قرار رقم 2024/3
رقم القرار: 3/2024 تاريخ: 4 /4/2024
رقم المراجعات: 2/2024 تاريخ 15/2/2024
3/2024تاريخ 26/2/2024
4/2024 تاريخ 27/2/2024
5/2024 تاريخ 27/2/2024
6/2024 تاريخ 29/2/2024
الموضوع: القانون رقم 324/2024- تاريخ 12 شباط 2024 (قانون الموازنة العامة للعام 2024) المنشور في ملحق العدد /7/ من الجريدة الرسمية تاريخ 15/2/2024.
إنّ المجلس الدستوري الملتئم في مقرّه بتاريخ 4/4/2024 برئاسة رئيسه القاضي طنوس مشلب وحضور نائب الرئيس القاضي عمر حمزة، والأعضاء: عوني رمضان، أكرم بعاصيري، ألبرت سرحان، رياض أبو غيدا، ميشال طرزي، فوزات فرحات، الياس مشرقاني وميراي نجم.
بعد الاطلاع،
تبيّن ما يلي:
بتاريخ 12 شباط 2024 صدر قانون الموازنة العامة للعام 2024 برقم 324/2024 ونشر في ملحق العدد 7 من الجريدة الرسمية تاريخ 15/2/2024،
وبالتاريخ الأخير إيّاه قدّم السادة النواب: جورج عدوان، الياس الخوري، نزيه متى، سعيد الأسمر، أنطوان الياس اسطفان، بيار بو عاصي، كميل شمعون، زياد الحواط وغسان حاصباني، مراجعة طعن بالقانون المذكور سجّلت في قلم المجلس برقم 2/و/2024 طلبوا فيها تعليق مفعول القانون المطعون فيه فوراً، ثم إصدار القرار النهائي بقبول المراجعة شكلاً وأساساً إبطال القانون لمخالفته أحكام المادة 87 من الدستور والفقرة "ه" من مقدّمته، واستطراداً الحكم ببطلانه جزئياً لاسيما المواد رقم 36 و45 و72 و93 و94 منه وتلك التي يراها المجلس بمعرض رقابته الشاملة، لعلّة مخالفة أحكام الدستور، لاسيما أحكام المادتين 81 و82 منه،
وأدلوا بوجوب قبول المراجعة شكلاً لاستيفائها لجميع الشروط الشكلية وفي الأساس:
1- بمخالفة القانون المطعون فيه لأحكام المادة 87 من الدستور ولأحكام الفقرة "ه" من مقدمته، لمناقشة الموازنة وإقرارها بدون قطع الحساب.
2- بمخالفة القانون المطعون فيه لأحكام المادتين 81 و82 من الدستور اللتين تنصّان صراحة على عدم جواز إحداث ضريبة أو تعديلها أو إلغائها الا بموجب قانون، وأنّ غالبية مواد الموازنة المطعون فيها قد عدّلت أو ألغت ضرائب عدّة في قانون الموازنة، وليس في قانون مستقل، وعلى سبيل المثال المواد 36 و45 و72 و153 و93 و94، وكذلك باقي المواد التي أدرجت في قانون الموازنة بشكل مخالف للدستور والتي تشكل "فرسان موازنة".
وتبيّن أنّه جرى توجيه كتاب لمجلس النواب لإيداع المجلس الدستوري نسخة عن مناقشة القانون وإقراره في الهيئة العامة، وقد وردت النسخة المطلوبة في 20 شباط 2024.
وفي 16/2/2024 جرى التداول في وقف القانون المطعون فيه، وصدر قرار بالأكثرية بوقف مفعول المواد 36 و45 و72 و153 و93 و94 لحين صدور القرار النهائي.
وبتاريخ 26 شباط 2024 وردت مراجعة طعن ثانية بالقانون المذكور سجّلت برقم 3/و/2024، موقّعة من النواب السادة: سامي الجميل، ميشال الدويهي، وضاح الصادق، ميشال معوض، فؤاد مخزومي، مارك ضو، نديم الجميل، أشرف ريفي، سليم الصايغ والياس حنكش، الذين طلبوا قبول طعنهم شكلاً وتعليق مفعول القانون كلياً أو جزئياً فوراً، لحين أخذ القرار بإبطاله كلياً أو جزئياً، وأدلوا في الأساس بمخالفة القانون المطعون فيه:
أ- لأحكام المادة 36 من الدستور لجهة عدم التصويت بالمناداة.
ب- لأحكام المادة 87 من الدستور لجهة عدم احترام الأصول الدستورية وعدم اعداد قطع الحساب والمصادقة عليه قبل المصادقة على الموازنة ونشرها.
ج- مخالفة المادة 95 منه للمادتين 16 و18 من الدستور والفقرتين (ج) و(د) من مقدّمته ولمبدأ صدقية المناقشات البرلمانية وللتزوير الحاصل في اضافتها.
د- مخالفة المواد 2 و3 و59 منه والجدول رقم 2 للمادتين 18 و51 من الدستور ولمبدأ صدقية ووضوح المناقشات البرلمانية لجهة ورودها خلافاً لما أقرّه المجلس النيابي.
ه- مخالفته لأحكام المادة 83 من الدستور، لجهة تضمينه مواد دخيلة عليه هي
"فرسان موازنة".
و- مخالفة المادة 91 منه لأحكام المواد 81 و82 و83 و16 من الدستور والفقرة (ه) من مقدّمته لأنها تمنح تفويضاً لا يجيزه الدستور كما انه تخالف مبدأ عدم رجعية القوانين.
ز- مخالفة المادة 83 منه لأحكام المادة 16 من الدستور والفقرة "ه" من مقدّمته لعدم جواز تعديل القانون من قبل الحكومة، بعد إقراره في مجلس النواب.
وبتاريخ 27/2/2024، قدّم السادة النواب: طه ناجي، أشرف ريفي، جميل عبود، حيدر ناصر، عبد الكريم كبارة، الياس الخوري، فيصل كرامي، إيهاب محمد، محمد يحي وعدنان طرابلسي، مراجعة طعن بالمادة 66 من القانون سجلت برقم 4/و/2024، تضمّنت طلباً بقبول المراجعة شكلاً ووقف مفعول المادة 66 فوراً ومن ثم إصدار القرار بإبطالها لمخالفتها النصوص الدستورية وغياب قطع الحساب وفرسان الموازنة.
وبتاريخ 27/2/2024 أيضاً، قدّم النواب السادة: بولا يعقوبيان، نجاة صليبا، شربل مسعد، فراس حمدان، عبد الرحمن البزري، إبراهيم منيمنة، ياسين ياسين، ملحم خلف، أسامة سعد وأشرف ريفي، مراجعة طعن بالقانون السابق ذكره سجلت برقم 5/و/2024، وطلبوا قبول المراجعة شكلاً ووقف مفعول القانون كلياً أو جزئياً ومن ثمّ إصدار القرار في الأساس بإبطاله كلياً وإلا جزئياً للمخالفات التي يمكن أن يراها المجلس عفواً، بالإضافة الى المخالفات التالية:
1- مخالفة الأصول الدستورية في إقرار القانون ونشره، المنصوص عليها في المواد 36 و74 و87 من الدستور ومبدأ وضوح المناقشات البرلمانية وشفافية أعمال السلطة الاشتراعية ذي القيمة الدستورية، وقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري وإلزاميتها، إضافةً الى مخالفة أحكام المادتين 18 و51 من الدستور لورود المادتين الثانية والثالثة منه خلافاً لما أقرّه مجلس النواب، إضافة الى عدم إقراره لموازنة الواردات المتمثلة بالجدول رقم (2) الملحق بالقانون المطعون فيه.
2- مخالفة المادتين 39 و40 منه لأحكام المادة 83 من الدستور كونهما من فرسان الموازنة، ومخالفتهما لقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري وإلزاميتها.
3- مخالفة الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 46 منه لأحكام المادتين 18 و51 من الدستور، لأنّ مجلس النواب كان قد حذف تلك الفقرة من نصّ المادة المذكورة، فضلاً عن مخالفتها لمبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية المنصوص عليهما في البند (ج) من مقدمة الدستور وفي المادة 7 من الدستور.
4- مخالفة المادة 56 منه لأحكام المادة 83 من الدستور كونها من فرسان الموازنة فضلاً عن مخالفتها لأحكام المادتين 18 و51 من الدستور لناحية تجديد مدة التسع سنوات التي تضمنتها في فقرتها الثانية.
5- مخالفة المادة 87 منه لمبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية المكرسين في الفقرة (ج) من مقدّمة الدستور والمادة 7 منه، ومخالفتها لقوّة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري وإلزاميتها، وانتهاكها لمبدأي استقلالية القضاء والفصل بين السلطات المرعيين بأحكام المادة 20 من الدستور والفقرة "ه" من مقدمته، فضلاً عن مخالفتها لأحكام المادة 83 من الدستور كونها من فرسان الموازنة.
6- مخالفة المادة 91 منه لأحكام المادتين 81 و82 من الدستور وللمبادئ الدستورية، بما فيها مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في الفقرة "ه" من مقدمة الدستور، لأنها تمنح تفويضاً لا يجيزه الدستور وانتهاكها لمبدأ استقلالية القضاء المرعي بأحكام المادة 20 من الدستور.
7- مخالفة المادتين 93 و94 منه للمادتين 18 و51 من الدستور بتضمّنها كلمة "ضريبة" ما يوجب تصحيحها واستبدالها بعبارة "غرامة".
8- مخالفة عبارة "وتحدّد دقائق تطبيقها بقرار يصدر عن وزير المالية" الواردة في ختام المادة 94 من القانون المطعون فيه لأحكام المادتين 18 و51 من الدستور كون مجلس النواب لم يقرّها ولم يوافق عليها.
9- مخالفة المادة 95 منه لأحكام المادة 87 من الدستور.
10- مخالفة المادة 51 معطوفة على المادة 62 من الدستور، لجهة حذف عبارة "البلديات واتحاد البلديات" من المادة 7 من القانون المطعون فيه وإضافة البند (ب) الى المادة 83 منه، إضافة الى مخالفة البند (ب) المذكور للمادتين 81 و82 من الدستور ومبدأ فصل السلطات المرعي بأحكام الفقرة "ه" من مقدمة الدستور.
وفي 29/2/2024 قدّم النواب السادة: بولا يعقوبيان، حليمة قعقور، عبد الرحمن البزري، أسامة سعد، سجيع عطية، سينتيا زرازير، عماد الحوت، شربل مسعد، الياس جرادي ونبيل بدر، مراجعة طعن خامسة بالقانون، سجّلت برقم 6/و/2024، وطلبوا قبولها شكلاً واتخاذ القرار الفوري بوقف مفعول المواد95 و87 و86 و51 و91 و56 و69 والفقرة (24)- مكرر ب من المادة 66 من القانون المطعون فيه، وتصحيح المواد 46 و93 و94 و2 و3 منه، في ضوء محضر مناقشته في الهيئة العامة وتسجيلاتها، وتفسير المادة 35 من الدستور على أنّ علانية الجلسات تستوجب نقلها مباشرة، والتأكيد على موجب مصرف لبنان تحديد سعر صرف الدولار، في المواد 15، 18، 41 و45 ،على نحو يتطابق مع سعر سوق القطع سنداً لمبادئ العدالة الضريبية وللمادة 81 من الدستور، وتحديد خارطة طريق للسلطات العامة للقيام، عند اعداد وإقرار موازنة عام 2025، بفصل انجاز قطع حساب عن سنة 2023 عن انجاز قطع حسابات السنوات الممتدة من 1994 حتى سنة 2022، وأدلوا بوجوب قبول المراجعة شكلاً لاستيفائها لجميع الشروط الشكلية وفي الأساس بما يلي:
1- وجوب التأكيد على أنّ اصدار قانون الموازنة بغياب قطع الحساب مخالفة دستورية مزمنة وابطال المادة 95 من القانون المطعون فيه، في موازاة فرض موجبات فعل على السلطة السياسية، لتجاوز هذه الممارسة مستقبلاً وإعادة الانتظام الدستوري.
2- وجوب ابطال المادة 87 لتضمينها تسوية ضريبية سبق وأن أبطلها المجلس الدستوري ومخالفتها لقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري ولمبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية.
3- مخالفة المادتين 86 و51 لمبدأ العدالة الاجتماعية والضريبية الذي يوجب المساواة أمام الأعباء العامة عملا بالمادة /7/ من الدستور والفقرة /ج/ من مقدمته وبالتالي:
أ- وجوب ابطال المادة 86 لانتهاكها لمبدأي العدالة الضريبية والاجتماعية والحق بالسكن.
ب- وجوب ابطال المادة 51 لانتهاكها لمبدأي العدالة الضريبية والمساواة.
4- وجود شبهة تزوير الإرادة العامة المتمثلة في مقررات المجلس النيابي وفق ما يلي:
أ- تحوير المادة 46.
ب- ورود المادة 93 خلافاً لما صوّتت عليه الهيئة العامة.
ج- إضافة فقرة على المادة 94 خلافاً لما أوردته الهيئة العامة.
د- تحوير أرقام الموازنة.
5- وجوب ابطال المواد 91 و56 لكونها تشكل فرسان موازنة.
6- وجوب ابطال المواد 56 و69 و86 لمخالفتها مبدأ سنوية الموازنة.
7- وجوب ابطال الفقرة (24) مكرر – ب من المادة 66 لمخالفتها مبدأ المساواة بين المواطنين وحرمانهم من العديد من الحقوق ذات القيمة الدستورية.
8- ضرورة ممارسة المجلس الدستوري صلاحيته التفسيرية للمواد 15 و18 و41 و45 بما يضمن العدالة الضريبية واحترام المادة 81 من الدستور.
وتبيّن أنّه بتاريخ 4/3/2024 تقرّر ضم المراجعات رقم 3 و4 و5 و6/2024 الى المراجعة رقم 2/2024 كما تقرّر تعليق مفعول المواد 10 و39 و40 و56 و69 و83 و86 و87 و91 من القانون المطعون فيه لحين البت بالمراجعة.
وتبيّن أنّه بتاريخ 7/3/2023 وتنفيذاً لكتاب أرسله المجلس الدستوري بتاريخ 28/2/2024 الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء وردت صورتا الكتابين المرسلين اليها من قبل الأمانة العامة لمجلس النواب بتاريخي 7 و8/2/2024 موضوع المحضر رقم 64 تاريخ 8/2/2024.
أولاً: في الشكل:
حيث إنّ المراجعات الخمسة وردت ضمن المهلة القانونية موقّعةً من العدد المطلوب من النواب ومستوفيةً لجميع شروطها الشكلية، فتكون مقبولةً في الشكل.
ثانياً: في الأساس:
حيث إنّه يقتضي البحث في مدى دستورية القانون المطعون فيه في ضوء الأسباب التي ارتكزت عليها الطعون والادلاءت والمطالب التي تضمّنتها، وعند الاقتضاء في ضوء ما يثيره المجلس عفواً، عملاً بصلاحيته الشاملة في الرقابة على دستورية القوانين والتي لا تقتصر على ما أثير في الطعن إنّما تمتد، بمجرد تسجيله ووضع المجلس يده عليه، الى كلّ ما يشوب القانون من مخالفات للدستور ليرتّب عليها النتائج دون أن يكون ملزماً بالتقيّد بالأسباب الواردة في الطعن او بحرفية المطالب.
وحيث إنّ الأسباب التي ترتكز عليها الطعون تندرج ضمن فئتين، الأولى ترمي الى ابطال القانون برمّته والثانية تتناول مواد متفرقة بما فيها المواد المثارة عفواً منه، ويرى المجلس بحثها وفق هذه المنهجية.
I- في الأسباب التي تطال القانون برمته.
1-في السبب المبني على عدم دستورية الجلسة التشريعية لمخالفتها أحكام المادة 74 من الدستور:
حيث إنّ الطاعنين يدلون تحت هذا السبب بعدم جواز التشريع في ظلّ الشغور الرئاسي، لأنّه عند هذا الشغور يعدّ مجلس النواب مجتمعاً حكماً بقوة القانون لأجل انتخاب رئيس للجمهورية وفقاً للمادة 49 من الدستور ويجب عليه الشروع حالاً بالانتخاب دون المناقشة أو القيام بأي عمل آخر وفقاً لنصّ المادة 74 من الدستور،
وحيث إنّ الدستور هو القانون الأسمى في الدولة، يحدّد من جهة الركائز التي بني عليها النظام الديمقراطي اللبناني، وفي طليعتها احترام الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، ويضمن الحقوق الأساسية والحريات للأفراد والجماعات، ومن جهة أخرى ينظّم عمل السلطات الدستورية على أساس الفصل بينها وتعاونها وتوازنها، ويحدّد القواعد التي تؤمّن استمرارية تلك المؤسسات وسائر المرافق العامة بهدف تسيير شؤون المواطنين،
وحيث إنّه حرصاً على هذه الاستمرارية والتي تشكّل هدفاً ذا قيمة دستورية، نصّ الدستور بشكل واضح على إجراءات ومهل تحول دون حصول الفراغ في أية سلطة من السلطات، فأوجب في المادة الثانية والأربعين منه أن «تجري الانتخابات العامة لتجديد هيئة المجلس في خلال الستين يوماً السابقة لانتهاء مدة النيابة»، ونصّت المادة 41 منه أنّه «إذا خلا مقعد في المجلس يجب الشروع في انتخاب الخلف في خلال شهرين»، كما أوجب في المادة الخامسة والعشرين منه، عند حلّ المجلس، أن يشتمل قرار الحلّ على دعوة لإجراء انتخابات جديدة تنتهي في مدة لا تتجاوز الثلاثة أشهر،
وحيث بالنسبة لرئاسة الجمهورية، وفي سبيل الغاية إيّاها، نصّت المادة 73 من الدستور على أنّه: «قبل موعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية بمدة شهر على الأقل أو شهرين على الأكثر يلتئم المجلس بناءً على دعوة من رئيسه لانتخاب الرئيس الجديد وإذا لم يدعَ المجلس لهذا الغرض فإنه يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق أجل انتهاء ولاية الرئيس»،
ونصّت المادة 74 منه على أنّه «إذا خلت سدّة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته أو سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فوراً بحكم القانون وإذا اتفق حصول خلاء الرئاسة حال وجود مجلس النواب منحلاً تدعى الهيئات الانتخابية دون إبطاء ويجتمع المجلس بحكم القانون حال الفراغ من الأعمال الانتخابية»،
وتابعت المادة 75 منه: «إنّ المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر»،
وحيث زيادةً في الحرص والاحتياط وإضافةً لكل المهل الإلزامية القصيرة التي حدّدها الدستور لاستمرار عمل مرفق الرئاسة، فقد نصّت المادة 62 منه على أنه: «في حال خلو سدة الرئاسة لأي علّة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء»،
وحيث إنّ الجدل حول جواز أو عدم جواز التشريع في ظل الشغور الرئاسي منطلقه المادة 75 السالف ذكرها والتي جاءت متمّمة للمادتين 73 و74 من الدستور والتي يقتضي تفسيرها وتحديد نطاق تطبيقها،
وحيث إنّ النصوص الدستورية والقانونية على السواء تكون متمّمةً بعضها للبعض الآخر دون أي تناقض في ما بينها، ويجب أن تفسّر في هذا الاتجاه، وبشكل يؤدي الى إعمالها كلّها وليس الى تعطيل بعضها للبعض الآخر،
وحيث إنّه لو كانت نيّة المشترع الدستوري حصر عمل المجلس النيابي، في فترة الشغور الرئاسي، بانتخاب الرئيس بدون أي عمل آخر، لاستعمل عبارات آمرة في هذا الاتجاه، كما ذهب اليه في كثير من النصوص، ولكان نصّ على ذلك صراحة كاعتماد عبارة "عند خلو سدة الرئاسة يصبح مجلس النواب هيئة ناخبة ولا يحق له القيام بأي عمل آخر قبل انتخاب رئيس الجمهورية"،
وحيث إنّ الغاية من المادة 75 هي إعطاء الأولوية لانتخاب رئيس للجمهورية وحث المجلس على الإسراع في هذا الانتخاب ومنعه من القيام بأي عمل آخر أو مناقشة في الجلسة المخصّصة للانتخاب، أما الشؤون العامة الأخرى الداخلة في اختصاص مجلس النواب، فيمكن عرضها في جلسات أخرى لطرحها ومناقشتها وأخذ القرارات بشأنها، وبالنسبة للموازنة تحديداً فإنّه عملاً بالمادة 32 من الدستور يتوجب على المجلس تخصيص جلساته في عقده الثاني للبحث فيها والتصديق عليها قبل كل عمل آخر،
« En fait, il est inadmissible que les chambres ne puissent pendant la durée de la vacance, recevoir et voter des propositions. Il peut y avoir là des crises graves exigeant le vote de mesures législatives d’une extrême urgence, or l’on ne saurait admettre que les pouvoirs soient en quelque sorte désarmés. »
Léon Duguit, Traité de droit constitutionnel, Tome IV, 2ème éd., p. 565.
وحيث إنّه لا يمكن القول أنّه يمتنع على المجلس النيابي، خلال فترة الشغور الرئاسي، أن يعقد جلسات أخرى للقيام بالأعمال التي تدخل ضمن اختصاصه لأنّ الذهاب في هذا المنحى يؤدي الى حصر كل شؤون البلاد بيد الحكومة ويطلق يدها في تسييرها دون أية رقابة مع ما قد يحتمله ذلك من إساءة استعمال السلطة، ويخلّ بشكل كامل بالتوازن بين السلطات المنصوص على الفصل بينها وتوازنها وتعاونها في الفقرة "ه" من مقدّمة الدستور، ويوقف عجلة التشريع في أمور الناس اليومية والضرورية والملحة في كثير من الأحيان، ويلحق الضرر بمصلحة البلاد العليا خاصة عندما تطول فترة الشغور الرئاسي،
وحيث إنّه إذا كانت شؤون المواطنين توجب التشريع في ظل الشغور الرئاسي مع وجود حكومة كاملة الصلاحيات، فإنّه من باب أولى القيام بذلك الواجب في ظلّ حكومة تصريف أعمال كما هو الحال في ظروف البلاد التي انعقدت فيها الجلسة التشريعية، والا انتفت الغاية من الفقرة 3 من المادة 69 من الدستور التالي نصّها: «عند استقالة الحكومة او اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة»، ما يدلّ على جواز التشريع في ظل الشغور الرئاسي،
وحيث إنّ القول بغير ما تقدّم يؤدي الى شلل في السلطات وتعطيل المرافق العامة، في حين أن استقلال السلطات عن بعضها وتوازنها يوجبان عليها أن تستمر في ممارسة صلاحياتها الدستورية، بقدر ما تسمح لها الظروف السياسية، وإذا كانت السلطة التنفيذية في حالة من الشلل بسبب خلو سدّة الرئاسة واقتصار عمل الحكومة على تصريف الاعمال بالمعنى الضيق، فلا تؤلف هذه الحالة ولا يجوز أن تؤلف عائقاً أو عذراً أمام السلطة التشريعية،
وحيث إنّه تبعاً لما تقدّم يقتضي رد السبب المدلى به لعدم وجود مخالفة للدستور.
2- في السبب المبني على مخالفة أحكام المادة 36 من الدستور:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّ القانون المطعون فيه مستوجب الابطال برمّته لعدم مراعاة أحكام المادة 36 من الدستور في التصويت عليه، إذ لم يجرِ التصويت على القانون بمجمله بالمناداة بالأسماء كما تفرضه هذه المادة،
وحيث إنّ المادة 36 من الدستور تنصّ على أنّه "تعطى الآراء بالتصويت الشفوي أو بطريقة القيام والجلوس إلا في الحالة التي يراد فيها الانتخاب فتعطى الآراء بطريقة الاقتراع السري. أمّا فيما يختص بالقوانين عموماً أو بالاقتراع على مسألة الثقة فإن الآراء تعطى دائماً بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عالٍ"،
وحيث إنّ الغاية من التصويت بالمناداة هي اتسام التشريع بالشفافية ومعرفة عدد النواب الذين صوتوا بشكل واضح وأكيد،
وحيث إنّ الدستور منح الموازنة موقعاً استثنائياً نظراً لأهميتها خلافاً لبقية القوانين، فبعدما أوجب تخصيص جلسات العقد الثاني لدرسها كما مرّ بيانه، أعطى، اذا لم تبت حتى نهاية العقد المذكور، الحق لرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة بدعوة المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة، واذا انقضى هذا العقد الاستثنائي دون البت بمشروع الموازنة نهائياً فلمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً يصدر على أثره مرسوم عن رئيس الجمهورية يجعل بموجبه مشروع الموازنة بالشكل الذي قدّم الى المجلس النيابي مرعياً ومعمولاً به (المادة 86 من الدستور)، رغم أنّ الدستور حصر إقرار القوانين بالسلطة التشريعية،
وحيث إنّه، فضلاً عن ذلك ونظراً للمفاعيل السلبية التي تترتّب على الدولة تبعاً لعدم إقرار الموازنة والتي تؤدي الى فوضى في المالية العامة، فقد أجاز الدستور حلّ مجلس النواب، في حال ردّه الموازنة برمّتها بقصد شلّ يد الحكومة عن العمل (م. 65 فقرة 4)،
وحيث إنّه من مقارنة الأهمية الاستثنائية التي أولاها الدستور لقانون الموازنة وما اتخذه بشأنه من تدابير واحتياطات تسهل إقراره وتحول دون ترك الدولة من دون موازنة سنوية مع ما يستتبع ذلك من فوضى في المالية العامة، مع الغاية المقصودة من التصويت على القوانين بالمناداة بالأسماء بصوت عال، وهي معاملة جوهرية، لا يرى المجلس حالياً إبطال القانون رغم مخالفته المادة 36 من الدستور، بعدما جرى التصويت عليه من دون ثبوت أي اعتراض على طريقة التصويت أو على عدد الذين صوتوا.
3- في السبب المبني على مخالفة المادة 87 من الدستور وقوّة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري والزاميتها:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّ القانون المطعون فيه جاء مخالفاً للمادة 87 من الدستور، إذ أنّه تمّ التصويت على الموازنة العامة، والتي لها الطابع التقديري، من دون أن يسبقها التصويت على قانون قطع الحساب، وبأنه جاء مخالفاً لقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري، لا سيما القرارات ذات الأرقام 5/2017 و2/2018 و2/2020 و1/2023، والتي أقرّ المجلس فيها جميعها أنّ اقرار قانون الموازنة من دون قطع الحساب يشكّل انتهاكاً فادحاً للدستور ومخالفةً لأحكام المادة 87 منه، ويعطّل دور وصلاحيات ومسؤوليات كلّ من السلطة التشريعية وديوان المحاسبة، وقد قضى أنّه يقتضي " أن يجري سريعاً وبدون تباطؤ الخروج من الحالة الشاذة هذه ووضع قطع حساب وفق القواعد التي نصّ عليها الدستور وقانون المحاسبة العمومية، لعودة المالية العامة الى الانتظام، ووضع حدّ لتسييب المال العام، وضبط الواردات والنفقات وتقليص العجز في الموازنة العامة، وممارسة رقابة فاعلة على تنفيذ الموازنة" (القرار رقم 2/2018)، وإنّه بات من الواجب وضع حدّ نهائي لهذه المخالفة الدستورية الذي وصفها المجلس بأنها تشكل "حالة شاذة"، أمام عدم مبالاة السلطتين التشريعية والتنفيذية بما قضى به المجلس الدستوري والتمادي في مخالفة المادة 87 من الدستور، علماً أنّ قوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري توجب التزام السلطة التشريعية بنتيجة تلك القرارات، ما يقتضي معه ابطال التشريع المخالف وفق ما قضى به القرار رقم 4/2020 تاريخ 22/7/2022،
وحيث إنّهم يدلون أيضاً بوجوب تضمين قرار المجلس الدستوري خارطة طريق تفتح المجال أمام انجاز قطع حساب عن السنوات الأخيرة من دون الحاجة الى العودة الى سنة 1993، بمعنى أن يفصل انجاز قطع الحساب عن سنة 2023 عند وضع موازنة 2025 عن انجاز قطع حساب للسنوات الممتدة من 1993 حتى 2022، من دون أن يعني ذلك بالضرورة تخلياً تاماً عن استحقاق وضع قطع حساب لحاجات المحاسبة والمساءلة، وينتهون بطلب ابطال المادة 95 من القانون المطعون فيه طالما أنّها تأتي بمثابة رفع عتب عن المخالفة الدستورية المتمثّلة في اصدار الموازنة من دون قطع الحساب، من خلال تكليف الحكومة في انجاز ما كان يفترض انجازه قبل التصويت على قانون الموازنة، فضلاً عن أنّها تؤدي في نصّها الحالي لجهة وجوب اتمام قطع الحساب منذ 1993 الى تكبير الحجر الى درجة يصبح معها إعادة العمل بالانتظام الدستوري مستحيلاً، إضافةً الى أنّه وقع خطأ في المادة 95 إذ أن قطع الحساب للسنة 1993 تم المصادقة عليه بموجب القانون رقم 408/1995،
حيث إنّ المادة 87 من الدستور نصّت على أن "حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة التالية التي تلي تلك السنة"،
وحيث إنّ قطع الحساب يعبّر عن واقع تنفيذ الموازنة وتحديداً أرقام الإيرادات والنفقات والتوازن في ما بينهما، ويعكس مدى الإلتزام بخطة عمل السنة المنصرمة، ويمكّن مجلس النواب من اتخاذ قرارات مبنية على معلومات حقيقية عند إقرار الموازنة أو تعديلها وفقاً لمعطيات مالية واقتصادية واكتشاف مكامن الخلل في المالية العامة، واتخاذ التدابير الصحيحة في الوقت المناسب،
وحيث إنّ إنجاز الحسابات المالية يتيح لهيئات الرقابة القضائية وبشكل خاص ديوان المحاسبة تدقيق أوضاع المالية العامة، ويمكّن السلطة الاشتراعية من القيام بوظيفتها الرقابية في الشق المالي من خلال مراقبة الحكومة ومحاسبتها،
وحيث إنّه وفقاً لأحكام الدستور تجري مناقشة وإقرار الحسابات المالية للسنة المنصرمة في مجلس النواب قبل إقرار موازنة السنة اللاحقة ونشرها،
وحيث إنّ المادة 118 من النظام الداخلي لمجلس النواب تنصّ على أن "يصدق المجلس أولاً على قطع الحساب، ثم على موازنة النفقات ثم قانون الموازنة، وفي النهاية، على موازنة الإيرادات"،
وحيث إنّه يتوجب على الحكومة أن تحيل قطع الحساب إلى مجلس النواب ليوافق عليه قبل نهاية كل عام ليبرئ ذمتها،
وحيث إنّ إقرار الموازنة بدون قطع حساب يعطّل دور ومسؤوليات السلطة التشريعية وديوان المحاسبة، ويعطّل بالتالي الرقابة المالية المناطة بموجب الدستور بالسلطتين التشريعية والقضائية، ويجعل السلطة التشريعية عاجزة عن ممارسة رقابة جدية عليها،
وحيث سبق للمجلس الدستوري أن أشار في قرارات سابقة الى أنّ الحكومات المتعاقبة تقاعست منذ أكثر من خمس عشرة سنة عن وضع موازنات عامة سنوية وفقاً ما نصت عليه المواد 83، 84، 85، 86، 87 من الدستور، منذ ذلك التاريخ أيضاً، كما تقاعس مجلس النواب عن القيام بدوره الأساسي في مراقبة الحكومة وإلزامها بوضع قطع حساب سنوي وإعداد موازنة عامة سنوية، وتخلّى بالتالي هو والحكومة عن القيام بالصلاحيات التي أناطها بهما الدستور، ما أدّى الى تعطيل عمل السلطة التشريعية في إجراء الرقابة المالية على السلطة الإجرائية، وخلق حالة شاذة وألحق ضرراً فادحاً بالمصلحة الوطنية العليا،
وحيث إنّ المجلس الدستوري في قراره رقم 2/2018 اعتبر أنّ عدم وضع قطع الحساب يشكّل حالة شاذة وأنّه يقتضي الخروج سريعاً ووضع قطع حساب وفق القواعد التي نصّ عليها الدستور وقانون المحاسبة العمومية،
وحيث رغم التسليم والتأكيد بأنّ الاستمرار في غياب قطع الحساب يشكّل مخالفة صريحة للمادة 87 من الدستور وتجاوزاً لتوجيهات المجلس الدستوري، إلا أنّه يبقى من الضروري التساؤل ما إذا كانت هذه المخالفة في ظروف البلاد الحاضرة توجب بشكل حتمي إبطال قانون الموازنة،
وحيث إنّ نظام المالية العامة في الدولة هو ركيزة الانتظام العام ذي القيمة الدستورية، وهذا ما لا يمكن تحقّقه إلا في إطار الموازنة العامة،
وحيث إنّ الدستور نصّ في المادة 83 من أحكامه على أنه "كل سنة في بدء عقد تشرين الأول، تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً،
وحيث يقتضي التذكير بأهمية الموازنة ومكانتها وفقا لما صار شرحه في السبب الثاني أعلاه وبنوع خاص لناحية إمكان إصدارها بمرسوم أو تسبب عدم إقرارها بحلّ مجلس النواب،
وحيث إنّ قطع الحساب اعتمد من أجل تحديد الخلل في تنفيذ موازنة سابقة والاسترشاد به لوضع موازنة لسنة قادمة، وبالتالي اعتمد وضع قطع الحساب من أجل الموازنة ولم تعتمد الموازنة من أجل قطع الحساب،
وحيث إنّه ونظراً للأهمية الاستثنائية التي أولاها الدستور للموازنة، لا يجوز للحالة الشاذة المتمثلة بغياب قطع الحساب لسنوات أن تحول دون إقرار الموازنة العامة للعام 2024 على أن يجري العمل سريعاً للخروج من الحالة الشاذة هذه ووضع قطع الحساب وفق القواعد التي نصّ عليها الدستور وقانون المحاسبة العامّة لعودة المالية العامة للانتظام،
وحيث بالنسبة للطلب الآيل الى تضمين القرار خارطة طريق تفصل بين وضع قطع حساب للسنوات الممتدة من 1993 حتى 2022 من جهة، وقطع الحساب للعام 2023، عند إقرار موازنة 2025، فإنّ هذا الأمر خارج عن إختصاص المجلس الدستوري، فيرد الطّلب بهذا الخصوص،
وحيث إنّه تبعاً لما تقدّم، يرى المجلس عدم إبطال القانون المطعون فيه لعدم سبقه بقطع الحساب لأن البديل، أي عدم إقرار الموازنة ونشرها، يؤدي إلى خلل أكبر في النظام العام المالي ويلحق ضرراً فادحاً بمصالح الدولة العليا ما يوجب ردّ سبب الطعن موضوع البحث.
4-في السبب المبني على مخالفة مبدأ وضوح المناقشات البرلمانية وشفافية أعمال السلطة الاشتراعية ذي القيمة الدستورية:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّه لم تتمّ مراعاة مبدأ وضوح المناقشات البرلمانية وشفافية أعمال السلطة الاشتراعية ذي القيمة الدستورية عند مناقشة أحكام القانون المطعون فيه والتصويت عليه، ما يستوجب ابطال القانون برمته،
وحيث إنّهم يعرضون أنّه سادت حالة من الفوضى الشديدة أثناء الجلسة المخصّصة لهذه الغاية في 26/1/2024، وفُقدت السيطرة على إدارة تلك الجلسة وانتفى التنظيم في كلام النواب ومداخلاتهم فيها، وهو ما انعكس على عملية التصويت فبات النواب في أغلب الأحيان لا يدرون على ماذا يجري التصويت وحصل الالتباس والابهام حول حقيقة الكثير مما صوّت عليه، كما أنّهم يدلون بأنهم لم يستطيعوا الاستحصال على نسخة عن محضر تلك الجلسة رغم تقديمهم طلباً رسمياً بهذا الشأن الى الأمانة العامة للمجلس، وأنّهم أفيدوا بعد انصرام أكثر من عشرين يوم على تلك الجلسة بأنّ المحضر لا يزال غير جاهز على الرغم من إحالة القانون الى الحكومة ومن ثمّ إصداره ونشره، ما يطرح السؤال حول الأساس الذي اعتمد لوضع صيغة القانون النهائية المحالة الى الحكومة، وأنّه بدا التخبط واضحاً بهذا الشأن من خلال ورود بعض النصوص في القانون المطعون فيه خلافاً للصيغة التي أقرّت بها وهذه النصوص هي موضوع الطعن رقم 6/2024، إضافة الى الكتب الموجهة من الأمانة العامة الى الحكومة بعد إحالة القانون اليها بغية تصحيح بعض أحكامه أو إضافة أخرى اليه (كما يتبيّن من قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 8/2/2024، محضر رقم 64)،
وحيث وفي حال التسليم بوجود الفوضى في إدارة الجلسة كما يدّعي الطاعنون، فإنّ تلك الحالة تكون قد طالت -حسب ادعاءاتهم- بعض النصوص التي تمّ عرضها في أسباب الطعن تفصيلاً، والتي سيتمّ التطرق اليها، وهي -أي الفوضى- لم تتناول القانون المطعون فيه برمّته، ما يستوجب ردّ هذا السبب لعدم الدقّة والوضوح.
5- في السبب المبني على مخالفة المادتين 18 و51 من الدستور بورود المادتين الثانية والثالثة منه خلافاً لما أقرّه مجلس النواب، إضافةً الى عدم إقراره لموازنة الواردات المتمثلة بالجدول رقم (2) الملحق بالقانون المطعون فيه:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأن الفوضى العارمة في إدارة جلسة إقرار قانون الموازنة المطعون فيه، انعكست على موادها وأرقامها وأدّت الى عدم التصويت على موازنة الواردات المتمثلة بالجدول رقم (2) الملحق بالقانون، وذلك بعد تأجيل إقرار المادتين 2 و3 من القانون حتى نهايتها، تحسّباً لتعديلات يمكن أن تطرأ أثناء درس المواد، الا أن العودة اليهما في ختامها تمّت بدون أي نقاش أو حتى عرض لأرقام جديدة سواء بالنسبة للاعتمادات أم الواردات، ما يستوجب ابطال أحكام المادتين 2 و3 من القانون المطعون فيه لورودهما خلافاً لما أقرّه مجلس النواب ولمخالفتها المادتين 18 و51 من الدستور، اللتين يستفاد من أحكامهما أنهما لا تمنعان فقط إصدار ونشر قانون لم يقرّه مجلس النواب وانما تحظران أيضاً اصداره ونشره خلافاً لصيغته الحرفية التي أقرّها،
وحيث إنّ الطاعنين يدلون أيضاً أنّه بعد ارجاء التصويت على المادتين 2 و3 المتعلقتين بالنفقات والايرادات على التوالي، بانتظار تبلور الأرقام النهائية للموازنة على ضوء التعديلات التي ستقوم بها الهيئة العامة، وبعد انتهاء نقاش مواد الموازنة، تمّ التصويت على المادتين كما وردتا في مشروع القانون كما عدّلته لجنة المال والموازنة، من دون أي تعديل للأرقام الواردة فيهما، وعند نشر القانون في الجريدة الرسمية ارتفعت الاعتمادات والايرادات من 295 ألف مليار ليرة الى 308,4 ألف مليار ليرة، بدون أن يذكر هذا الرقم مطلقاً، وإنّ هكذا زيادة مخالفة للمادة 84 من الدستور التي تنصّ على أنّه "لا يجوز للمجلس في خلال المناقشة بالميزانية وبمشاريع الاعتمادات الإضافية أو الاستثنائية أن يزيد الاعتمادات المقترحة عليه في مشروع الموازنة أو في بقية المشاريع المذكورة سواء كان ذلك بصورة تعديل يدخله عليها أو بطريقة الاقتراح"، وطلبوا بالنتيجة ابطال الموازنة برمّتها بسبب التحوير في ارادة النواب الحاصل فيها وفي مواد أخرى من القانون المطعون فيه، كما طلبوا أن يعمد المجلس الدستوري الى تفسير مبدأ علنية الجلسات على انّه يفرض نقلها مباشرةً لتفادي أي تحوير مستقبلي لأعمال المجلس النيابي،
وحيث إنّه بالعودة الى محضر الهيئة العامة لمجلس النواب تاريخ 26/1/2024 التي تمّت خلالها مناقشة قانون الموازنة وإقرارها، يتبيّن من الصفحتين 2 و3 منه، أنّه في مستهل الجلسة أرجئ البت بإقرار المادتين 2 و3 تحسباً لما يمكن أن تقرّ الهيئة من تعديلات، كما يتبين أيضاً من الصفحة 237، أنّه في نهاية الجلسة، عادت الهيئة ووافقت على جدول الإيرادات وقانون الموازنة برمّته،
وحيث إنّه بمراجعة كامل محضر المناقشات لم يتبيّن أنّه وردت فيه أية زيادة على الاعتمادات، أو أنّه قد تمّ التصديق على الاعتمادات بقيمة 295 ألف مليار، او وجود أي اعتراض على الأرقام التي تمّ التصويت عليها، وتعتبر بالتالي المبالغ المنشورة في الجريدة الرسمية هي المبالغ التي تمّ التصديق عليها، ويردّ كل ما ورد خلاف ذلك.
II- في الأسباب التي تتناول مواد متفرقة.
حيث إنّ الطاعنين ينسبون الى عدد من مواد القانون المطعون فيه مخالفتها لمادة أو أكثر من مواد الدستور أو المبادئ ذات القيمة الدستورية ولقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري ويرى المجلس تسهيلا للبحث التطرق الى هذه المواد تباعاً لمعرفة مدى دستوريتها في ضوء ما ينسبه اليها الطاعنون وفي ضوء أحكام الدستور والمبادئ الدستورية، إضافة الى المواد المثارة عفواً من هذا المجلس.
1- في المادة 7:
حيث إنّ المادة 7 من القانون المطعون فيه تتعلّق بتحديد أصول انفاق الهبات والقروض الخارجية وقد نصّت الفقرة الاولى منها على ما يلي:
" أ- باستثناء البلديات واتحادات البلديات تقبل وفق أحكام المادة 52 من قانون المحاسبة العمومية وتعديلاتها، والمادة 88 من الدستور، الهبات والقروض الخارجية المقدّمة الى كل من الادارات العامة والمؤسسات العامة والمصالح المستقلّة على أنواعها، والى المجالس والهيئات والصناديق على اختلاف تسمياتها، والى سائر المؤسسات والهيئات التي تتولّى إدارة مرافق عامة، ويخضع الانفاق من الهيئات النقدية ومن القروض، سواءً كان ذلك من الجزء المحلّي أو من الجزء الأجنبي، لرقابة ديوان المحاسبة حسب الأصول."،
وحيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّ مجلس الوزراء انتهى في قراره رقم 1 تاريخ 8/2/2024 الى إصدار القانون المطعون فيه وكالةً عن رئيس الجمهورية، "بعد تصحيح الخطأ المادي في المادة السابعة بحذفه منها عبارة "البلديات واتحادات البلديات"، وذلك خلافاً للمادة 51 من الدستور التي تنصّ على أنّه: "يصدر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس، ويطلب نشرها، وليس له أن يدخل تعديلاً عليها أو أن يعفي أحداً من التقيد بأحكامها"، علماً أنّ حظر إدخال أي تعديل على القانون بعد إحالته الى رئيس الجمهورية جاء مطلقاً، وإنّ ما يسري على رئيس الجمهورية يسري حكماً وحتماً على مجلس الوزراء المناطة به صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً،
وحيث إنّه جرى ضم نسخة طبق الأصل عن محضر جلسة مجلس الوزراء رقم 60 تاريخ 8/2/2024 وعن كتابي الأمانة العامة لمجلس النواب تاريخ 7/2/2024 وتاريخ 29/2/2024 الموجهين الى الأمانة لمجلس الوزراء،
وحيث يتبيّن من محضر جلسة مجلس الوزراء رقم 60 أنّ المجلس المذكور قرّر إصدار قانون الموازنة العامة للعام 2024 بعد تصحيح الخطأ المادي الوارد في المادة السابعة منه بحذف عبارة "البلديات واتحاد البلديات" من متنها، وذلك وفقاً للكتاب المرسل من أمين عام مجلس النواب الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في 7/2/2024، بموضوع "تصحيح خطأ مادي في المادة السابعة من قانون الموازنة العامة لعام 2024"، والذي تضمّن طلب تصحيح الخطأ الوارد في المادة 7 "حيث وردت عبارة "البلديات واتحادات البلديات" في متن المادة المرسلة وقد تقرر حذفها خلال جلسة الهيئة العامة"،
وحيث إنّه بالعودة الى محضر جلسة الهيئة العامة تاريخ 26/1/2024 (ص. 10 الى 13)، يتبيّن أنّه دار نقاش حول اقتراح استثناء البلديات واتحادات البلديات من أحكام الفقرة الاولى من المادة 7 ووجوب حذف عبارة "الى البلديات واتحادات البلديات" من متنها، وأن الآراء كانت متباينة حول هذا الموضوع، فبعضها كان مع الاستثناء والبعض الآخر ضدّه، وانتهت الجلسة بعدم الأخذ باقتراح تعديل المادة، وطرحت للتصويت "كما هي" (ص.13 من المحضر)، ما يدلّ على أنّه لم يتم التصويت على حذف هذه العبارة من متن الفقرة الاولى من المادة السابعة،
وحيث إنّ عدم التصويت على حذف العبارة في الهيئة العامة يزيل عنها طبيعة الخطأ المادي ويمنع التصحيح خارج إطار تلك الجلسة لأن ذلك يخالف المادة 51 من الدستور،
وحيث إنّ إعادة العبارة المحذوفة الى متن الفقرة الأولى يخلق تناقضاً بينها وبين عبارة "باستثناء البلديات واتحادات البلديات" الواردة في مستهلّ الفقرة، ما يحول دون إمكان تطبيقها ويوجب حذف هذه العبارة أيضاً.
2- المادة 10 من القانون المطعون فيه:
حيث إنّ المادة 10 من قانون الموازنة المطعون فيه تحظّر في بندها الأول إعطاء سلفات خزينة خلافاً لأحكام المواد 203- 212 من قانون المحاسبة العمومية ويضيف البند الثاني "يتحمّل كل من يخالف هذه الأحكام بأمواله الخاصة تسديد سلفات الخزينة المعطاة خلافاً للأصول ويلاحق أمام القضاء المختص"،
وحيث يتبيّن أنّ الفقرة الاولى من المادة المذكورة تعيد التذكير بوجوب التقيّد بأحكام قانون المحاسبة العمومية النافذة تحت طائلة المسؤولية، بينما الفقرة الثانية منها ترتب مسؤولية على المخالفة في حال وقوعها،
وحيث إن قانون الموازنة هو النص المتضمن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة وهو يحتوي على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والايرادات واجازة الجباية وفتح الاعتمادات اللازمة للإنفاق وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة،
وحيث يتضح أنّ الفقرة الثانية من المادة 10 المذكورة يطغى عليها الطابع العقابي على الطابع المالي، وتكون بالتالي من فرسان الموازنة ويقتضي إبطالها.
3- المواد 36 و39 و40 و56 و91 من القانون المطعون فيه:
حيث إنّه يؤخذ على هذه المواد أنّها تشكّل فرسان موازنة ولا علاقة لها بقانون الموازنة وأنه كان يقتضي إدراجها لمناقشتها وإقرارها في قوانين مستقلة وعدم دسها في قانون الموازنة،
وحيث إنّ قانون المحاسبة العمومية المتعلّق بتحديد أصول إعداد موازنة الدولة عرّف في مادته الخامسة قانون الموازنة بأنّه "النص المتضمّن إقرار السلطة التشريعية لمشروع الموازنة. يحتوي هذا القانون على أحكام أساسية تقضي بتقدير النفقات والواردات، وإجازة الجباية، وفتح الاعتمادات اللازمة للإنفاق، وعلى أحكام خاصة تقتصر على ما له علاقة مباشرة بتنفيذ الموازنة"،
وحيث إنّه يقتضي، عملاً بهذا النص وصوناً لخصوصية الموازنة العامة وتماشياً مع الاجتهاد الدستوري المستمر، استبعاد كل مادة قانونية غير مشمولة بتعريف المادة 5 المذكورة أعلاه من قانون الموازنة وذلك في سبيل سلامة التشريع ومنعاً لتمرير على عجل بعض المواد القانونية التي لا تمت بصلة للموازنة العامة دون تمكين المجلس النيابي من مراجعتها ومناقشتها في إطارها المستقل وبيان الأسباب الموجبة التي أدّت الى اعتمادها،
وحيث يقتضي اعتماد التفسير الضيق لمفهوم فرسان الموازنة وحصره بالنصوص التشريعية الخارجة كلياً عن تعريف المادة 5 من قانون المحاسبة العمومية والتي ليس لها طابع مالي وأي تأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على واردات أو نفقات الخزينة العامة.
ألف- المادة 36:
حيث إنّ المادة 36 من القانون المطعون فيه تعدّل قانون الرسوم والعلاوات البلدية، وحيث إنّ الطاعنين يعتبرون المادة 36 من فرسان الموازنة لأنها ضاعفت القيم التأجيرية المحدّدة في العام 2022 التي يفرض على أساسها الرسم، وإنّ تعديل تلك القيم وباقي الرسوم البلدية والافادات والتراخيص، يجب أن يصدر في قانون مستقل، لأنّ للبلديات استقلال مالي وإداري ولا علاقة لما تحصله بالموازنة العامة،
وحيث يتبيّن أنّ المادة المذكورة قد ألغت المادة 10 من القانون رقم 336 تاريخ 24/5/1994، واعادت العمل بأحكام المادة 10 من القانون رقم 60 تاريخ 12/8/1988 وتعديلاته (قانون الرسوم والعلاوات البلدية) فضاعفت القيم التأجيرية المحددة عن العام 2022 التي يحدد على أساسها الرسم وفقا لنسب مختلفة ووضعت معايير منطقية وواقعية ثابتة ومتحركة لتحديده،
وحيث إنّه عندما لا تكون مداخيل البلديات كافية لتغطية جميع مصاريفها ونفقاتها تؤمن التغطية المالية من السلطة المركزية، فيكون بالتالي لتحديد الرسوم البلدية واستيفائها تأثير على الموازنة ولا تعتبر تبعاً لذلك المادة 36 من فرسان الموازنة، فيرد الطعن بها.
باء- في المادتين 39 و40:
حيث إنّ المادتين 39 و40 من القانون المطعون فيه ترميان على التوالي الى تعديل المادتين 3 و4 من قانون طابع المختار رقم 273/2001 تاريخ 5/1/2001،
وحيث إنّ الطاعنين يدلون بأن المادتين المذكورتين لا ترتبطان مباشرة بالموازنة ولا علاقة لهما بها لا لجهة تقدير النفقات والواردات ولا لجهة تنفيذ الموازنة، وهما تعدّلان قانوناً سابقاً فكان ينبغي أن تنضويا في صلب القانون المعدّل لا أن تُدسّا في قانون الموازنة، وبالتالي فهما من فرسان الموازنة، إضافةً الى كونهما مخالفتين لقوة القضية المحكمة لقرار المجلس الدستوري رقم 1/2023 تاريخ 5/1/2023 والزاميته، المكرّسة بالمادة 13 من قانون إنشاء المجلس رقم 250/1993 وتعديلاته، والمادة 52 من نظامه الداخلي، ما يوجب ابطال المادتين 39 و40،
وحيث إنّ المختار يقوم بوظائف متفرقّة ذات منفعة عامة حدّدها قانون المختارين والمجالس الاختيارية الصادر في 27/11/1947، وهو يؤدّي تلك الوظائف بصورة مجانية كما يجوز له أن يستوفي رسوماً تحدّد قيمتها بمرسوم عن الشهادات الأصلية التي يعطيها (المادة 17 من قانون المختارين)،
وحيث إنّ قانون طابع المختار المعدّل بالمادتين 39 و40 من الموازنة ينضوي في هذا السياق، وهو قانون خاص بالمخاتير ينصّ في مادته الاولى على انشاء صندوق تعاوني للمختارين في لبنان غايته تأمين المنح والاعانات الاجتماعية للمستفيدين منه وتحقيق أي مشروع اجتماعي لصالح المخاتير،
وحيث إنّ المادة الثالثة منه المعدّلة بالمادة 39 من القانون المطعون فيه تنظّم موارد هذا الصندوق، ومن بينها طابع المختار الذي تمّ رفع قيمته من /1,000/ ل.ل. الى /50,000/ ل.ل. وتكون المادة 39 ذات طبيعة مالية بحتة، ولا تخرج بالتالي عن مفهوم الموازنة، إنما تكتفي بتعديل رسم تمّ اقراره سابقاً ولا تستحدث رسماً جديداً،
وحيث إنّه لجهة المادة 40 من القانون المطعون فيه والتي تعدّل المادة 4 من قانون طابع المختار عينه، فهي على عكس المادة 39 ذات طابع تنظيمي وتأديبي إذ تتناول شروط الصاق وبيع طابع المختار وتبعات عدم الصاق هذا الطابع على المختار المتخلّف، وبالتالي فإنّها لا تمتّ الى الموازنة بصلة وتعتبر فارساً من فرسان الموازنة لا محلّ له في هذا القانون، وقد سبق للمجلس الدستوري أن أبطل نصّاً مشابهاً لها في قراره رقم 1/2023 تاريخ 5/1 /2023 (قانون الموازنة العامة للعام 2022)،
لذلك، فإنّه يقتضي رد السبب الآيل الى ابطال المادة 39 من القانون المطعون فيه كونها ليست مخالفة للدستور، وابطال المادة 40 منه لمخالفتها الدستور، وتحديداً المادة 83 منه.
جيم- في المادة 56:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّ المادة 56 من القانون المطعون فيه تخالف أحكام المادة 83 من الدستور كونها من فرسان الموازنة، فضلاً عن أنّها تخالف أيضاً مبدأ سنوية الموازنة، ويطلبون، على سبيل الاستطراد، حذف عبارة "قابلة للتجديد لمرة واحدة" الواردة بعد عبارة "وتسع سنوات" في الفقرة الثانية منها لمخالفتها أحكام المادتين 18 و51 من الدستور، كون مجلس النواب حذفها ولم يقرّها ولم يصادق عليها،
وحيث يتبيّن أنّ المادة 56 من قانون الموازنة المطعون فيه ترمي الى تعديل المادة 60 من القانون الصادر في 25/5/1926 (إدارة وبيع أملاك الدولة الخصوصية)، والتي ترعى أصول تأجير أملاك الدولة الخصوصية، وهي لا ترتبط مباشرة بنفقات وايرادات الموازنة بل تتعلّق بشكل أساسي بإجراءات لها طابع اداري وتنظيمي، فتكون بالتالي من عداد فرسان الموازنة، ويقتضي ابطالها لمخالفتها للدستور، لا سيما المادتين 81 و83 منه.
دال- في المادة 91:
حيث إنّ المادة 91 من القانون المطعون فيه تنصّ على ما يلي:
"يناط بمجلس الجامعة تعيين الرسوم السنوية وسائر الرسوم وبدلات استعمال مرافق الجامعة التي تستوفى في مختلف وحداتها على أن يخضع هذا القرار لمصادقة وزير التربية والتعليم العالي ووزير المالية. وعند تعذّر انعقاد مجلس الجامعة لأي سبب كان يكتفى بمصادقة الوزيرين على قرار رئيس الجامعة بتعيين هذه الرسوم والبدلات. تعتبر صحيحة ومنتجة لمفاعيلها القانونية كافة قرارات مجلس الجامعة أو من يحلّ محلّه بتعيين الرسوم الصادرة في المرحلة السابقة لاقرار هذا القانون. يعتبر قرار تعيين الرسوم نافذاً حكماً في حال انقضاء شهرين على احالة قرار رئيس الجامعة الى وزارة التربية والتعليم العالي دون أن يردّ أو يقترن بموافقة الوزيرين."
وحيث إنّ الطاعنين يدلون بأن المادة 91 تخالف أحكام المادتين 81 و82 من الدستور والمبادئ الدستورية بما فيها مبدأ الفصل بين السلطات المنصوص عليه في الفقرة (ه) من الدستور لأنها تمنح تفويضاً لا يجيزه الدستور وتنتهك مبدأ استقلالية القضاء المرعي بأحكام المادة 20 من الدستور،
وحيث إنّهم يدلون أيضاً بأن المادة المذكورة هي من فرسان الموازنة إذ أنّها تحدّد طريقة استيفاء رسوم التسجيل في الجامعة اللبنانية، وتتصل بموازنة مؤسسة عامة مستقلة (الجامعة اللبنانية) وبآلية تنظيم الجامعة وكيفية تحديد رسومها المنظمة في قانون الجامعة، عدا أنّها تضع قاعدة عامة لا ينحصر تطبيقها في سنة الموازنة، وتخالف مبدأ الفصل بين السلطات لأنها ترمي الى تشريع زيادة رسوم التسجيل بأكثر من 10 أضعاف بقرار مشترك من وزيري التربية والمالية، وهذا القرار موضوع مراجعة ابطال أمام مجلس شورى الدولة،
وحيث إنّ هذه المادة تتعلّق حصراً بالمادة 49 من قانون رقم 75 الصادر في 6/12/1967 (قانون تنظيم الجامعة اللبنانية)، لاسيما لجهة تحديد رسوم الانتساب اليها،
وحيث إنّ الجامعة اللبنانية بحسب قانون تنظيمها المذكور أعلاه هي مؤسسة عامة لها شخصية معنوية وتتمتّع بالاستقلال العلمي، الاداري والمالي، ولوزير التربية الوطنية حق الوصاية عليها (المواد 1 و2 و3 من القانون 75/67)، ولرئيس الجامعة تفويض دائم لكي يمارس ضمن الجامعة الصلاحيات المالية والادارية التي تنيطها القوانين والأنظمة بالوزير باستثناء الصلاحيات الدستورية (المادة 4 من المرسوم الاشتراعي رقم 122/77)، وفي حال تعذّر انعقاد مجلس الجامعة يمارس صلاحياته رئيس الجامعة على أن تقترن مقرراته بموافقة مجلس الوزراء (المادة 10- فقرة (1) من المرسوم الاشتراعي رقم 122/77)،
وحيث إنّ المادة 49 المعنية بالمادة 91 المطعون فيها تنصّ على أن " يحدّد نظام الرسوم المتوجّبة على المنتسبين الى الجامعة بمرسوم يتّخذ بناء على اقتراح وزير الثقافة والتعليم العالي المبني على توصية مجلس الجامعة. يستوفى هذا الرسم وفاقاً لنظام كل كلية ومعهد"،
وحيث إنّ الاستقلالية المالية للجامعة اللبنانية تفترض أن تحتفظ الجامعة بصلاحية إقرار الرسوم،
وحيث إنّ المادة 91 المطعون فيها ترمي الى تعديل أحكام أنظمة الجامعة اللبنانية المتعلّقة بتحديد رسوم الانتساب بما يشكّل تعزيزاً لاستقلالية الجامعة، إضافة الى عدم اعتبارها من فرسان الموازنة كونها ذات طابع مالي مرجح ولها انعكاسات مالية بشكل غير مباشر على الخزينة العامة،
وحيث يقتضي معه رد هذا السبب.
4- في المادتين 45 و72 من القانون المطعون فيه:
حيث إنّ المادة 45 من القانون المطعون فيه فرضت غرامة من 10،000 الى 35،000 دولار أميركي أو ما يعادلها بالعملة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الذي يحدّده مصرف لبنان، كل مرخّص له بإشغال أملاك عمومية بحرية أو استفاد من أحكام المادة 11 من القانون 64/2017 وكذلك أي شخص آخر خالف أو يخالف مبدأ ولوج الشاطئ عبر الطرق الرئيسية والفرعية... والمراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء والتي تحدّد دقائق تأمين تواصل الشاطئ ضمن الأملاك العامة البحرية... وأوجبت على المخالف إزالة المخالفة فوراً،
وحيث إنّ المادة 72 من القانون المطعون فيه أضافت المادة 153 مكرر الى القانون رقم 44 تاريخ 11/11/2008 وتعديلاته (قانون الإجراءات الضريبية) بفرضها جميع الغرامات المتوجّبة بحسب هذا القانون على المكلّفين الملزمين التصريح وتسديد الضريبة بغير العملة اللبنانية بعملة الضريبة المتوجبة وفقاً لكل نوع مخالفة،
وحيث إنه، وتسهيلاً للعمل البرلماني، وطالما أنّ قانون الموازنة يناقَش ويصوَّت عليه بنداً بنداً، نرى اعتماد التفسير الضيّق لمفهوم فرسان الموازنة وحصره بالنصوص التشريعية الخارجة كلّياً عن تعريف المادة 5 من قانون المحاسبة العمومية والتي لا مفعول لها مباشر أو غير مباشر على واردات أو نفقات الخزينة العامة،
وحيث إنّ المادتين 45 و72 المذكورتين اللتين استحدثتا غرامة جديدة على فئة معينة من الأشخاص في إطار قانونَي إشغال الأملاك العامة البحرية وقانون الإجراءات الضريبية تنعكسان في مفاعيلهما بصورة غير مباشرة على واردات الخزينة العامة، فلا تعتبران غريبتين عن قانون الموازنة، ما يجعلهما خارج مفهوم فرسان الموازنة وبالتالي غير مخالفتين لأحكام المادتين 81 و82 من الدستور.
5- في المواد 46 و51 و66 و86 من القانون المطعون فيه:
حيث إنّه يؤخذ على هذه المواد بشكل عام مخالفتها لمبدأ المساواة في الحقوق والموجبات ولمبدأ العدالة الاجتماعية،
وحيث إنّ الدستور نصّ في الفقرة (ج) من مقدّمته على المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز او تفضيل، وفي مادته (7) على أن اللبنانيين سواء لدى القانون ويتحمّلون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم،
وحيث إن الضرائب هي من الفرائض العامة التي يجب أن تشمل كل الأراضي اللبنانية عملاً بالمادة 81 من الدستور، ويشكل هذا الشمول في الموضوع الضريبي مفهوماً تطبيقياً للعدالة الاجتماعية،
ألف- المادة 46:
حيث بالنسبة للمادة 46 من القانون المطعون فيه فإنها ترمي الى تعديل المادة 32 من قانون ضريبة الدخل (المرسوم الاشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 وتعديلاته)، وقد نصّت الفقرة ما قبل الأخيرة منها على ما يلي:
" أما أرباح شركات الأموال (الشركات المغفلة- الشركات المحدودة المسؤولية- شركات التوصية بالأسهم بالنسبة للشركاء الموصين) فتخضع لضريبة نسبية قدرها 17% (سبعة عشرة بالمئة)"
وحيث إنّ بعض الطاعنين يدلون بأنّ مجلس النواب، إبّان إقراره للقانون المطعون فيه في الجلسة المنعقدة بتاريخ 26/1/2024 ألغى الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 46 فأخضع شركات الأموال لمعدّل الضريبة التي يخضع له جميع المكلّفين، غير أن هذه الفقرة وردت في القانون المنشور، فضلاً عن أنّ هذه المادة تخالف مبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية،
بينما يدلي طاعنون آخرون بأنّه تمّ تحوير المادة 46، بحيث تمّ التصديق على التعديل التي اقترحته النائبة بوليت يعقوبيان برفع نسبة الضريبة على شركات الأموال من 17% الى 25%، وأن قانون الموازنة المنشور لم يتضمن هذا التعديل،
وحيث إنّه يعود للمشرّع أن يخضع الأرباح التي تجنيها كل من شركات الأموال من جهة والمكلّفين من غير شركات الأموال من جهة أخرى لضرائب تختلف بطبيعتها وفق السياسة المالية والضريبية المتبعة بما يؤمن المصلحة العامة، فلا يشكل أنّ هذا الاختلاف في النظام الضريبي المطبق على كل من هاتين الفئتين انتهاكاً لمبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية،
وحيث لا تكون الفقرة ما قبل الأخيرة من المادة 46 المطعون فيها مخالفة للدستور، ما يستوجب رد السبب المدلى به لهذه الجهة.
باء- المادة 51:
حيث بالنسبة للمادة 51 فإنّها ترمي الى تعديل المادة 54 من قانون ضريبة الأملاك المبنية تاريخ 17/9/1962 وتعديلاته، وهي تنصّ على ما يلي:
"أ- تخضع لضريبة الأملاك المبنية الايرادات الصافية السنوية التي تعود للمكلّف من كلّ عقار على حدة، وفقاً للمعدلات التالية:
-4% للشطر من الايرادات الذي لا يتجاوز مليار ومايتا مليون ليرة.
-6% للشطر من الايرادات الذي يزيد عن مليار ومايتا مليون ليرة ولا يتجاوز ملياران وأربعماية مليون ليرة.
-8% للشطر من الايرادات الذي يزيد عن ملياران وأربعماية مليون ليرة ولا يتجاوز ثلاثة مليارات وستماية مليون ليرة.
-11% للشطر من الايرادات الذي يزيد عن ثلاثة مليارات وستماية مليون ليرة ولا يتجاوز ستة مليارات ليرة.
-14% للشطر من الايرادات الذي يزيد عن ستة مليارات ليرة.
ولا تضاف أية علاوة على هذه الضريبة".
وحيث يؤخذ على هذه المادة بأنها عدّلت الشطور الواجب اعتمادها لاحتساب الضريبة، وهي ذات طابع تصاعدي، وقد فرضت احتساب الضريبة عن كل عقار على حدة، من دون جمعها، ما يشكّل خرقاً لمبدأ المساواة مقارنةً مع ضريبة الباب الأول (الأرباح الصناعية والتجارية)، والتي تحتسب على أساس مجمل أعمال المكلّف من دون تجزئة، ما يتوجب ابطال هذه المادة جزئياً بحذف عبارة “كل عقار على حدة"،
وحيث إنّه لم يتبيّن أنّ المادة 51 المطعون فيها ميّزت بين المكلّفين الخاضعين لضريبة الأملاك المبنية عينها، وإنّ مقارنة هذه الفئة من المكلفين مع فئة أخرى منهم، الذين يقعون تحت الباب الأول من قانون ضريبة الدخل (رقم 144/1959)، والمتعلق بالضريبة على أرباح المهن الصناعية والتجارية وغير التجارية، للقول بأنّ المادة 51 مخالفة لمبدأي العدالة الاجتماعية والمساواة لا تستقيم، إذ أن كل فئة من هؤلاء المكلّفين تقع في وضع قانوني مختلف لا يمكن مقارنته بالآخر، بحيث يعود للمشرع أن يميّز في النظام الضريبي المطبّق على كل من الفئتين بما يصبّ في المصلحة العامة،
وحيث إنّه لناحية ما جاء في الطعن حول النتائج المتوقعة لهذه الضريبة، إن لناحية الموارد الضئيلة المقدّرة، أم لجهة تشجيعها الاقتصاد الريعي على حساب الاقتصاد الانتاجي، فإن هذه المسائل تدخل في ملاءمة القانون الضريبي الذي يعود للمشرّع وحده تقديرها، والتي لا تدخل تحت رقابة المجلس الدستوري، ما يقتضي معه ردّ هذا السبب.
جيم- المادة 66:
حيث بالنسبة للمادة 66 فإن بعض الطاعنين يطالبون بابطال المادة 66 برمّتها لمخالفتها للنصوص الدستورية وغياب قطع الحساب وكونها من فرسان الموازنة، مدلين بأنّها رتّبت على جميع اللبنانيين رسوماً باهظة بما يتعلّق برسم الطابع المالي، لا سيمّا في هذا الوضع الاقتصادي الصعب والضاغط على اللبنانيين، وبأنّ الموازنة قد أقرّت بشكل مخالف للقوانين الضريبية، في حين يطلب آخرون إبطال الفقرة 24 مكرر-ب حصراً من المادة 66 المذكورة، كونها تخالف مبدأ المساواة بين المواطنين وتحرمهم من العديد من الحقوق ذات القيمة الدستورية، لأنها تلزم بدفع رسم طابع مالي للاستحصال على صور عن اخراج القيد من سجلات القيد وكل وثيقة زواج أو ولادة أو طلاق أو وفاة، وأن هذا الرسم تمّ رفعه من 20,000 ل.ل. الى 400,000 ل.ل.، اي ما يوازي 20 ضعفاً، وكانت 20,000 ل.ل. تساوي 2,9% من الحد الأدنى للأجور (675,000) قبل انهيار الليرة، وأصبحت تشكّل نسبة 4,44% من الحد الأدنى للأجور (9 ملايين ليرة)، وأن هذا التعديل سوف يمسّ بحقوق ذات قيمة دستورية بحيث يحرم المواطنين من الحصول على أوراق ثبوتية هم بحاجة اليها للتمتع بحقوق عديدة ومنها حقوق دستورية يفترض أن تكفلها الدولة، كل ذلك في ظل أزمة خانقة،
وحيث إنّ مبدأ المساواة أمام الفرائض العامة يستوجب مراعاة قدرة المكلّفين على تسديد الضرائب والرسوم، غير أنّه يعود للمشرّع أن يحدّد، وفقاً للمبادئ الدستورية ومع مراعاة خصائص كل ضريبة، القواعد التي يتمّ بموجبها تقييم القدرة على التسديد وفق معايير موضوعية وعقلانية في ضوء الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها،
وحيث إنّه بالعودة الى المناقشات التي دارت في جلسة الهيئة العامة حول المادة 66 من القانون المطعون فيه (والتي تحمل الرقم 69 في المشروع المناقش- محضر ص.153 الى 169)، يتبيّن أنّ معياراً واحداً تمّ اعتماده لرفع رسم الطابع وهو 46 ضعفاً، فيكون بالتالي قد تمّت مراعاة الوضع الخاص بالمعاملات المتعلّقة بالأحوال الشخصية المعدّدة في الفقرة 24 مكرر-ب، إذ تمّ ضربها بـ 20 ضعفاً بدلاً من 46 ضعفاً،
وحيث إنّ رقابة المجلس الدستوري تنحصر في انطباق القوانين على الدستور والقواعد والمبادئ ذات القيمة الدستورية دون غيرها من النصوص القانونية، كما أنّها لا تمتد الى النظر في ملاءمة القانون، ما يقتضي معه ردّ هذا السبب.
دال- المادة 86:
حيث فيما يختصّ بالمادة 86 فإنها تنصّ على ما يلي:
"يخفض معدّل الضريبة على أرباح التفرّغ عن العقارات المنصوص عليه في البند (ج) من ثالثاً من المادة 45 من قانون ضريبة الدخل ليصبح كما يلي:
خلافاً لأي نص آخر، وبصورة استثنائية، ولمدّة تنتهي في 31/12/2026، يخفض الى واحد بالمئة (1%) معدّل الضريبة على أرباح التفرّغ عن العقارات المنصوص عليه في الفقرة الاولى من البند ج من ثالثاً من المادة 45 من قانون ضريبة الدخل".
وحيث إنّ الطاعنين يدلون بأن هذه المادة تخالف مبدأ سنوية الموازنة، فضلاً عن أن التخفيض الذي ورد فيها يقترب الى ما يشبه الاعفاء الكامل من الضريبة من دون أي سبب موجب واضح، ما يتعارض مع مفهوم العدالة الاجتماعية إذ أنّها تفيد فئة معينة دون أخرى وتؤدي الى تفويت ايرادات على الدولة، كما يدلون بأنها من عداد فرسان الموازنة بسبب مخالفتها لمبدأ السنوية، ولأنها تمس بالحق بالسكن المكرس دستورياً،
وحيث إنّه بالنسبة لتخفيض قيمة الضريبة على أرباح التفرغ عن العقارات فانّ هذا التخفيض يدخل ضمن اختصاص المشرّع الذي يقدّره وفقاً لما يراه ملائما ولا رقابة للمجلس الدستوري على مدى تلك الملاءمة كما أنّ ذلك لا يخلّ بمبدأ المساواة طالما أنّ التخفيض يطال كل المواطنين الذي يجنون أرباحاً من تفرغهم عن عقاراتهم وهم يعتبرون ضمن فئة واحدة،
وحيث بالنسبة لمخالفة مبدأ سنوية الموازنة المكرّسة في المادة 83 من الدستور، والتي تنصّ على أنّه "كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً"،
وحيث ان امتداد مفعول المادة 86 حتى 31/12/2026 يخالف مبدأ سنوية الموازنة المشار اليه ما يوجب حذف عبارة " لمدة تنتهي في 31/12/2026".
6- في المادة 69 من القانون المطعون فيه:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّ المادة 69 من القانون المطعون فيه، التي تعفي السيارات الكهربائية والهجينة المستوردة من رسوم عديدة لمدة خمس سنوات تخالف مبدأ سنوية الموازنة،
وحيث إنّ المادة 69 تعدّل المادة 95 من القانون النافذ حكما رقم 10 تاريخ 15/11/2022 (الموازنة العامة لعام 2022) للإستمرار بالإعفاء من الرسوم للسيارات والمركبات والآليات غير الملوثة للبيئة وتنص على ما يلي:
«1- تعفى جميع السيارات والمركبات والاليات (كالدراجات الكهربائية-e-scooter –e-bicycle) الجديدة التي تعمل على الكهرباء full electric، التي يتمّ استيرادها خلال خمس سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون من 100% من الرسم الجمركي ورسم الاستهلاك الداخلي، و70% من رسم التسجيل ورسوم السير (الميكانيك) لدى التسجيل للمرة الأولى فقط.
2-أمّا السيارات الجديدة من جميع أنواع الهجينة بما في ذلك (Mild-Hybrid, Hybrid, Hybrid plug in) التي تم استيرادها منذ 1/1/2022 والتي سيتم استيرادها خلال خمس سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون فتستفيد من إعفاء بنسبة 80% من الرسم الجمركي ورسم الاستهلاك الداخلي، و70% من رسم التسجيل ورسوم السير (الميكانيك) لدى التسجيل للمرة الأولى فقط.»
وحيث إنّ المادة 83 من الدستور تنصّ على أنه: "كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدّم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة ويقترع على الموازنة بنداً بنداً"،
وحيث إنّ الدستور اعتمد مبدأ سنوية الموازنة، وهو يتيح وضع الضرائب والرسوم في القسم المخصّص للواردات، ووضع المصاريف في القسم المخصص للنفقات، واجراء التوازن بينهما للسنة القادمة، ما يفسح في المجال أمام مجلس النواب لممارسة رقابة تنظيمية ودورية على المالية العامة، خلال فترة وجيزة من الزمن، وعلى أعمال الحكومة في السنة القادمة،
وحيث إنّ نص المادة 69 لجهة الإعفاء لمدة خمس سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون لا يندرج ضمن الاستثناءات لمبدأ السنوية التي اجازها الاجتهاد الدستوري مثال قوانين البرامج، فيخالف مبدأ سنوية الموازنة المكرس في المادة 83 من الدستور،
يراجع قرار المجلس الدستوري رقم 2/2018 (مجموعة قرارات المجلس الدستوري 2015-2019 ص. 106).
وحيث إنّ المادة 69 تعدّل المادة 95 من موازنة العام 2022 متجاوزةً سنوية الموازنة كما سبق ذكره، وهي تخالف أيضاً مبدأ المساواة لجهة إعفاء المالكين الذين لم يسدّدوا الرسوم منذ 1/1/2022، بينما أنّ آخرين هم في موقع قانوني مماثل لهم يكونون قد دفعوا تلك الرسوم، فيقتضي إبطالها إبطالاً جزئياً بشطب العبارات التالية:
من الفقرة (1): "التي يتم استيرادها خلال خمس سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون."
من القرة (2): "التي تم استيرادها منذ 1/1/2022 والتي سيتم استيرادها خلال خمس سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون."
وحيث إنّ السيارات الهجينة من نوع (Mild-Hybrid) أي شبه الهجينة هي تلك التي تحمل محرّك احتراق داخلي (بنزين) المسيّر للعجلات وهو مصدر الطاقة الرئيسي للسيارة مع وجود بطارية ليثيوم ثانوية لدعم ومساندة محرّك البنزين في الانطلاق وصعود التلال، وأنّ الاختلاف الوحيد الملحوظ عن السيارات العادية هو تحسّن معدّل صرف الوقود مقارنة مع سيارات الاحتراق الداخلي التي لا تحتوي على تكنولوجيا المحركات الهجينة،
وحيث إنّ السيارات شبه الهجينة لا تعمل كهربائياً بصورة مستقلة عن محرّك الوقود، في أي وقت من الأوقات، فيشكّل الإعفاء الجمركي الذي يطالها خرقاً لمبدأ المساواة بين مالكي السيارات العادية ومالكي هذا النوع من السيارات شبه الهجينة، الأمر الذي يقتضي معه إبطال كلمتي Mild-Hybrid من عداد السيارات الهجينة المعفاة بنسبة 80% من الرسم الجمركي ورسم الاستهلاك الداخلي و70% من رسم التسجيل ورسوم السير (الميكانيك) لدى التسجيل للمرة الأولى فقط، ما يقتضي إبطال عبارة "Mild-Hybrid" الواردة في المادة 69 موضوع الطعن لمخالفتها مبدأ المساواة ذي القيمة الدستورية.
7- في السبب المبني على مخالفة المادة 83 من القانون المطعون فيه للمادة 51 معطوفة على المادة 62 من الدستور، فضلاً عن مخالفة البند (ب) منها للمادتين 81 و82 من الدستور:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأنّه تمّت إضافة الفقرة (ب) على المادة 83 من القانون المطعون فيه، بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 1 تاريخ 8/2/2024 وفقاً للكتاب المرسل من الأمانة العامة لمجلس النواب الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء تاريخ 8/2/2024، والذي تطلب بموجبه تصحيح خطأ مادي وإضافة تلك الفقرة على النحو التالي:
ب- تحدّد قيمة كل رسم من الرسوم المبيّنة أعلاه وآليات استيفاؤها بمرسوم يصدر في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزيري المالية والأشغال العامة والنقل، وله أن يحدّد الدول المعنية بالرسوم وتلك المعفية منها"،
ما يخالف المادة 51 من الدستور التي تنصّ على أنّه: " يصدر رئيس الجمهورية القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس، ويطلب نشرها، وليس له أن يدخل تعديلاً عليها أو أن يعفي أحداً من التقيد بأحكامها"،
وحيث إنّهم يعرضون أيضاً أنّ المقصود بالمادة 114 في قرار مجلس الوزراء هو المادة 83 من القانون المطعون فيه، علماً أنّ حظر إدخال أي تعديل على القانون بعد إحالته الى رئيس الجمهورية جاء مطلقاً، وإنّ ما يسري على رئيس الجمهورية يسري حكماً وحتماً على مجلس الوزراء المناطة به صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، ما يجعل إضافة فقرة على المادة 83 المذكورة آنفاً مخالفةً لأحكام المادة 51 معطوفة على المادة 62 من الدستور، إضافة الى أنّ نص الفقرة (ب) المضافة يخالف أحكام المادتين 81 و82 من الدستور، إذ أنها تفوض الى مجلس الوزراء صلاحية تحديد قيمة كل رسم وتحديد الدول المعنية بالرسوم وتلك المعفيّة منها، وهي صلاحيات محجوزة للقانون عملاً بأحكام المادتين 81 و82 من الدستور،
وحيث إنّه من العودة الى محضر جلسة الهيئة العامة تاريخ 26/1/2024 (ص. 182-183)، لا يتبيّن أنّه تمّ التصويت على المادة 83 المطعون فيها من قبل الهيئة العامة، ما يشكّل مخالفة لأحكام المادة 83 من الدستور التي تنصّ على أن "يقترع على الموازنة بنداً بنداً"،
وحيث تبعاً لما تقدّم، يقتضي اعتبار المادة 83 من القانون عديمة الوجود لعدم إقرارها في الهيئة العامة وفق الاصول المنصوص عليها في المادة 83 من الدستور.
8- في السبب المبني على مخالفة المادة 87 من القانون لقوّة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري والزاميتها، ولمبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأن المادة 87 من القانون المطعون فيه سمحت للمكلّفين ضريبياً بإجراء تسوية على التكاليف غير المسدّدة المتعلّقة بضريبة الدخل وبالضريبة على القيمة المضافة المعترض عليها أمام لجان الاعتراضات (والتي تقدّم الى الادارة الضريبية أولاً فتحيلها هذه الأخيرة الى اللجان المختصة)، بحيث تحدّد قيمة التسوية بخمسين بالمئة من قيمة الضرائب المعترض عليها وتنزل قيمة غرامات التحقق والتحصيل المتوجبة، ما يشكّل مخالفة لقرارين سابقين للمجلس الدستوري رقم 2/2018 و1/2023، كانا أبطلا مادتين سمحتا بإجراء تسويات ضريبية مماثلة، فضلاً عن كونها مخالفة لمبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية،
وحيث إنّ التسوية الضريبية المنصوص عليها في المادة 87 المذكورة أعلاه، أعفت مكلّفين تخلّفوا عن القيام بواجبهم بتسديد الضرائب المفروضة عليهم بموجب القانون، من جزء من هذه الضرائب، بينما سدّد المكلّفون، الذين هم في موقع قانوني مماثل لهم، الضرائب المتوجبة عليهم بكاملها التزاماً منهم بتنفيذ القانون،
وحيث إنّ نص المادة 87 من القانون المطعون فيه، ميّز بين المكلفين لصالح متخلّفين عن القيام بواجبهم بتسديد الضرائب المتوجبة عليهم بموجب القانون، وأعفاهم من جزء منها، بينما التزم مواطنون، في موقع قانوني مماثل لهم، بتسديد ما عليهم ضمن المهل المحددة،
وحيث إنّ التسوية الضريبية المنصوص عليها في القانون المطعون فيه تتعارض مع مفهوم العدالة الاجتماعية لأنّها لم تساوِ بين المواطنين في استيفاء الضرائب والرسوم، وانتهكت بالتالي مبدأي المساواة والعدالة الاجتماعية المنصوص عليهما في الفقرة (ج) من مقدّمة الدستور وفي المادة 7 منه، فضلاً عن أنّ من شأنها تشجيع المواطنين على التخلف عن تسديد الضرائب المتوجبة عليهم، وحمل الذين دأبوا على الالتزام بتأدية واجبهم الضريبي على التهرب من تسديد الضرائب المتوجبة عليهم، أملاً بصدور قوانين اعفاء ضريبي لاحقاً،
وحيث إنّ قانون التسوية الضريبية فضلاً عن أنّه يتعارض مع مبدأ المساواة بين المواطنين ومبدأ العدالة الضريبية، فانّه يؤدي الى التفريط بالمال العام، وبالتالي زيادة العجز في الموازنة العامة، في وقت تزاد فيه الضرائب والرسوم على سائر المواطنين من أجل تغذية الموازنة وتخفيض العجز المتنامي فيها،
وحيث إنّ الطاعنين يدلون أيضاً، أن أحكام المادة 87 المذكورة تمثل استباقاً لقرارات لجان الاعتراضات على الضرائب وتسوية لنزاعات عالقة أمامها قبل البت بها،
وحيث إنّ لجان الاعتراضات على الضرائب هي لجان ذات صفة قضائية وفق ما يستفاد من أحكام المادة 100 وما يليها من قانون الإجراءات الضريبية رقم 44 تاريخ 11/11/2008 وتعديلاته،
وحيث إنّ المجلس الدستوري أخضع اللجان ذات الصفة القضائية بتشكيلها وأعمالها وقراراتها للضمانات المنصوص عليها في المادة 20 من الدستور فارضاً استقلاليتها عملاً بمبدأ الفصل بين السلطات المكرس دستوريا، وفق ما قضى به في القرارين رقم 6/2014، تاريخ 6/8/2014 ورقم 3/2017 تاريخ 30/3/2017،
وحيث إنّ المادة 87 من القانون المطعون فيه استبقت قرارات هذه اللجان وفرضت تسوية على نزاعات عالقة أمامها، قبل البت بها، فتكون مخالفةً لمبدأي استقلالية القضاء وفصل السلطات المرعيين بأحكام المادة 20 من الدستور والفقرة (ه) من مقدمته،
وحيث إنّ إعادة إدارج أحكام قانونية مماثلة لتلك التي تمّ ابطالها من قبل المجلس الدستوري (قرار رقم 2/2018 المتعلق بموازنة العام 2018 والقرار 1/2023 المتعلق بموازنة العام 2022)، يشكل مخالفة لقوّة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري والزاميتها تجاه جميع السلطات العامة والمراجع القضائية والإدارية، عملاً بأحكام المادة 13 من قانون انشائه والمادة 52 من نظامه الداخلي،
وحيث سنداً لكل ما تقدم يقتضي ابطال المادة 87 من القانون المطعون فيه.
9- في السبب المبني على مخالفة المادة 93 لأحكام المادتين 18 و51 من الدستور:
حيث إنّ المادة 93 من القانون المطعون فيه تنصّ على ما يلي:
"خلافاً لأي نص آخر، تخضع الأرباح التي حقّقها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون نتيجة العمليات التي نفّذوها على منصة صيرفة استناداً الى تعميم مصرف لبنان بهذا الشأن والتي تفوق مبلغ 15 ألف دولار لضريبة استثنائية إضافية نسبتها 17% وتعتبر هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي".
وحيث إنّ بعض الطاعنين يدلون بأنّه أثناء مناقشة مجلس النواب لأحكام المادتين 93 و94 في جلسة إقرار قانون الموازنة بتاريخ 26/2/2024، استبدلت عبارة "ضريبة" الواردة فيهما بعبارة "غرامة"، ما يقضي بتصحيح تسمية "ضريبة" في هاتين المادتين واستبدالها بعبارة "غرامة" سنداً لأحكام المادتين 18 و51 من الدستور، في حين يدلي البعض الآخر بأنّ الهيئة العامة صوّتت على صيغة تنصّ على فرض "غرامة استثنائية" وليس "ضريبة استثنائية" بعد نقاش طويل حولها،
وحيث إنّه، بالعودة الى محضر جلسة الهيئة العامة تاريخ 26/2/2024، يتبيّن أنّ النص المقترح والذي تمّ التصويت عليه كما ورد في الصفحة 218 من المحضر، هو الآتي:
"خلافاً لأي نص آخر، تخضع الأرباح التي حقّقها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون نتيجة العمليات التي نفّذوها على منصة صيرفة استناداً الى تعميم مصرف لبنان بهذا الشأن والتي تفوق مبلغ 15 ألف دولار لغرامة استثنائية إضافية نسبتها 17% وتعتبر هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي".
وحيث إنّه يتبيّن من مجمل المناقشات التي دارت حول المادة 93، أن النواب اتفقوا على أن ثمّة أشخاصاً طبيعيين ومعنويين استفادوا من شراء ما يوازي أو يزيد عن /15,000/د.أ )خمسة عشر ألف دولار أميركي) على سعر المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة "Sayrafa" ليجنوا أرباحاً طائلة، وقد وصفت الأرباح الناتجة عن تلك العمليات بالإثراء غير المشروع، وتقرّر اقتطاع نسبة قدرها 17% من تلك الأموال، غير أنّه تباينت الآراء حول تسمية هذه النسبة المقتطعة بين "غرامة استثنائية" و"ضريبة استثنائية"، وقد تمّ اعتماد عبارتي "غرامة استثنائية" و"ضريبة" معاً في النص الذي تمّ التصويت عليه،
وحيث إنّه بالنظر للّغط الحاصل حول طبيعة النسبة المفروضة في المادة 93، يجب العودة الى قانون ضريبة الدخل (القانون رقم 144/1959) والذي نصّ في مادته الرابعة الفقرة (د) على أنّه " يعد في جملة المكلفين بهذه الضريبة: ... - كل شخص حقيقي أو معنوي حصل على ربح من عمل يدرّ ريعاً غير خاضع لضريبة أخرى على الدخل"، فكرّس بموجبه المبدأ المتعارف عليه والآيل الى اخضاع أي دخل أو ربح، مهما كانت طبيعته، للضريبة ما لم يكن هناك استثناء او اعفاء صريحان منصوص عليهما قانوناً ووفقاً للأصول،
وحيث إنّه، وفي ضوء ما تقدّم، لا يمكن تفسير عبارة غرامة الواردة في النصّ الذي جرت تلاوته على الهيئة العامة الا وفق العبارة التي تلتها، أي أنّها "ضريبة استثنائية" فرضها المشرّع على أرباح جنيت بدون سبب، ولا يجوز أن تعتبر هذه الأرباح غير المسندة الى أسباب قانونية سليمة من الأعباء القابلة للتنزيل التي تطبق على غيرها من الأرباح،
وحيث سنداً لما تقدّم، يقتضي تفسير النسبة التي تقتطع من الأرباح التي حقّقها الأشخاص الطبيعيون والمعنويون، نتيجة العمليات التي نفّذوها على منصّة صيرفة استناداً الى تعميم مصرف لبنان المنصوص عليها في المادة 93 من القانون المطعون فيه، بأنّها من نوع الضريبة الاستثنائية، وتبطل المادة 93 جزئياً بحذف عبارة "وتعتبر هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي" لمخالفتها مبدأ المساواة أمام الفرائض العامة.
10-في السبب المبني على مخالفة المادة 94 من القانون المطعون فيه للمادتين 18 و51 من الدستور:
حيث إنّ المادة 94 من القانون المطعون فيه تنصّ على ما يلي:
"خلافاً لأي نص آخر، تخضع المؤسسات والشركات التي استفادت من الدعم الذي أمّنه مصرف لبنان لتغطية فروقات سعر صرف الدولار لضريبة استثنائية إضافية مقدارها 10% على المبلغ الذي يفوق العشرة آلاف دولار، وتحدّد دقائق تطبيقها بقرار يصدر عن وزير المالية".
وحيث إنّ بعض الطاعنين يدلون بأنه، على غرار ما جرى بالنسبة الى المادة 93 من القانون المطعون فيه، استبدلت عبارة "ضريبة" الواردة فيها بعبارة "غرامة"، ما يقضي بتصحيح تسمية "ضريبة" في المادة 94 المذكورة أيضاً واستبدالها بعبارة "غرامة" سنداً لأحكام المادتين 18 و51 من الدستور، في حين أنّ البعض الآخر يدلي بأن هذه المادة لم تربط ودقائق تطبيقها عند التصويت عليها في الهيئة العامة بقرار من وزير المالية،
وحيث إنّه بالعودة الى محضر مجلس النواب المتعلّق بمناقشة هذه المادة لا يتبيّن ما هو النص الذي تمت تلاوته على الهيئة العامة ومن ثمّ التصديق عليه بالأكثرية،
وحيث إنّه فضلاً عن ذلك، فإن هذا النص يتسم بالغموض لناحية وعاء الضريبة المفروضة، إذ أنّ عبارة "على المبلغ الذي يفوق العشرة آلاف دولار" التي تلي نسبة الضريبة المحدّدة بـ 10% هي مبهمة وغير دقيقة، وغير واضح اذا كان المبلغ هو " الأرباح" المحقّقة أم مجمل ايرادات الشركات الخاضعة لهذه الضريبة، وإنّ هكذا غموض يترك هامشاً من الاستنسابية لوزير المالية في تطبيق النص، ما يتعارض مع مبدأ فقه القانون ووضوحه.
11-في السبب المبني على مخالفة المادة 95 من القانون المطعون فيه للمادة 87 من الدستور:
حيث إنّ الطاعنين يدلون بأن المادة 95 من القانون المطعون فيه مستوجبة الابطال لأنّها تأتي بمثابة رفع عتب عن المخالفة الدستورية المتمثّلة في اصدار الموازنة من دون قطع الحساب، من خلال تكليف الحكومة في انجاز ما كان يفترض انجازه قبل التصويت على قانون الموازنة، فضلاً عن أنّها تؤدي في نصّها الحالي لجهة وجوب اتمام قطع الحساب منذ 1993 الى تكبير الحجر الى درجة يصبح معها إعادة العمل بالانتظام الدستوري مستحيلاً، علماً أنّه وقع خطأ في المادة 95 إذ أن قطع الحساب للسنة 1993 قد تمّت المصادقة عليه بموجب القانون رقم 408/1995،
وحيث إنّ المادة 95 من القانون المطعون فيه هي لزوم ما لا يلزم، إذ أنّها تذكّر بوجوب الالتزام بأحكام الدستور، لا سيما أحكام المادة 87 منه التي تنص على "أنّ حسابات الإدارة المالية النهائية لكلّ سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبات"،
فيكون الطعن في دستوريتها من دون جدوى ويردّ لهذا السبب.
12-في طلب تفسير المواد 15 و18 و41 و45 من القانون المطعون فيه:
حيث إنّ الطاعنين يطلبون تفسير المواد 15 و18 و41 و45 من القانون المطعون فيه لناحية ورود عبارة "تحديد سعر الصرف الفعلي من قبل مصرف لبنان"، بحيث تفسّر أنّها صلاحية مقيّدة بمعايير موضوعية تقوم على الاستثبات من سعر الصرف الحقيقي أو سعر صرف السوق من دون أي تخفيض أو زيادة، كي يتماشى ربط تحديد الضريبة المتوجبة وفق المواد المذكورة مع مبادئ العدالة الضريبية ومع أحكام المادة 81 من الدستور التي جعلت فرض الضرائب مادة محجوزة للقانون،
وحيث بالعودة الى المواد المذكورة وفيما يتعلق بموضوع الطعن بها يتبين ان الفقرة " أ " من المادة 15 تنص على ان تستوفى بالليرة اللبنانية
"البدلات عن كل أنواع الخدمات التي تقدمها الدولة اللبنانية عبر مختلف أنواع المؤسسات المملوكة أو الممولة أو المدارة، كلياً أو جزئياً من قبلها، وإذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية بأي عملة أجنبية بالنسبة لبدلات بعض الخدمات، فيكون ذلك إلزامياً وفقاً لسعر الصرف الفعلي الذي يحدده مصرف لبنان وفقاً للأصول."
وتنص الفقرة "ج" أنه:
"باستثناء الضرائب والرسوم الواردة في الفقرة "ب" أعلاه، تحتسب وتستوفى بالليرة اللبنانية قيمة سائر الضرائب والرسوم والغرامات المتوجبة بالعملة الأجنبية وفقاً لسعر الصرف الفعلي الذي يحدده مصرف لبنان وفقاً للأصول."
وان المادة 18 تنص على أنه:
"من أجل احتساب الضريبة المتوجبة على الرواتب والأجور المدفوعة بالعملات الأجنبية وتسديدها، يتم تحويل الرواتب والأجور الى الليرة اللبنانية وفقا لأحكام المادة 35 من القانون النافذ حكما رقم 10 تاريخ 15/11/2022، ثم يتم تحويل الضريبة المحتسبة الى العملة الأجنبية التي دفعت فيها الرواتب والأجور بحسب سعر الصرف الذي يحدده مصرف لبنان.
وان الفقرة الأولى من المادة 45 تنص على أنه:
"خلافاً لأي نص آخر، يعاقب بالغرامة من 10.000 الى 35.000 $ أو ما يعادلها
بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر الصرف الفعلي الذي يحدده مصرف لبنان، كل مرخص له
بإشغال أملاك عمومية بحرية أو استفاد من أحكام المادة 11 من القانون 64/2017..."
في حين لم تنص المادة 41 أية إشارة لسعر الصرف أو الجهة التي تحدده ويقتضي رد الطعن بخصوصها.
وحيث إنّ المادة الضريبية هي مادة محجوزة للقانون حصراً لا يجوز تفويضها من قبل السلطة التشريعية الى غيرها من السلطات العامة أو المؤسسات او الادارات العامة، وذلك عملاً بالمادتين 81 و82 من الدستور اللتين نصتا على ما يلي:
المادة 81: تفرض الضرائب العمومية ولا يجوز احداث ضريبة ما وجبايتها في الجمهورية اللبنانية إلا بموجب قانون شامل تطبق أحكامه على جميع الأراضي اللبنانية دون استثناء.
المادة 82: لا يجوز تعديل ضريبة أو الغاؤها إلا بقانون.
وحيث إنّ استيفاء الدولة لحقوقها أو احتسابها للضرائب والرسوم أو فرضها الغرامات بالعملة اللبنانية على أساس سعر الصرف الفعلي الذي يحدده مصرف لبنان لا يمكن ان يفهم على أنه منح صلاحية مطلقة له لتحديد قيمة سعر الصرف بصورة كيفية لأن ذلك يشكل مخالفة للمادتين 81 و82 من الدستور بجعل المصرف المذكور يحدد الضرائب والرسوم، بطريقة غير مباشرة،
وحيث يقتضي بالتالي تحصين عبارة "تحديد سعر الصرف الفعلي من قبل مصرف لبنان" الواردة في النصوص الثلاثة أعلاه بالتحفّظات التفسيرية الالزامية، فتفسّر على أنها تشكل تكليفاً لمصرف لبنان بإفادة الادارة الضريبية بسعر الصرف الوسطي الفعلي المتداول به في السوق الحرّة، فيتم الاستناد اليه من أجل احتساب الضريبة او الرسم بالليرة اللبنانية، وفقاً للأصول القانونية، لا سيما تلك المنصوص عليها في قانون النقد والتسليف.
لــــــــــذلـــك
يقـــــرّر:
أولاً: في الشـــــكل: قبول المراجعتين 2 و3/2024 بالإجماع وقبول المراجعات 4 و5 و6 بالأكثرية.
ثانياً: في الأساس:
يقرّر بالأكثرية:
1- رد أسباب الطعن بالنسبة لمخالفة المواد 74 و36 و87 من الدستور وبالنسبة لإقرار
المادتين 2 و3 خلافاً للمادتين 18 و51 من الدستور وبالنسبة لمخالفة مبدأ وضوح المناقشات وعدم شفافية أعمال التشريع.
2- رد طلب إبطال المواد 36- 39- 45- الفقرة الأخيرة من المادة 46- 51 – 66 –
72- 91 و95.
3- إبطال كامل المواد: 40- 41- 56 -83 – 87 (عديمة الوجود) - 92 – 94
و95.
4- إبطال المواد التالية جزئياً:
ألف- المادة 7: بحذف عبارة "باستثناء البلديات واتحادات البلديات من مطلعها"
باء- المادة 10: بإبطال الفقرة 2 منها.
جيم- المادة 69: بشطب عبارة "التي يتم استيرادها خلال خمس سنوات من تاريخ
نفاذ هذا القانون" من الفقرة الأولى وعبارة "التي يتم استيرادها منذ 1/1/2022 والتي
سيتم استيرادها خلال خمس سنوات اعتباراً من تاريخ نفاذ هذا القانون" وعبارة
"Mild-Hybrid".
دال- المادة 86: بحذف عبارة "لمدة تنتهي في 31/12/2026".
هاء- المادة 93: بحذف عبارة "وتعتبر هذه الضريبة من الأعباء القابلة للتنزيل بالنسبة للمكلفين على أساس الربح الحقيقي".
5- تحصين عبارة "تحديد سعر الصرف الفعلي من قبل مصرف لبنان" الواردة في المواد 15 و18 و45 بالتحفظ التفسيري وتفسيرها على أنها تشكل تكليفاً لمصرف لبنان بإفادة الإدارة الضريبية بسعر الصرف الوسطي الفعلي المتداول به في السوق الحرة فيتم الاستناد إليه من أجل احتساب الضريبة أو الرسم.
ثالثاً: إبلاغ هذا القرار من رئاسة الجمهورية، رئاسة مجلس النواب، رئاسة مجلس الوزراء ونشره في الجريدة الرسمية.
قراراً صدر في 4/4/2024
الأعضاء
ميراي نجم الياس مشرقانيفوزات فرحات
(مخالفة) (مخالف)
ميشال طرزي رياض أبو غيدا ألبرت سرحان أكرم بعاصيري
(مخالف جزئياً) (مخالف جزئياً)
أمين السر نائب الرئيس الرئيس
عوني رمضان عمر حمزة طنوس مشلب
مخالفة
القرار الصادر بنتيجة الطعن بالقانون رقم 324/2024 (الموازنة العامة للعام 2024)
ميراي أميل نجم
عضو المجلس الدستوري
لأنّ المحاسبة والشفافية هما سمتان أساسيتان لانتظام الحياة العامة في الأنظمة الديمقراطية، وبات توافرهما ملحّ وحيوي في المرحلة المتأزّمة التي يتخبّط بها الوطن، للانتقال من نظام يعاني من غياب الاصلاح والتخطيط ويتسم بهدر المال العام والفساد على حساب المصلحة العامة، الى نظام يؤمن مصالح المواطن والوطن التي تعلو أي اعتبار،
ولأنّ الدولة أصبحت مبتورةً، مشلولةً، عاجزةً عن تأدية وظائفها الأساسية تجاه المجتمع والأفراد، بدءاً من تقديم أبسط الخدمات البديهية وضمان حقوق المواطن الأساسية وتأمين مقوّمات العيش الكريم له، وسط فوضى عارمة متمثّلة بعدم الانصياع لأحكام الدستور والقانون، ما أغرق البلاد يوماً بعد يوم في أزمات اجتماعية واقتصادية لم تعد تطاق،
ولأنّ العودة الى الدستور والالتزام بأحكامه وبمبادئه، هي الطريق الوحيد للخروج من الفوضى السائدة وإعادة الانتظام الدستوري الى الدولة بمؤسساتها وماليتها وإدارتها وقضائها وأجهزتها، وطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ لبنان،
وانسجاماً مع موقفي السابق من القرار الصادر بنتيجة الطعن بقانون الموازنة العامة للعام 2022 (القرار رقم 1/2023 تاريخ 5/1/2023)، حيث كنت قد خالفت أيضاً رأي الأكثرية لجهة عدم جواز إقرار الموازنة العامة قبل اقرار قانون قطع الحساب بما يشكل انتهاكاً لأحكام المادة 87 من الدستور، إذ أرى أنّه على السلطات العامة تطبيق أحكام الدستور ومبادئه بشكل صارم، لأنها تشكّل ركائز النظام اللبناني ومؤسساته الدستورية، وأعمدة دولة القانون التي لطالما نحلم بتحقيقها ونسعى اليها، وقد وضعت أمانةً في أيدي المجلس الدستوري كي يسهر عليها بصفته حامٍ للدستور وساهرٍ على حمايته بوجه التجاوزات والانتهاكات التي قد تصدر بحقّه من قبل السلطة التشريعية،
فانّي، وإذ أوافق الأكثرية لجهة دعوة السلطتين التنفيذية والتشريعية الى الخروج في أسرع وقت من الحالة الشاذة المتمثّلة بعدم إقرار قانون قطع الحساب ووضعه وفق القواعد التي نصّ عليها الدستور وقانون المحاسبة العامّة لعودة المالية العامة للانتظام،
لكنّني أخالف رأي الأكثرية لناحية النتيجة التي توصّلت اليها، عملاً بأحكام المادة 12 من قانون المجلس الدستوري رقم 250 تاريخ 14/7/1993 والمادة 36 من نظامه الداخلي، لكلّ ما سبق ذكره وتحديداً للسببين التاليين:
1-السبب الأول: في مخالفة القانون المطعون فيه للمادة 87 من الدستور لجهة وجوب إقرار قانون قطع الحساب قبل إقرار الموازنة:
حيث إنّ الفقرة (ج) من الدستور حدّدت نظام الحكم في لبنان على أنّه "جمهورية ديمقراطية برلمانية"،
وحيث إنّه في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، تعتبر الرقابة التي يجريها البرلمان على الموازنة العامة وعلى تنفيذها من قبل الحكومة، من أهمّ الوظائف التي أنيطت به الى جانب الوظيفة الرئيسية المتمثّلة بالتشريع، لا سيما وقد نشأت البرلمانات في الأصل على خلفية فكرة الرقابة الضريبية،
وحيث إنّ قانون الموازنة العامة يتمتّع بطابع القانون الأساسي وفقاً لأحكام الفقرة (5) من المادة 65 والتي أوردت الموازنة العامة للدولة من ضمن المواضيع الأساسية، ما يشير الى أهميته القصوى بحيث أنّ وجود الدولة مرتبط ارتباطاً عضوياً بماليتها وبانتظام تلك المالية وصدقيتها وشفافيتها، وهو يعبّر من ناحية عن سياسة الحكومة العامة، ومن ناحية أخرى، يشكّل الصك الأساسي الذي يجيز للحكومة سنوياً الجباية والانفاق ويتيح للبرلمان وللجهات الرقابية القضائية كديوان المحاسبة، اجراء الرقابة على مداخيل الدولة ونفقاتها،
وحيث إنّ الدستور اللبناني خصّص فصلاً كاملاً لمالية الدولة هو الفصل (ب) من الباب الرابع، تحت عنوان "في المالية" يشمل المواد 81 الى 89 منه، حدّد فيه مبادئ عامة ومهلاً صارمة وأصولاً مفصّلة يتمّ بموجبها إقرار الموازنة العامة للدولة، فتشكل معاً تلك القواعد الدستورية الصريحة والواضحة إطاراً شاملاً متكاملاً يسهم في انتظام المالية العامة للدولة،
وحيث إنّ الدستور أناط بمجلس النواب، بصفته ممثّلاً للسيادة الشعبية، هذه المهمّة الفائقة الأهمية المتجسّدة بالحفاظ على انتظام المالية العامة، فيقوم برقابة لاحقة على تنفيذ الموازنة للسنة المنصرمة من خلال اطلاعه على قطع الحساب المتضمّن الحسابات النهائية للإدارة العامة للسنة السابقة، فيوافق عليها بعد أن يكون ديوان المحاسبة قد دقّقها، وذلك قبل إقرار قانون موازنة العام المقبل والذي يجيز بموجبه للحكومة الجباية والانفاق مجدّداً،
وحيث إنّ مبدأ السيادة الشعبية يفترض درجة عالية من الشفافية في عمل المجلس النيابي التشريعي والرقابي، لا سيما في ما يتعلّق بالمال العام، إذ أنّه من أبسط قواعد الموازنة الوضوح والعدالة في الجباية والانفاق بالاستناد الى بيانات حسابية دقيقة، شفافة، وواضحة يتضمنّها قطع الحساب، خاصة في زمن يعاني فيه الاقتصاد الوطني من انكماش حاد وركود، وتتعرض المالية العامة لأزمة بنيوية، ما يحتّم أن يتمّ وضع قانون الموازنة العامة وإقراره وفقاً لقواعد الصدقية والشفافية والوضوح في الرؤيا الاقتصادية وأن ينطلق من بيانات حسابية مدقّقة وسليمة،
وحيث إنّ قطع الحساب والموازنة العامة، وإن كانا يُقرّان بموجب قانونين منفصلين من الناحية الشكلية، إنما هما متلازمان ومتكاملان من حيث المضمون، حيث إنّه لا يجوز إقرار الموازنة العامة للسنة القادمة من دون الاستناد الى البيانات المالية الواردة في قطع الحساب للسنة السابقة. وقد سبق للمجلس الدستوري أن ركّز على أهمية قانون قطع الحساب عبر اجتهاد مستقر، فجاء في قراره رقم 5/2017، تاريخ 22/9/2017: "بما أنّ انتظام مالية الدولة العامة، وخضوع السلطة الاجرائية لرقابة السلطة الاشتراعية في مجال الجباية والانفاق، يقتضي معرفة حقيقية للواردات والنفقات عن طريق قطع الحساب"،
وحيث إنّ مبدأ تسلسل قانوني قطع الحساب والموازنة وتلازمهما هو مبدأ دستوري، يُستدلّ عليه من صراحة أحكام المادة 87 من الدستور التي نصّت على أن «حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة وسيوضع قانون خاص لتشكيل ديوان المحاسبة»، فاستعمال فعل "يجب" في المادة 87 المذكورة يشير الى الزامية إقرار قانون قطع الحساب، كما أنّ المشترع الدستوري حرص في هذا النص على أولوية الموافقة على حسابات الأدارة النهائية "قبل" نشر موازنة السنة الثانية، وربط بين هذين القانونين، ما يشير الى أنّ أحكام المادتين 86 و87 متلازمة ولا يجوز الفصل بينهما في ضوء صراحة النص. كما أنّه لا يجوز اقرار الموازنة ونشرها من دون أن يسبقها الموافقة على قطع الحساب. وهذا ما أشارت اليه أيضاً المادة 15 من قانون المحاسبة العمومية (مرسوم رقم 14969 تاريخ 30/12/1963)، الذي يعتبر بمثابة القانون العضوي المتمّم للدستور، والتي نصت على ما يلي:
«تقدّر واردات السنة الجديدة استناداً إلى العنصرين التاليين:
أ- تحصيلات السنة الأخيرة التي أنجز مشروع قطع حسابها.
ب- تحصيلات الأشهر المنصرمة من السنة الجارية.
ولوزير المالية أن يعدل التقدير على أساس أوضاع يعتمدها، على أن يبرر أسبابها. «
وحيث إنّ هذا الترتيب التسلسلي والتلازم بين قطع الحساب والقوانين المالية (المتضمّنة قانون الموازنة)، يشار اليه في فرنسا بمبدأ "التسلسل (أو الترابط) الفاضل «le principe de chaînage vertueux» بحيث يقدّم مشروع قانون قطع الحسابات loi de règlement قبل الأول من آب، ويتمّ فحصه في القراءة الأولى من قبل البرلمان قبل التصويت على مشروع قانون المالية للعام التالي، كي يتسنّى للبرلمان مراقبة نتائج تنفيذ الموازنة العائدة للعام المنصرم قبل الشروع في مناقشة الاعتمادات والأهداف المقترحة للسنة المقبلة،
وحيث إنّ مجلس النواب، بتخلّفه عن إقرار قانون قطع الحساب قبل إقرار قانون الموازنة العامة، يكون قد تقاعس عن القيام بإحدى أهمّ الوظائف التي أناطها به الدستور والتي يستمدّها من السيادة الشعبية، وهي الرقابة على أداء الحكومة وعلى انفاقها للمال العام، بغية إبراء ذمتها للسنة المنصرمة من خلال قطع الحساب المدقّق، وهو ابراء يجب ان يسبق الموافقة على مشروع الموازنة العامة المقدّم من الحكومة والذي يجب أن يكون مرتكز بدوره الى قطع الحساب المدقّق من ديوان المحاسبة، الذي أوجده الدستور كهيئة قضائية رقابية لهذه الغاية بالذات (المادة 87 من الدستور)،
وحيث إنّ التمادي في الامتناع عن إقرار قانون قطع الحساب قبل إقرار الموازنة العامة وفق الترتيب التسلسلي الالزامي الذي نصّت عليه المادة 87 من الدستور، على الرغم مما ورد في قرارات المجلس الدستوري السابقة من ايعاز بالخروج بأسرع وقت من "الحالة الشاذة" المتمثّلة بعدم إقرار قانون قطع الحساب على مدى سنوات طويلة، يؤدّي الى تطبيع مخالفة فادحة للدستور يرتكبها المجلس النيابي غير آبه بتحزيرات المجلس الدستوري وتوصياته ما يشكل خرقاً للدستور وتجاوزاً لقوة القضية المحكمة لقرارات المجلس الدستوري، إضافةً الى أنه خرق للانتظام المالي العام المالي الذي كرّسه الدستور في أحكام صريحة ومتلازمة في ما بينها يقتضي التقيّد بها، فتتحوّل هذه الحالة الشاذة سنة بعد سنة الى قاعدة وتضحى توصيات المجلس الدستوري الى مجرد رأي استشاري غير ملزم فيما قرارات المجلس هي قرارات مبرمة وملزمة للسلطات العامة كافة، وبالتالي يقتضي على السلطة التشريعية التقيّد بها لزوماً في إطار دولة القانون،
لذلك، فإنّي أخالف رأي الأكثرية وأرى أنّه يقتضي ابطال قانون الموازنة برمّته لمخالفته المادة 87 من الدستور.
2-السبب الثاني: في مخالفة أحكام المادة 36 من الدستور لناحية عدم المناداة بالأسماء:
حيث يتبيّن أنّه لم يتمِّ التصويت على القانون بمجمله بالمناداة بالأسماء كما تفرضه المادة 36 من الدستور، والتي تنصّ على أنّه "تعطى الآراء بالتصويت الشفوي أو بطريقة القيام والجلوس إلا في الحالة التي يراد فيها الانتخاب فتعطى الآراء بطريقة الاقتراع السري. أمّا فيما يختص بالقوانين عموماً أو بالاقتراع على مسألة الثقة فإن الآراء تعطى دائماً بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عالٍ"،
وحيث إنّ المادة 81 من النظام الداخلي لمجلس النواب المتمّمة للمادتين 36 و83 من الدستور، تنصّ على أنّه "يجري التصويت على مشاريع القوانين مادة مادة بطريقة رفع الايدي. وبعد التصويت على المواد يطرح الموضوع بمجمله على التصويت بطريقة المناداة بالاسماء"،
وحيث إنّ النظام اللبناني هو نظام جمهوري برلماني ديمقراطي يقوم على احترام الحريات العامة والعدالة الاجتماعية والمساواة، تعود فيه السيادة الى الشعب عملاً بأحكام الفقرة (د) من مقدّمة الدستور، والتي نصّت على أنّ " الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية"،
وحيث إنّ السيادة الشعبية تمارس في لبنان بشكل غير مباشر عبر الممثلين المنتخبين من الشعب، الذين يعبّرون عن آرائهم في البرلمان باسم الشعب اللبناني ونيابةً عنه، ما يستدعي أن تكون هذه الممارسة تحت إشراف الناخبين ومراقبتهم ليتمكنوا من محاسبة ممثليهم وتحديد خياراتهم في الانتخابات المقبلة،
وحيث إنّ المراقبة والمحاسبة تقتضيان الشفافية في أعمال السلطة التشريعية عند إقرار القوانين، وإنّ الأصول المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور تقع في هذا السياق، وقد وضعت في الدستور منذ العام 1926، ولم يجرِ المسّ بها حتى يومنا هذا نظراً لأهميّتها وارتباطها الوثيق بطبيعة نظامنا الديمقراطي البرلماني،
وحيث إنّ الغاية من نصّ المادة 36 هي التصويت على مسألة الثقة وعلى القوانين بشفافية تامة ليكون القانون المصادق عليه من قبل رئيس الجمهورية والمنشور في الجريدة الرسمية مطابقاً لما تمّ عليه التصويت بالأكثرية في مجلس النواب، فيعكس الارادة الشعبية بكل أمانة وصدقية، ما يسمح للناس أيضاً الاطلاع على ما يقوم به النواب المنتخبون منهم وممثليهم في الحكم ، وبخاصة أنّ القوانين التي يقرّها مجلس النواب، وعلى الأخص تلك المتعلقة بالمالية العامة، لها تأثير مباشر على المواطنين (يراجع قرار المجلس الدستوري رقم 5/2017 تاريخ 22/9/2017)،
وحيث إنّ اجتهاد هذا المجلس ذهب الى اعتبار أنّ أصول التصويت على القوانين عن طريق مناداة أسماء النواب، والمنصوص عليها في المادة 36 الآنف ذكرها، هي من أصول التشريع الجوهرية المقترنة بالممارسة الديمقراطية العلنية والشفافة، وشرط ضروري للمراقبة والمحاسبة في الأنظمة الديمقراطية البرلمانية، وهي لا تقبل الاستثناء لورود تعبير دائماً في النص الدستوري الواردة فيه، وقد اعتمدها النظام الداخلي لمجلس النواب في المادتين 78 و85 منه، وقد سبق أن أبطل القانون رقم 45 الصادر في 21/8/2017 برمّته لعلّة عدم التصويت عليه بالمناداة عملاً بأحكام المادة 36 من الدستور (قرار المجلس الدستوري رقم 5/2017 المذكور آنفاً)،
وحيث إنّه لا يتبيّن من محضر الجلسة التي تمّ بموجبها إقرار قانون الموازنة المطعون فيه أنّه تمّ التصويت عليه عن طريق المناداة بعد الانتهاء من التصديق عليه بنداً بنداً،
لذلك، فإنّي أخالف رأي الأكثرية إذ أرى أنّه يقتضي ابطال قانون الموازنة المطعون فيه لعدم مراعاته قاعدة التصويت العلني عبر المناداة بالأسماء المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور.
لجميع هذه الأســــــــــباب،
أسجّل هذه المخالفة إذ أرى أنّ قانون الموازنة للعام 2024 المطعون فيه مخالفاً للمادتين 36 و87 من الدستور، ما يوجب ابطاله برمّته، خلافاً للنتيجة التي انتهى اليها قرار الأكثرية.
العضو المخالف ميراي نجم
مخالفة جزئية لناحية الشكل
مدوّنة من عضوي المجلس الدستوري
القاضيان البرت سرحان وميشال طرزي
إننا نخالف ما ذهبت اليه الأكثرية جزئياً لناحية قبول الطعون الثلاثة الآتية شكلاً والمسجّلة لدى قلم المجلس الدستوري بالأرقام 4/و ورود 27/2/2024، و5/و ورود 27/2/2024، و6/و ورود 29/2/2024 ، مع موافقتنا على ما خلص اليه القرار أساساً باعتبار أن المجلس الدستوري، بموجب صلاحيته الشاملة حكماً جميع بنود القانون المطعون فيه، كان قد وضع يده أساساً على جميع بنود قانون الموازنة منذ تقديم الطعن الأول رقم 2/و بتاريخ 15/2/2024 وبمعزل عن مدى إمكانية قبول الطعون المقدّمة لاحقاً شكلاً.
أسباب المخالفة الجزئية:
حيث إن المادة 19 من القانون رقم 250 الصادر في 14/7/1993 القاضي بإنشاء المجلس الدستوري نصت على انه ..."ولعشرة أعضاء من مجلس النواب على الأقل مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلق بمراقبة دستورية القوانين" ،
وحيث يبقى من البديهي أن أعضاء مجلس النواب العشرة المقصودين في هذه المادة الدستورية يتقدمون بمراجعة واحدة طعناً في قانون واحد مطعون فيه وليس بعدة مراجعات؛ وإن سلمنا جدلاً بخلاف ذلك، إي بحقهم في تقديم عدة مراجعات، نكون قد سلّمنا أنّ الدستور أتاح لهم المشاركة في طعون أخرى من أجل، في الحد الأدنى، تأمين العدد الكافي من الأصوات الذي يجيز تقديم طعن آخر وفقاً لأحكام المادة 19 المومأ اليها، وكأنّ مسألة عدد النواب المفروض لقبول الطعن هي مجرّد إجراء شكلي، في حين أنّ الدستور حدّد هذا العدد المرتفع نسبياً من النواب كشرط جوهري لقبول كل مراجعة للدلالة على أمرين: أولهما أنّ ثمة عدداً وافراً من النواب مشكّكين في دستورية القانون المطعون فيه اجتمعوا لسوق الطعن، وثانيهما على جدّية المراجعة أمام المجلس الدستوري.
وحيث إن اشتراك هؤلاء النواب في طعون أخرى لاستكمال العدد المفروض لقبول تلك الطعون أمام المجلس الدستوري ينطوي في الواقع على تشكيل أكثرية وهمية غير قائمة فعلياً ولم تكن واردة في نية المشترع الدستوري، ويشكّل التفافاً غير مشروع على أحكام المادة 19 من الدستور ويؤول الى عدم قبول مراجعتهم شكلاً، مع التنويه بأنّ ليس ما يحول قانوناً دون تمكين النواب مقدمي مراجعة سابقة أن يتقدموا بأسباب طعن إضافية في ملف مراجعتهم السابقة ضمن مهلة الطعن القانونية.
وحيث تبيّن من مراجعتي الإبطال المسجلتين لدى قلم المجلس الدستوري برقم 4/و ورود 27/2/2024 وبرقم 5/و ورود 27/2/2024 أنهما موقعتين من عشرة نواب بما فيهم النائب اللواء أشرف ريفي الذي كان قـد قـدّم سابقـاً مراجعـة طعـن بنفس القانون سُجّلت لدى قلـم المجلس الدستوري برقم 3/و ورود 27/2/2024 ، الأمر الذي يؤول الى عدم قبول مشاركة النائب اللواء أشرف ريفي في تقديم الطعنين رقم 4/و و 5/و ،
وحيث تبيّن من مراجعة الإبطال المسجلة لدى قلم المجلس الدستوري برقم 6/و ورود 29/2/2024 أنها موقّعة من عشرة نواب بما فيهم النواب السيدة بولا يعقوبيان والسادة عبد الرحمن البزري وأسامه سعد وشربل مسعد الذين كانوا قد قدّموا بتاريخ سابق مراجعة الطعن بنفس القانون تسجّلت في قلم المجلس الدستوري برقم 5/و ورود 27/2/2024 ، الأمر الذي يؤول الى عدم قبول مشاركتهم في تقديم مراجعة الطعن رقم 6/و،
وحيث إن عدم قبول اشتراك النائب اللواء أشرف ريفي في المراجعتين رقم 4/و و5/و وعدم قبول اشتراك النواب السيدة بولا يعقوبيان والسادة عبد الرحمن البزري وأسامه سعد وشربل مسعد في المراجعة رقم 6/و يفقد هذه المراجعات الثلاث النصاب القانوني الذي يتيح قبولها شكلاً لدى المجلس الدستوري سنداً للمادة 19 من أحكام الدستور، الأمر الذي كان يقتضي معه ردّها شكلاً.
القاضي البرت سرحان القاضي ميشال طرزي
مخالفة عضو المجلس الدستوري
القاضي الياس مشرقاني
ارقام المراجعات : 2,3,4,5,6/ و/2024
القانون المطعون فيه : ابطال القانون رقم 324 تاريخ 8/2/2024 ( قانون الموازنة العامة لعام 2024).
بما أنّ طبيعة المراجعات أمام المجلس الدستوري تفرض عليه عدم التقيّد في النظر بالنصوص القانونية المطعون في دستوريتها وحسب، إنما التصدي للقانون برمّته وبالتالي ممارسة الرقابة الدستورية الشاملة عليه،
وبما أنّ مراجعة الطعن بدستورية القانون ليست مراجعة شخصية بل أنها تتعلق بالإنتظام العام الدستوري المرتبط بكل قانون يصار إلى إقراره وإصداره، فيكون من واجب المجلس الدستوري أن يضع يده عفواً على كلّ مخالفة لأحكام الدستور بدون أن يتقيّد بمطالب المستدعين حصراً،
(قرار المجلس الدستوري رقم 23/2019 تاريخ 12/9/2019)
وبما أنّ المقصود بالدستور هو معناه الواسع أي ليس النصّ المكتوب فحسب بل أيضاً مجموعة القواعد والمبادئ التي لها قيمة دستورية والتي تشكّل مجتمعةً ما يعرف بالكتلة الدستورية،
(Bloc de constitutionnalité)
وبما أنَ المجلس تصدَى في قراره لما جاء في مراجعة الطعن حول مخالفة المادة 87 من الدستور وذلك على خلاف محملها،
يقتضي مخالفة قرار الأكثرية إستناداً على ما يلي:
1-في عدم دستورية قانون موازنة العام 2024 لمخالفته أحكام المادة /87/ من الدستور:
بما أنَ " الهدف الأساس لنشوء المجالس النيابية في الديمقراطيات العريقة هو الحصول على موافقة ممثلي الشعب على أسباب وكيفية فرض وجباية الدولة للضرائب والرسوم وكذلك تحديد حدود وآليات وأبواب وطرق الإنفاق العام ، بحيث أصبح لا يجوز أن تتم جباية ضرائب أو رسوم ، ولا أن يجري إنفاق أي من تلك الأموال أو من غيرها إلاَ بإجازة من المجلس النيابي الذي هو ممثل الشعب ،
وفي المنحى ذاته ، نصَ الدستور اللبناني ، ثمَ قانون المحاسبة العمومية ، على أحكام تنظّم كيفية إعداد الموازنة العامة ومناقشتها وإقرارها في المجلس النيابي ، وأيضا" على أصول الرقابة على تنفيذها . كذلك لحظ النص الدستوري مسألة إقرار المجلس النيابي لقطوع حساب الموازنات العامة للسنوات المنتهية ، كما لحظ الأحكام والظروف المحددة بدقة التي تجيز إصدار الموازنة بمرسوم من قبل مجلس الوزراء إذا تلكَأ مجلس النواب عن إقرارها،"
(الرئيس فؤاد السنيورة ، " المالية العامة للدولة بين التسييس والتضليل " ، الطبعة الأولى ، سنة 2022 ، صفحة 43 )
وبما أنَ قطع الحساب هو كشف الحساب الذي تتقدم به الحكومة الى مجلس النواب لإقراره ، والذي تبيّن فيه المبالغ التي أجاز المجلس النيابي للحكومة إنفاقها في قانون الموازنة لسنة معيّنة ، مضافا" إليها الإعتمادات الأخرى التي تكون قد أقرّت ، وذلك بالمقارنة مع المبالغ التي أنفقتها الحكومة فعلا" من حساب الموازنة. وبالتالي، يكشف قطع الحساب الفروق الحاصلة زيادة أو نقصانا" ويبيّن السند الذي ارتكزت عليه الحكومة في ذلك. ويبيّن هذا الحساب أيضا" الإيرادات التي تمّت جبايتها بالمقارنة مع ما كان مقدَرا" جبايته من قبل الحكومة، كما هو مبيَن في قانون الموازنة الذي أقرَه مجلس النواب،
وبما أنَه، على أساس ذلك، يتحدد العجز أو الفائض الفعلي المحقق في حساب الموازنة خلال سنة معيّنة،
وبما أنَ قطع الحساب هذا يجري إقراره سنويا" عن السنة التي تسبق سنة إعداد الموازنة، أي بتأخير سنة واحدة، وذلك كي تستطيع وزارة المال إقفال حسابات موازنة السنة المنتهية،
وبما أنَ المادة 87 من الدستور صريحة لهذه الجهة إذ نصَت على أنَه يجب أن تعرض حسابات الإدارة المالية النهائية لكل سنة على مجلس النواب ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة،
وبما أنَ حسابات الدخول لأي سنة مالية هي ذاتها الأرصدة الختامية للحسابات العائدة لنهاية السنة المالية السابقة كما يظهر في قطع حساب الموازنة وأيضا" في حساب المهمة لتلك السنة، كلٌ في ما يخصّه،
وبما أنَ ذلك يعني أنَ تحديد القيود الإفتتاحية لأي سنة يفترض وجود الحسابات الختامية للسنة السابقة مع مستنداتها الكاملة، ما يتطلَب حكما" العودة الى جميع الحسابات،
( يراجع أيضا" بهذا الصدد مؤلَف الرئيس فؤاد السنيورة المشار إليه آنفا" )
وبما أن حيثيات القرار موضوع المخالفة التي تؤكّد على مدى أهميَة قطع الحساب وضرورته وجوبا" تعزز وجهة نظرنا، وهي، أي تلك الحيثيات، لا تتآلف أبدا" مع حيثيات أخرى اعتبرت أنَ قطع الحساب اعتمد لأجل الموازنة وليس العكس، وأنَ الدستور أولى الموازنة أهمية إستثنائية بحيث لا يجوز للحالة الشاذة المتمثلة بغياب قطع الحساب لسنوات عدّة أن تحول دون إقرار الموازنة العامة للعام2024 على أن يتم الخروج سريعا" من تلك الحالة الشاذَة، وهي لا تتوافق أيضا" مع ما خلصت إليه الأكثرية من عدم إبطال القانون المطعون فيه لهذه العلَة،
وبما أنَه من غير الجائز استمرار الحالة الشاذَة، التي هي في الحقيقة مخالفة دستورية موصوفة، وعدم سبق الموازنة بإقرار قطع الحساب ردحا"من الزمن بات لا ينتهي الى درجة أنَ الشواذ أمسى القاعدة، وأصبحت مراعاة الظروف شمَاعة يعلَق عليها للإحجام عن تنظيم قطوع الحسابات وإقرارها،
وبما أنَ المجلس الدستوري مؤتمن على مراقبة احترام القانون، أي قانون، لأحكام الدستور، فلا يسعه أن يستنبط الأعذار و المبررات و يجترح المهل الإضافية التي تتيح للمجلس النيابي تجاوز النصوص الدستورية الآمرة كنصّ المادة 87 من الدستور اللبناني،
وبما أنّ إجتهاد المجلس الدستوري يعتبر في قراره رقم 2/2018 أنّ قطع الحساب يعبّر عن واقع تنفيذ الموازنة وتحديداً أرقام الواردات والنفقات والتوازن في ما بينهما، ويعكس مدى الإلتزام بخطّة عمل السنة المنصرمة، ويمكّن البرلمان من اتخاذ قرارات مبنيّة على معلومات حقيقية عند إقرار الموازنة أو تعديلها وفقاً لمعطيات مالية وإقتصادية واكتشاف مكامن الخطر في المالية العامة، وإتخاذ التدابير التصحيحية في الوقت المناسب،
وبما أنّ إنجاز الحسابات المالية يتيح لهيئات الرقابة القضائية، وبشكل خاص ديوان المحاسبة، تدقيق أوضاع المالية العامة، كما يمكّن السلطة الإشتراعية من القيام بوظيفتها الرقابية في الشق المالي من خلال مراقبة الحكومة ومحاسبتها،
وبما أنّه وفقاً للدستور تجري مناقشة وإقرار الحسابات المالية للسنة المنصرمة في مجلس النواب قبل نشر موازنة السنة اللاحقة،
وبما أنّ المادة /118/ من النظام الداخلي لمجلس النواب تنصّ على أن يصدّق المجلس أولاً على قانون قطع الحساب ثم على موازنة النفقات وبعدها على قانون الموازنة وفي النهاية على موازنة الواردات،
وبما أنّه على الحكومة أن تحيل قطع الحساب على المجلس النيابي في نهاية كل سنة ليوافق عليه ويبرئ ذمّتها،
وبما أنّ قطع الحساب هو الأداة الأساسية لإجراء التدقيق في الحسابات العامة وفي تنفيذ الموازنة ولإتمام المراقبة والإشراف على حسن استخدام السلطة التنفيذية للأموال العمومية،
وبما أنّ إقرار الموازنة بدون قطع حساب يعطل الرقابة المالية المناطة بموجب الدستور بالسلطتين الإشتراعية والقضائية، وينتهك مبدأ فصل السلطات، ويحوّل السلطة الإشتراعية إلى أداة بيد السلطة التنفيذية فتصبح عاجزة عن ممارسة دورها في الرقابة الجدّية والمجدية،
وبما أنّ غياب قطع الحساب يؤدي إلى غياب الشفافية في جباية المال العام وإنفاقه، وبالتالي التشكيك في صدقية الموازنة العامة وسلامة تنفيذها، كما يؤدي إلى فتح الباب واسعاً أمام تفشّي الفساد واستشرائه،
وبما أنّ الحكومات المتعاقبة تقاعست عن وضع قطع الحساب السنوي وفقاً لما نصّ عليه الدستور كما تقاعست عن وضع موازنات عامة سنوية، يقابلها تراخي مجلس النواب في القيام بدوره الأساسي لناحية إلزام الحكومة بوضع قطع الحساب السنوي، وتخلّيا معاً عن الإضطلاع بالصلاحيات التي ناطها بهما الدستور، فألحقا ضرراً فادحاً بالمصلحة الوطنية العليا،
وبما أنّ الإستمرار في تغييب قطع الحساب يشكّل إنتهاكاً فاضحاً للدستور،
وبما أنّ المجلس الدستوري في قراره رقم 2/2018 الآنف ذكره سبق أن نبّه إلى ضرورة أن يجري" سريعاً وبدون تباطؤ " وضع قطع الحساب وفق القواعد التي أملاها الدستور وقانون المحاسبة العمومية لكي تعود المالية العامة إلى الإنتظام، " ولوضع حدٍّ لتسييب المال العام "، وضبط الواردات والنفقات و" تقليص العجز في الموازنة العامة "، وممارسة رقابة فعلية وفاعلة على تنفيذ الموازنة،
وبما أنّ عبارة " سريعاً وبدون تباطؤ " لا يمكن أن تستمرّ المخالفة تحت ستارها لسنوات عدَة لا حدّ لها ولا أفق، خاصة أنّ المخالفة تلك امتدت على مدى موازنات خمس متتالية بدون أن يحرّك المجلس النيابي الركود الضارب بعملية إنجاز قطع الحساب المطلوب بإلحاح،
وبما أنّه ليس ثمة ما يبشّر بعدم جعل الإستثناء قاعدة لا بل عرفاً، كما سبق أن أشرنا، فندخل في المحظور الأكثر خطورة على الوضع الدستوري،
وبما أن السلطة الإشتراعية ليست سيّدة نفسها إلاّ بقدر ما تلتزم أحكام الدستور، ومن هنا ضرورة ممارسة الرقابة عليها من القضاء الدستوري،
“ La loi est l’expression de la volonté générale était le discours produit et légitimant à la fois, le pouvoir législatif des seuls représentants de la Nation, du Parlement seul. La loi n’exprime la volonté générale que dans le respect de la constitution est aujourd’hui le discours produit et légitimant à la fois le pouvoir du Conseil de participer à la formation de la loi en vérifiant qu’elle respecte les règles constitutionnelles. »
(Droit du Contentieux Constitutionnel, 4éme éd. Dominique Rousseau, pp. 409-410)
وبما أنّ المادة /13/ من قانون إنشاء المجلس الدستوري نصّت على تمتّع القرارات الصادرة عنه بقوة القضية المقضية وعلى أنها ملزمة لجميع السلطات والمراجع وهي غير قابلة لأي طريق من طرق الطعن،
وبما أنه لا يسع مجلس النواب التمادي في تجاهل قرارات المجلس الدستوري الملزمة والتي تساهم مساهمة أساسية في صناعة سليمة لقانونٍ يراعي أحكام الدستور،
وبما أنّه، وللأسف، فإنّ " خرق الدساتير تقوم به الأطراف التي يناط بها تطبيق الدستور والتي تمتلك صلاحيات دستورية "،
وبما أنّ البند ثانياً من القانون رقم 143/2019 الصادر بمادة وحيدة (الذي شكّل إستثناءاً بمعرض نشر موازنة العام 2019) حدّد للحكومة مدّة ستة أشهر لإنجاز الحسابات المالية النهائية والمدقّقة بدون أن تنجز أي مهمَة من هذا القبيل منذ نيّف وخمس سنوات،
وبما أنّ المجلس الدستوري دأب في عدد من قراراته على اعتماد " أوضاع سياسية ومالية واقتصادية صعبة " مشفوعة " بانتشار وبائي " بدون أن يبيّن الترابط المباشر والوثيق بين تلك الأوضاع وبين الإمتناع عن إعداد قطع الحساب وإقراره، لا سيما أنّ إغفال موجب إقراره نشأ قبل الأوضاع التي شكا منها المجلس وما زالت حالة الإغفال مستمرّة حتى اليوم بدون مبرّر مقبول،
وبما أنّ الأوضاع المعوّل عليها كحالات استثنائية، سمحت لا بل سَهُلَ معها إقرار قانون الموازنة وقوانين أخرى شتّى ما عدا العمل على ولادة قطع الحساب وإقراره، الأمر الذي ينزع عن تلك الأوضاع والحالات جدّيتها وصوابها وصدقيتها ويؤكد وجوب عدم الأخذ بها في مقابل نصّ المادة /87/ من الدستور الصريح و الملزم،
وبما أنه من غير الجائز بعد، أن تنطوي قرارات المجلس الدستوري المتعاقبة على تساهلٍ إزاء الخرق البرلماني للدستور، بل ينبغي أن تبني الحصن المنيع بوجه أي تجاوز للنص الدستوري الواضح والصريح وبدون الإكتراث لأي ذريعة أو مبرّر،
وبما أنّ المادة /87/ من الدستور نصت صراحة وبكل وضوح على " أن حسابات الإدارة المالية النهائية لكلّ سنة يجب أن تعرض على المجلس ليوافق عليها قبل نشر موازنة السنة الثانية التي تلي تلك السنة،"
وبما أنّ المهمة الأساسية للمجلس الدستوري هي مراقبة دستورية القوانين وبالتالي يكون هو حامي الدستور،
وبما أنّه لا يعوّل على القول بالمصلحة العامة في معرض النص الدستوري الصريح والواضح والقاطع والملزم،
وبما أنّ الإجتهاد الدستوري جعل من المصلحة العامة مبدأً ثانوياً ومكمّلاً secondaire et complémentaire في غياب النص، بمعنى أنّه لا يؤخذ بها مع وجود النص الصريح،
(تراجع مخالفة نائب رئيس المجلس الدستوري القاضي طارق زيادة وهي جزء لا يتجزأ من القرار رقم 2/2018)
وبما أنّه ليس ثمة ظرف مقبول يبرّر الإمتناع عن وضع قطع الحساب المفروض وجوباً،
وبما أنّ المجلس الدستوري الفرنسي اعتمد موقفاً متشدداً عندما أعلن عدم دستورية موازنة العام 1980 بسبب مخالفة البرلمان لأصول التشريع (CC 79-110 DC du 24 décembre 1979)، وكانت المخالفة أنّ البرلمان إنتقل إلى مناقشة الباب الثاني من الموازنة قبل التصويت على الباب الأوّل مخالفاً الأصول المنصوص عليها في المادة /40/ من القرار التنظيمي (Ordonnance) الصادر في 2 كانون الثاني 1959، فكم بالحري متى كانت المخالفة جوهريّة وجسيمة وبالحجم العارم والمتكرّر إبّانَ نشر كل موازنة سنويّة،
وبما أنَه من مهام المجلس الدستوري، عملا" بالمادة 18 من قانون إنشائه، مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوَة القانون، وبالتالي " السهر على حماية أحكام الدستور "، لذا، إذا اعتبر المجلس أنَ النص موضوع المراجعة غير دستوري و مشوب بعيب كليا" أو جزئيا"، فعليه أن يقضي سندا" للمادة 22 من قانون إنشائه، بإبطاله كليا" أو جزئيا" بقرار معلل يرسم حدود البطلان ،
LOUIS FAVOREAU et LOIC PHILIP : Les grandes decisions du conseil constitutionnel .Dalloz 1991 p.295 no 9 :
« …Le conseil constitutionnel…est chargé de dire le droit , de veiller au respect des règles constitutionnelles dans les limites et les conditions fixées par la constitution…
Il se borne à constater qu’il ne peut être porté atteinte à ce droit ou à cette liberté par la voie legislative ordinaire … »
وبما أنَ قطع الحساب، كما سبق أن أشرنا، هو بيان محوري لتنفيذ النفقات والواردات العمومية الفعلية للسنة المنصرمة وهو يستوجب مراعاة مبدأ " صدق الموازنة " sincérité du budget في نفقاتها ووارداتها، وحسن تقديرها ، وذلك كي لا تأتي الموازنة موازنة" وهمية،
JEAN LUC ALBERT : Finances publiques, Editions Dalloz 2019. Page 46
No 488 :
« Mais le budget, étant un acte de prévision, la sincérité ici requise est une sincérité subjective, ainsi que le précisent à la fois l’article 32 de la loi organique du 1er Août 2001 relative aux lois de finances, qui indique que la sincérité des lois de finances s’apprécie compte tenu des informations disponibles et des précisions qui peuvent raisonnablement en découler, et le conseil constitutionnel, qui estime qu’ici la sincérité se caractérise par l’absence d’intention de fausser les grandes lignes de l’équilibre déterminé par les lois de finances. »
لذا، يقتضي ابطال قانون موازنة العام 2024 رقم 324 كلياً لمخالفته احكام المادة 87 من الدستور.
2-في عدم دستورية قانون موازنة العام 2024 لمخالفته احكام المادة 36 من الدستور:
بما ان الدستور نص في مقدمته على ان الشعب مصدر السلطات وصاحب السيادة يمارسها عبر المؤسسات الدستورية،
وبما ان الشعب ينتخب نوابه دوريا ليتولوا ممارسة السلطة نيابة عنه، وتحت مراقبته ليتمكن من محاسبتهم في الانتخابات وتحديد خياراته،
وبما ان المراقبة والمحاسبة تقتضيان الشفافية في اعمال السلطة الاشتراعية عند إقرار القوانين،
وبما ان الدستور نص على الأكثرية الواجب توافرها للنصاب القانوني في جلسات مجلس النواب ولاتخاذ القرار في كل من الأمور المطروحة عليه ومنها القوانين العادية وتلك الدستورية، ما يعني ان للعدد في الأنظمة الديمقراطية دور حاسم في اتخاذ القرار ووضع القوانين.
وبما ان المادة 36 من الدستور تقع في هذا السياق وترتبط جذريا بطبيعة النظام الديمقراطي البرلماني الذي اعتنقه الدستور اللبناني،
وبما ان أهمية نص المادة 36 تكمن في ثباته وعدم تعديله منذ ان وضع الدستور عام 1926،
وبما ان المادة 36 من الدستور نصت صراحة على كيفية التصويت في مجلس النواب، وجاء فيها ما يلي:
"اما في ما يختص بالقوانين عموما او بالاقتراع على مسألة الثقة فان الآراء تعطى دائما بالمناداة على الأعضاء بأسمائهم وبصوت عال".
وبما ان التصويت بالمناداة ليس اجراءا شكليا ثانويا انما هو اجراء جوهري لأنه يعكس التعبير الواضح والصريح عن إرادة النائب في الموافقة على القانون وعن مشيئته النهائية بإقراره بالصيغة التي حفلت بها مواده،
وبما ان الفقه الدستوري مستقر على التقيد بهذه القاعدة في التصويت على القوانين،
وبما ان التصويت بالمناداة بالاسم هو ما يسمى التصويت بتعيين الأسماء ويجب اجراؤه على الوجهين التاليين:
أ- ان ينادي أمين السر على كل نائب باسمه فيجيب النائب علنا وبصوت عال فيقيد رأيه في محضر الجلسة من قبل الكاتب.
ب- ان يطوف المباشر على النواب وهم جلوس في مقاعدهم بصندوقة الاقتراع فيلقي النائب في الصندوق ورقة بيضاء مكتوبا عليها اسمه وهي علامة القبول او ورقة حمراء مدون فيها اسمه دلالة على الرفض، وعند الانتهاء من الاقتراع يستحضر الرئيس الأوراق وتقرأ علنا وتسجل في محضر الجلسة ويعلن الرئيس النتيجة.
وبما انه عندما لا يكون التصويت واضحا وثمة لغط حول طريقة رفع الايدي وعدد النواب الموافقين او المعترضين واحتساب النصاب والغالبية، يتم اللجوء الى المناداة حفاظا على الشفافية وحرصا على الديمقراطية الصحيحة،
وبما ان التصويت بالمناداة يفضح المواقف ويكشف اتجاهات تصويت النواب والكتل، فان تجنبه يشكل خرقا للأصول الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور اللبناني لا سيما المادة 36 منه،
وبما ان التصويت بالمناداة هو اختبار للنائب وللناخب على حد سواء،
وبما ان قرار المجلس الدستوري رقم 5/2017 تاريخ 22/9/2017 القاضي بإبطال القانون رقم 45/2017، لمخالفته احكام المادة 36 من الدستور، يطرح إشكالية مخالفة المجلس النيابي للمادتين 51و52 من قانون انشاء المجلس الدستوري اللتين تنصان على ان قرارات المجلس الدستوري مبرمة ولا تقبل أي طريق من طرق المراجعة وهي تتمتع بقوة القضية المحكوم بها وهي ملزمة لجميع السلطات العامة وللمراجع القضائية والإدارية وفي مقدمتها السلطة التشريعية التي ينبغي ان تتقيد بتلك القرارات التي رسمت حدود الابطال فلا يعود بمقدور المشرع تجاوز هذه الحدود لارتكاب مخالفة دستورية مماثلة مرة أخرى،
وبما انه لم يتبين من محضر الجلسة التي اقر فيها قانون موازنة العام 2024 ان الأصول الدستورية المنصوص عليها في المادة 36 من الدستور قد روعيت في التصويت على القانون المطعون فيه، بحسب الآليات الديمقراطية المعتمدة والمشار اليها أعلاه،
وبما ان إقرار قانون الموازنة لعام 2024 جاء مخالفاً للدستور فيقتضي ابطاله ابطالا كلياً خلافاً لما توصل اليه المجلس الدستوري في قراره موضوع المخالفة الراهنة.
3-في عدم دستورية قانون موازنة العام 2024 لمخالفته أحكام المادتين 51 و56 من الدستور.
بما أنّ المادة 51 من الدستور قد نصّت صراحة على أنّ رئيس الجمهورية هو من يصدر القوانين وفق المهل المحددة في الدستور بعد أن يكون وافق عليها المجلس النيابي، ويطلب نشرها (أي رئيس الجمهورية) وليس له أن يدخل تعديلاً عليها أو أن يعفي أحداً من التقيّد بأحكامها،
وبما أنّ المادة 56 من الدستور قد ناطت برئيس الجمهورية حصراً صلاحية إصدار القوانين التي تمت الموافقة النهائية عليها من قبل المجلس النيابي، وذلك في خلال شهر بعد إحالتها الى الحكومة، ويطلب هو (أي رئيس الجمهورية) نشرها،
وبما أنّ النشر هو إجراء يراد به إعلام الكافة بالعقد القانوني حتى يحاطوا به علماً وتسري عليهم أحكامه كنشر القوانين والمراسيم في الجريدة الرسمية"،
« Alors que la publication, “ est un mode de publicité employé normalement en matière d’actes réglementaires, et consistant à diffuser la connaissance de l’acte en cause au moyen de modes de communication de masse , en particulier par l’insertion dans un recueil officiel de textes (pour l’état, le journal officiel)»:
(R. Guillien et J. Vincent, lexique des termes juridiques, Paris, Dalloz, éd. 1999, p. 422 et 426.)
(Denis Alland et Stephane Rials, Dictionnaire de la culture juridique, Paris, Quadrige/ Laury-PUF, Éd. 2003, P. 426 et 427)
وبما أن صلاحية المجلس النيابي التشريعية تنتهي حتماً وحكماً بمجرّد إعطاء موافقته النهائية على القانون وإقراره أصولاً، وهي تقف دون حدود إصدار القانون ونشره،
وبما أنّ المادة 95 من قانون موازنة العام 2024 المطعون فيه قد طالب عدد من النواب بإلغائها لمرّات متتالية بدون جدوى وفقاً لما يتبيّن من مناقشات الهيئة العامة الموثقة في محضر الجلسة التشريعية في الصفحة 229 وما يليها، الى أن أقرّت على النحو التالي:
"على سبيل الاستثناء ولضرورات الانتظام المالي العام يُنشر هذا القانون وعلى الحكومة إنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات..."
وبما أنّ المادة المذكورة تكون قد خالفت أحكام الدستور بتدخل المشرّع في ميدان النشر المحفوظ للسلطة التنفيذية والمخصص لرئيس الجمهورية حصراً على غرار النصوص الدستورية الآنف ذكرها،
وبما أنّه ليس مألوفاً أبداً أن ينهي القانون في متنه بنشر أحكامه، لا على سبيل الاستثناء ولا تداركاً لأي ضرورات مالية أم غير مالية، إذ يبقى رئيس الجمهورية كما أسلفنا المرجع الوحيد الذي ينشر القوانين وفي حالتنا الراهنة انتقلت صلاحياته الى مجلس الوزراء بالوكالة عملاً بالمادة 62 من الدستور،
وبما أنه كان يقتضي إبطال المادة 95 من قانون موازنة العام 2024 والاكتفاء فقط بما جاء في المادة 96 منه: "يعمل بهذا القانون فور نشره في الجريدة الرسمية" بحيث يعود للمشرّع أن يحدد تاريخ بدء العمل بالقانون (Entrée en vigueur) قياساً على تاريخ نشره، وليس له أن يتدخّل في موعد النشر وإجراءاته أو قيده بشروط،
لكل هذه الأسباب خالفت رأي الأكثرية.
الحدث في / 4 /2024
القاضي المخالف
الياس مشرقاني