بالغة في عملية التشريع كونها تنير النواب عند التصويت عليه، كما تسهّل عملية تفسيره من قبل المعنيين بتطبيقه إذ تكشف بطريقة بسيطة وموجزة أسباب اقتراح النص والمبادئ التي ينطلق منها والأهداف التي يحدّدها والتعديلات التي يجريها على القانون النافذ، فيشكّل ارفاقها بالقانون الذي تم التصويت عليه ونشرها معه في الجريدة الرسمية موجباً قانونياً على المشترع التقيّد به، غير أنّ غيابها لا يشكّل سبباً دستورياً لابطال القانون المطعون فيه إذ أنها لا تتمتع بالقيمة القانونية valeur juridique خلافاً لاحكام القانون الذي ترافقه، والتي تخضع لرقابة المجلس،
وحيث إنّ عدم إرفاق الفقرتين الثانية والثالثة من القانون بأسباب موجبة لا يشكل مخالفة للدستور.
2-في الأسباب المتعلّقة بمخالفة مضمون النصّ المطعون فيه لأحكام الدستور والمبادئ ذات القيمة الدستورية:
أ- في السبب المتعلّق بمخالفة مبدأ المساواة ومبدأ شمولية القانون وتجردّه المتفرّع عنه :
حيث إنّ جميع الطاعنين يدلون بمخالفة القانون لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل والمساواة أمام القانون والمساواة في تولي المناصب العامة المكرسة في الفقرة "ج" من مقدمة الدستور والمادتين /7/ و/12/ منه، ومبدأ عدم التمييز المكرس في المادتين /2/ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و/2/ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المعطوفتين على الفقرة "ب" من مقدمة الدستور، فضلاً عن مخالفته مبدأ شمولية القانون وتجرّده، المتفرّع عن مبدأ المساواة، كونه تمّت صياغته على قياس أشخاص معينين،
وحيث إنّ البند(أولاً)من القانون المطعون فيه ينصّ على أنّه يضاف الى المادة /2/ من المرسوم الاشتراعي رقم /150/ تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته (قانون القضاء العدلي) الفقرة الآتية: "باستثناء حالة بلوغ السن القانونية يستمرّ الأعضاء الذين انتهت ولايتهم بتاريخ ١٤/١٠/٢٠٢٤ في ممارسة أعمالهم إلى حين تعيين بدلاء عنهم وحلفهم اليمين المنصوص عنها في المادة ٣ من هذا المرسوم الإشتراعي"،
وحيث إنّ البند المذكور لا يرسي قاعدة عامّة تطبّق للمستقبل تفادياً لأي شغور أو تعطيل قد يهدّد استمرارية عمل مجلس القضاء، كما جاء في الاسباب الموجبة للقانون المطعون فيه، انما تطال حصرًا خمسة قضاة انتهتْ مدّة ولايتهم في مجلس القضاء الأعلى في 14 تشرين الأول 2024، أي قبل حوالي الشهرين من تاريخ نشر القانون المطعون فيه،
وحيث إنّ البند (ثانياً) من القانون المطعون فيه ينص على ما يلي:
" تُعدَّل الفقرة (1) من المادة /2/ من المرسوم الإشتراعي رقم 150 تاريخ 16/9/1983 وتعديلاته (قانون القضاء العدلي)، لتُصبِح على الشكل الآتي:
«يكون النائب العام لدى محكمة التمييز عضواً حُكميا ونائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى، سواء أكان يشغل هذا المنصب بالأصالة أو بالانتداب أو بالتكليف»،
وحيث إنّ البند (ثانياً) أعطى أحد الأعضاء الحكميين في مجلس القضاء الأعلى، أي النائب العام لدى محكمة التمييز، الحق في البقاء في المجلس بكامل صلاحياته ولو كان منتدباً أو مكلفا،ً في حين لم يعط ذلك الحق ، للعضو الحكمي الآخر اي رئيس هيئة التفتيش القضائي اذا كان منتدباً أو مكلفاً على الرغم من كونه والنائب العام التمييزي في وضع قانوني واحد ، ويكون بالتالي قد أخضعهما لأنظمة قانونية مختلفة ترعى تلك العضوية من دون أي مبرّر تقتضيه المصلحة العامة،
وحيث إنّ البند (ثالثاً) من القانون المطعون فيه نصّ على تأخير سنّ تقاعد القضاة الذين يبلغون سن التقاعد في الفترة الممتدة من 15/3/2025 إلى 15/5/2026 والذين يتطلب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يتخذ في مجلس الوزراء، لمدة ستة أشهر من تاريخ تقاعدهم.
وحيث ان هذا البند يؤدي الى إفادة قضاة محدّدين واقصاء آخرين مثال الذين يعينون أيضاً في مراكزهم بمراسيم وتنتهي خدمتهم ببلوغهم السنّ القانونية في الفترة الممتدة بين تاريخ نفاذ القان وتاريخ 15/3/2025، أو الذين لا يتطلب تعيينهم في مراكزهم مرسوماً يتخذ في مجلس الوزراء، علماً أنّ هذا التمييز بين القضاة لا يستند الى أي مبرّر تقتضيه المصلحة العامة أو استمرارية المرفق القضائي لا سيما وأنّه يمكن تفادي الفراغ عند تقاعد أي من القضاة المعنيين بالقانون المطعون فيه بحلول القاضي الأعلى درجة في المحكمة أو النيابة العامة محلّه في إشغال المركز الشاغر إلى حين تعيين بديل عنه، هذا فضلًا عن إمكانية تكليف أحد القضاة القيام بمهام قضائية في أي من المراكز الشاغرة منعًا لفراغها،
وحيث إنّ القانون بالصيغة التي أقر بها يشكّل انتهاكاً لمبدأ المساواة المكرّس في المادة 7 من الدستور والفقرة (ج) من مقدّمته، ولمبدأ المساواة في تولّي الوظائف العامة المكرّس في المادة /12/ من الدستور،
يراجع قراررقم 2/2012 تاريخ 17/12/2012، حيث جاء:
"بما أن القانون يجب أن يكون واحداً لكل المواطنين، أو واحداً لجميع المنتمين منهم الى أوضاعٍ قانونية متشابهة ولا يجوز اعتماد قانون مفصلٍ على قياس أشخاص محدّدين"،
وحيث إنّ مبدأ المساواة بين القضاة المتواجدين في الوضعية عينها يشكّل عنصراً أساسياً من عناصر استقلالية القضاة والسلطة القضائية، فيقتضي ابطال القانون برمّته لهذا السبب أيضاً.
ب- في السبب المتعلّق بالمسّ باستقلالية القضاء ومبدأ فصل السلطات المكرّس في الفقرة "ه" من مقدّمة الدستور والمادة /20/ منه:
حيث إنّ جميع الطاعنين يدلون بأنّ القانون يستوجب الابطال كونه يمسّ بمبدأ استقلالية القضاء المكرّس في الفقرة "ه" من مقدّمة الدستور والمادة /20/ منه،
وحيث إنّ البند (أولاً) من المادة الوحيدة للقانون المطعون فيه تجدّد ولاية أحد القضاة المنتخبين في مجلس القضاء الأعلى عملاً بأحكام الفقرة "ب" من المادة /2/ من قانون تنظيم القضاء العدلي،
وحيث إنّ انتخاب أعضاء المجلس من أقرانهم يعتبر بحسب المعايير الدولية احدى ضمانات استقلالية مجلس القضاء الأعلى، وهو أحد أوجه الاصلاح القضائي الذي لحظته وثيقة الوفاق الوطني عام 1989، بحيث نصّت الفقرة (ج) من البند المتعلق باصلاح المحاكم على ما يلي: " تدعیماً لاستقلال القضاء: ینتخب عدد معیّن من أعضاء مجلس القضاء الأعلى من قبل الجسم القضائي"،
وحيث إنّ المشّرع كان من خلال نصّ المادة المذكورة قد أرسى حقاً مُكتسباً للسلطة القضائية بتكوين إدارتها عبر آلية إنتخابٍ جزئي، الأمر الذي يدخل في عداد الضمانات التي تؤمّن استقلالية أكثر فعالية للقضاء، وبالتالي، يكون القانون قد حرم القضاة من انتخاب أحد ممثليهم في المجلس عبر إعادة إحياء ولاية عضو منتخب منتهية ولايته، عملًا بالفقرة الأخيرة من المادة /2/ من القانون التي نصت على أن " ولاية القضاة المذكورين في الفقرتين (ب) و (ج) هي ثلاث سنوات غير قابلة للتجديد إلا بعد إنقضاء ولاية كاملة على إنتهاء ولايتهم "،
وحيث إنّ تدخل المشرّع على هذا النحو يشكّل انتقاصًا من ضمانات استقلالية أعضاء مجلس القضاء الأعلى الذي يسهر على استقلالية القضاء وحسن سير عمله،
وحيث إنّ البند (ثانياً) من القانون المطعون فيه جعل من النائب العام لدى محكمة التمييز، الذي يشغل هذا المنصب بالإنتداب أو بالتكليف، عضواً حكمياً ونائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى أسوةً بمن يشغل هذا المنصب أصالةً أي المعيَّن بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء وفقاً للمادة 31 من قانون القضاء العدلي،
وحيث إنّ إيلاء عضوية مجلس القضاء الأعلى ونيابة رئاسته حكمياً إلى النائب العام لدى محكمة التمييز الذي يُعيَّن في هذا المنصب أصالةً بموجب مرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء يُراعي إلى حد بعيد قاعدة ثبات تشكيل مجلس القضاء الأعلى وتأمين متطلبات استقلالية أعضائه وتجنيبهم المؤثّرات الخارجية على اعتبار أن عزله من هذا المنصب أو نقله منه ليس بالأمر اليسير كونه يستوجب أغلبية الثلثين في مجلس الوزراء سنداً للمادة 65 بند (5) من الدستور،
وحيث إنّ إيلاء هذه العضوية ونيابة الرئاسة الحكمية إلى من يشغل هذا المنصب بالإنتداب أو بالتكليف لا يؤمِّن هذه الضمانات، لأن الإنتداب يحصل بقرار من وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الأعلى، سنداً للمقطع الأخير من المادة 20 من قانون القضاء العدلي التي تنصّ على أنّ وزير العدل يقرر ما تقتضيه الضرورة من الانتدابات بعد موافقة مجلس القضاء الاعلى، فيما التكليف يحصل بقرار منفرد من الرئيس الأول لمحكمة التمييز ( وهو نفسه رئيس مجلس القضاء الأعلى) سنداً للمادة عينها معطوفة على المادة 28 من قانون القضاء العدلي التي تنصّ على أنه: « يتولى الرئيس الأول في دوائر محكمة التمييز الصلاحيات العائدة إلى الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بمقتضى المواد 19 و20 و21 من هذا المرسوم الاشتراعي» وبالتالي يمكنه الرجوع عن هذا التكليف أو تعديله بقرار منفرد منه أيضاً في أي حين،
وحيث إنّه يتبيَّن أنّ القانون المطعون فيه، باعتباره القاضي المنتدب أو المكلَّف نائباً عاماً لدى محكمة التمييز عضواً حكمياً ونائباً لرئيس مجلس القضاء الأعلى، يكون قد منح وزير العدل بموافقة مجلس القضاء الأعلى من خلال الانتداب، وأعطى الرئيس الأول لمحكمة التمييز – رئيس مجلس القضاء الأعلى من خلال التكليف، صلاحية في تشكيل مجلس القضاء الأعلى وتعديل هذا التشكيل بدون أيّة ضوابط أو قيود،
وحيث أنه لا يجوز أن يقوم قاضٍ بتعيين أو عزل أتراب له في مجلس واحد، لأن ذلك يتعارَض مع قاعدة ثبات تشكيل مجلس القضاء الأعلى واستقلاليّة أعضائه ويضع أحد أعضاء المجلس وهو نائب رئيسه في وضع غير مستقرّ يسمح باستبداله بسهولة بالغة ما ينزع عن عضويّته في مجلس القضاء الأعلى صفة الديمومة بمفهومها الذي أراده القانون، وذلك يتناقض مع استقلالية القاضي ويجعله عرضة للمؤثِّرات والضغوطات وهو الأمر الذي يُخالِف بدوره مبدأ استقلالية القضاء ذا القيمة الدستورية،
وحيث وفضلاً عن ذلك، فإن القاضي الذي يَشْغل منصب النائب العام لدى محكمة التمييز انتداباً أو تكليفاً، لا يقسم اليمين المنصوص عليها في المادة 3 من قانون القضاء العدلي أمام رئيس الجمهورية، فيكون القانون المطعون فيه قد أتاح وتاح ضمّ عضو إلى مجلس القضاء بدون أن يقسم اليمين القانونية، ما يُخالِف إحدى الضمانات التي ترعى عمل مجلس القضاء الأعلى والموضوعة في المادة 3 من قانون القضاء العدلي،
وحيثإنّالقانونالمطعونفيه يكونمخالفاًلأحكامالمادة20منالدستورولمبدأاستقلاليةالقضاءذيالقيمةالدستورية ويستوجب الإبطال لهذا السبب.
ت- في السبب المتعلّق بمخالفة مبدأ فصل السلطات المكرّس في الفقرة "ه" من مقدّمة الدستور من خلال تعدّي السلطة التشريعية على صلاحيات السلطة التنفيذية في الفقرة الأولى من القانون المطعون فيه:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّ البند الأول من المادة الوحيدة للقانون المطعون فيه يخالف الدستور، وتحديداً المادة 65 منه بفقرتيها الثالثة والخامسة والفقرة (ه) من مقدمته، كونه يشكّل تعدّياً من السلطة التشريعية على صلاحية السلطة التنفيذية،
وحيث إنّه يتضح من البند المذكور انطباقه حصرًا على خمسة قضاة هم الذين انتهتْ مدة ولايتهم في مجلس القضاء الأعلى في 14 تشرين الأول 2024، أي قبل حوالي الشهرين من تاريخ نشر القانون المطعون فيه، ما يشكّل عمليًا تعيينًا جديدًا لهم من قبل السلطة التشريعية، إلى حين تعيين بدلاء عنهم،
وحيث إن هذا التعيين يخالف الأصول المحددة في المادة الثانية من قانون تنظيم القضاء العدلي التي تنص على أن تعيين بدلاء لأربعة منهم يكون من قبل السلطة التنفيذية بمرسوم تتخذ بناءً لاقتراع وزير العدل من قبل أعضاء محاكم التمييز، لاحقاً بالمرسوم إياه دون امكان التجديد لأي منهم إلا بعد انقضاء ولاية كاملة على انتهاء ولايتهم.
وحيث إنّه، إذا كان مجلس النواب يتمتّع باختصاص شامل على صعيد التشريع، على ما جاء في المادة 16 من الدستور، بحيث لا يقتصر اختصاصه على المواضيع المحجوزة له صراحة، بل يمكنه ان يشرّع صحيحاً في أي موضوع يريده بقانون يصدر عنه، غير أنّ صلاحيته في التشريع تبقى مشروطة بتوافقها وأحكام الدستور والمبادئ العامة ذات القيمة الدستورية،
وحيث إنّ الفقرة (3) من المادة 65 من الدستور حصرت بمجلس الوزراء أمر تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم، إلا أنّ أعضاء مجلس القضاء الأعلى والقضاة عموماً يتمتّعون بوضعية خاصة نصّ عليها الدستور تميّزهم عن الموظفين العموميين بالمفهوم الضيق، كونهم يتولّون بحكم وظيفتهم السلطة القضائية عملاً بأحكام المادة 20 من الدستور، والتي تقضي أن تتوفر لهم وللمتقاضين عبرهم جميع الضمانات اللازمة لممارسة عملهم بكل استقلالية،
وحيث إن تدارك التعطيل في عمل مجلس القضاء الأعلى وانعكاساته السلبية وفق ما ورد في الأسباب الموجبة للقانون، لا يبرر حجم الضرر الناجم عن تعدّي السلطة المشترعة على صلاحية محفوظة للسلطة الاجرائية وما نتج عنه من خرق لمبدأ الفصل بين السلطات المكرّس في الفقرة (ه) من مقدّمة الدستور، والذي يشكّل ركيزة أساسية في النظام البرلماني الديمقراطي في لبنان، ولمبدأ استقلالية القضاء ولمبدأ المساواة،
وحيث ان البند (أولاً) من المادة الوحيدة للقانون المطعون فيه يكون مخالفاً للدستور لهذا السبب أيضاً.
ث- في السبب المتعلّق بمخالفة البند (ثالثاً) من القانون المطعون فيه لمبدأ فقه القانون ووضوحه:
حيث إنّ الطاعنين في المراجعة رقم 10/و/2024 يدلون بأنّ الفقرة الثالثة من القانون المطعون فيه تتسم بعدم الوضوح لجهة كيفية الاستفادة من تمديد سن التقاعد وعدد المرّات التي يُمكن الاستفادة فيه، إذ أنها تقبل تفسيرين مختلفين: الأول، أن القاضي الذي تتوفر فيه شروط الاستفادة منها يمدّد سن تقاعده ستة أشهر لمرّة واحدة، والثاني، أنّه بإمكان القاضي الذي استفاد من تمديد تقاعده أن يستفيد أكثر من مرة، وما يزيد من غموض هذا النص هو خلو الأسباب الموجبة والمناقشات النيابية من أية إشارة إلى هذه المادة أو إلى الغاية من وضعها،
وحيث إنهم يدلون أيضاً بأنّه إذا تمّ الأخذ بالتفسير الثاني، فذلك سوف يؤدي الى حالة لا مساواة وتمييز حتى داخل فئة القضاة المستفيدين من هذه المادة، بحيث يمكن أن يستفيد أحدهم من تمديد قد يصل إلى سنة ونصف لبلوغه سن التقاعد في نيسان 2025 على سبيل المثال، فيما لا يستفيد آخر منه إلا لستة أشهر لبلوغه سنّ التقاعد في نيسان 2026،
وحيث إنّ الغموض الذي يشوب نص البند (ثالثاُ) من القانون المطعون فيه يفسح المجال أمام تطبيقه بشكل استنسابي قد يمسّ بمبدأ المساواة بين المستفيدين منه، الأمر الذي يتعارض مع مبدأ فقه القانون ووضوحه المتفرّع بدوره من مبدأ المساواة المكرس في المادة 7 من الدستور والفقرة (ج) من مقدمّته،
وحيث إنّ البند (ثالثاُ) يكون مستوجباً الإبطال لهذا السبب أيضًا.
لهـــــــذه الأســــــــــــــــــبــــاب،
يقرّر بالإجماع:
أولاً- في الشكل:
قبول مراجعة الطعن رقم 10/و/2024 والمراجعات ذات الأرقام 11/و و12/و و13/و/2024 المضمومة اليها، لورودها ضمن المهلة القانونية واستيفائها لسائر الشروط الشكلية.
ثانياً- في الأساس:
1-ابطال القانون رقم327/2024 تاريخ 4/12/2024 كلياً لمخالفته أصول التشريع ومبدأ وضوح المناقشات البرلمانية ذا القيمة الدستورية، والضمانة الدستورية المنصوص عليها في المادة /20/ من الدستور لجهة عدم استطلاع رأي مجلس القضاء الأعلى، ومبدأ استقلالية القضاء، ومبدأ المساواة المنصوص عليه في المادة 7 من الدستور والفقره (ج) من مقدّمته، ومبدأ الفصل بين السلطات، ومبدأ وضوح وفقه النص ذا القيمة الدستورية.
2- إبلاغ هذا القرار من رئيس الجمهورية، رئيس مجلس النواب، رئيس مجلس الوزراء، رئيس مجلس القضاء الاعلى ونشره في الجريدة الرسمية.
قراراً صدر في الحدت بتاريخ 7/1/2025
ميراي نجم الياس مشرقاني فوزات فرحات ميشال طرزي
رياض أبو غيدا أحمد أكرم بعاصيري ألبرت سرحان
أمين السرّ الرئيس
عوني رمضان طنوس مشلب