قرار رقم 31\2009



قرار رقم 31\2009

تاريخ 25\11\2009

 

كميل معلوف \ جوزف المعلوف

مقعد الروم الارثوذكس في دائرة زحلة، انتخابات 2009

 

رقم المراجعة: 11\2009

المستدعي: كميل معلوف، المرشح الخاسر عن المقعد الارثوذكسي في دائرة  زحلة – في دورة العام \2009\ لإنتخاب مجلس النواب.

المستدعى ضده:جوزف صعب المعلوف، المعلن فوزه عن المقعد المذكور.

الموضوع: الطعن في صحة نيابة المستدعى ضده.

إن المجلس الدستوري

الملتئم في مقره بتاريخ 25\11\2009 برئاسة رئيسه السيّد عصام سليمان وحضـور نائب الرئيس السيّد طارق زيـاده والسـاده الأعضاء أحمد تقي الديـن، انطوان مسـرّه، انطوان خيـر، زغلول عطيـه، توفيق سـوبره، أسـعد  دياب، سهيل عبد الصّمد وصلاح مخيبر.

وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وعلى تقرير العضوين المقررَين،

بما أن المستدعي السيّد كميل معلوف تقدم من هذا المجلس بتاريخ 8\7\2009 بمراجعة تسجلت بالرقم 11\و\2009 يعرض بموبجها ما ملخّصه:

-في السابع من حزيران من العام 2009 جرت المعركة الانتخابية في دائرة زحلة التي اعتبرت المحور الذي على أساسه سوف يتحدد مصير المعركة الانتخابية في كل لبنان، وقد استخدمت فيها كل الوسائل غير المشروعة: من التحريض والتأليب والاساءة الى مرشحي الكتلة الشعبية الى استخدام المال بشكل علني وبكميات تفوق كل تصوّر وإستنهاض الشعور الطائفي والمذهبي والترغيب والترهيب والتعطيل، وغيرها من المخالفات والعيوب المتكررة والجسيمة التي أفسدت العملية الانتخابية وأدت الى إعلان فوز المستدعى ضده بفارق معتدلٍ نسبياً في الأصوات (48170 مقابل 41533).

-في هذا الجو المقيت، وتمهيداً للمعركة وتزييفاً لنتائجها أعدّت قوائم انتخابية "غب الطلب" أمعنت فيها إضافات كيفية وتعديلات ظرفية طرأت عليها دون الإعتداد بالأصول المشروعة، ما يشكل مناورات إحتيالية ومخالفات جسيمة تبرر تدخل المجلس الدستوري للنظر فيها ولتقرير إبطال العملية الانتخابية.

بما أن المستدعي إعتمد في مراجعته عدة أقسام : الأول يتعلق بمخالفة قانون الإنتخاب وبخاصة المادتان 68 و71 منه. والثاني يعود للمخالفات الحاصلة في فرز الأصوات والثالث يعتبر فيه أن بعض المؤسسات الاعلامية لم تلتزم بالحدود والضوابط المنصوص عليها صراحة في القانون. وبخاصة بالمبادئ القانونية العامة لا سيما منها مبدأ الحرية والمساواة وفي الرابع يتكلم الطاعن عن المناورات والضغوط وعمليات الإكراه والإغراء المالي.

1-ففي القسم الأول يعدّد الطاعن للمخالفات المرتكبة – بحسب رأيه – من المطعون به ومن أعضاء اللائحة التي ينتمي اليها والتي تفضي الى إفساد العملية الإنتخابية بحسب أحكام المادتين 68 و71 من قانون الإنتخاب وهي:

أ-إثارة النعرات الطائفية والمذهبية.

ويعتبر الطاعن ان المستدعى ضدّه وأعضاء اللائحة التي ينتمي اليها عمدوا –  في  الفترة  التي  سبقت  موعد  الإنتخاب، الى  إستنهاض وإستحضار الشعور الطائفي و المذهبي في المدينة عن طريق   توزيع المناشير وإلقاء الخطب والتصاريح من مرجعيات مدنية ودينية وسياسية ووضع تمثال السيدة العذراء ورسم البطريرك في لوحة إعلانية عائدة للائحة "زحلة  بالقلب".

ب-التشهير والإفتراء : 

إقدام لائحة "زحلة بالقلب" على التشهير والإفتراء على المستدعى ضده متوسلة الأضاليل والأكاذيب في  وسائل الإعلام و المواقع الإلكترونية.

ج-التزوير والتحريف والتخوين والقدح والذم: 

وقد أحال الطاعن على المستندات المبرزة منه لتأكيد إدلائه.

د-عمليات الرشاوى المشهودة والموثّقة.

يثير الطاعن تحت هذه الفقرة الخبر الأكثر شيوعا الذي تحوّل إلى قرينة على حصول الرشاوى الإنتخابية والذي تناولته وسائل الإعلام  الأجنبية ويشير إلى خبر إنفاق 715 مليون دولار أميركي من قبل جهة   دولية وإلى تحويل 240 مليار ليرة لبنانية من المصرف المركزي الى  بنك البحر المتوسط نهار الجمعة 5\6\2009 والى حصول عمليات رشاوى نقدية نظّمت بها محاضر من قبل مخفر درك زحلة بتاريخ 7\6\2009 وذكر بعض التفاصيل. ويذكر الطاعن واقعة إستقدام 12 ألف مغترب لبناني بكلفة تبلغ ما يعادل ثلاثين مليون دولار أميركي.

هـ ممارسة التضييق على الناخبين ومنعهم من الوصول الى أقلام الإقتراع وجعلهم ينتظرون لساعات – وقد أورد أسماء بعض الاشخاص الذين مورست عليهم هذه الضغوط وطلب إستجوابهم. وذكر الأقلام التي حصل فيها مخالفات عديدة و119 قلماً لم يرد فيها عدد الناخبين أو سجّل رقم صفر وأربعة أقلام لم يرد فيها عدد المقترعين.

و-المخالفات المرتكبة من السلطة المولجه بالأعمال الإنتخابية،   

يثير الطاعن تحت هذه الفقرة مخالفة منطوق المادة 35 من القانون رقم 25\2008، اذ يشكو عدم تلقي مكاتب الكتلة الشعبية من لجان القيد أجوبة عن إستدعاءات قدمتها تتعلق بأسماء لم ترد في القوائم الإنتخابية مما حرم أعضاء اللائحة من أصواتهم . ويثير مخالفة أحكام المادة 27 من قانون الإنتخاب إذ تبين أن القوائم الإنتخابية لدائرة زحلة تضمنت عدة عائلات مسجلة على رقم سجل واحد واستحداث سجلات نفوس جديدة لم تكن واردة في قوائم العام 2005 وأضيفت آلاف الأصوات خلافا للقانون بلغت 15918 صوتاً دون الإستحصال على قرارات من لجنة القيد بناءً على طلبات مقدمة وأضيفت أصوات متوفّين وقاصرين وقد حصل التصحيح بناءً على التعميم رقم 13\1 الصادر عن وزير الداخلية في 18\11\2008 .

2-وفي القسم الثاني يعرض الطاعن للمخالفات الحاصلة في فرز الاصوات ويعتبرها بالعشرات ويكتفي بذكر قلم الراسيّة الفوقا رقم 61 وقلم سعد نايل ويلحظ تدوين مندوبيه للاعتراضات في محاضر الفرز.

3- في القسم الثالث يعتبر الطاعن أن بعض المؤسسات الاعلامية لم تلتزم بالحدود والمبادئ القانونية العامة وبخاصة بمبدأ الحرية والمساواة والتوازن في الظهور الاعلامي خلال فترة الحملة الانتخابية بحيث نظم المطعون بنيابته وزملاؤه مقابلات تلفزيونية شبه يوميّة مع سياسيين من حلفائهم وتجاوزوا المألوف في  التنافس الإنتخابي الذي وصل الى خارج حدود الوطن وحرّكوا غرائز الناخبين في وقت لم يتح للمستدعي حقّ الرد او مساحات مرئية او مسموعة يتحقق معها تكافؤء الفرص.

4- في القسم الرابع يتكلم الطاعن عن المناورات الكاذبة والحملات الغشاشة لإيهام الناخبين بحصول حدث ما، وشائعات تزرع الشك والريبة وإغراءات مالية وضغوط دينية وتجاوز سقف الإنفاق وخلص المستدعي الى طلب قبول المراجعة شكلاً وأساساً والحكم بإبطال نيابة المستدعى ضده وإعلان فوز المستدعي وإستطرادا إبطال نيابة المستدعى ضده ونتائجها وفرض إعادة الإنتخاب وتضمين هذا الأخير الرسوم والمصاريف والنفقات.

وبما أن المستدعى ضده السيد جوزيف أنيس صعب معلوف، بواسطة وكيله أجاب على الطعون بتاريخ 25\7\2009 طالبًا رده شكلاً فيما إذا تبين أنه غير مستوفٍ الشروط القانونية وللأسباب المفصّلة في متن اللائحة . ورده أساساً لأنه مجرد من كل إثبات ولأن الطاعن يبني طعنه على الشائع والجماهيري، وعلى سبيل المثال، وتحليل النسب ، ولعدم إرتباط المستندات بالطعن والمطعون ضده ورده لعدم الصحة والجدية والقانونية والثبوت.

وهو يعرض لناحية الشكل، أن الطعن مردود عملاً بقاعدة "لا يحق لأحد التذرع بوقاحته". ولكون الوكالة الخاصة لا تتضمن اسم الشخص المطعون بنيابته ولان الإستدعاء يتضمن الطعن بصحّة الإنتخابات وليس بنيابة الفائز ولأن الطعن بمجمل العملية الإنتخابية غير مقبول أمام المجلس الدستوري.

وفي قسم الأساس يرد المعطون بصحّة  نيابته بأنه لم يخالف قانون الإتنخاب وخاصة المادتين 68 و71 منه ولم يستنهض الشعور الطائفي بالاستعانة بتمثال السيدة العذراء لأن الصورة تعود لزحلة ومن ضمنها تمثال السيدة العذراء وقد عرضت كما هي، وأبرز في المستند رقم 2 في الموقع الالكتروني للكتلة الشعبية صورة لتمثال  السيدة العذراء وكنيسة سيدة النجاة. أما رسم السيد البطريرك صفير فهو لا يثير النعرات الطائفية لأنه مرجعية وطنية لكل اللبنانيين. وأن المستدعي لا علاقة له بالتصاريح والمناشير وما يسميه تشهيرا وأفتراءات وهو بالتالي غير مسؤول عن الموقع الالكتروني للكتائب وسواهم .

أما بالنسبة للرشوة، فالطاعن يستند الى التواتر وأخبار الصحف وليست لديه الأدلة الدامغة وصرّح بعجزه عن إمكانية الإتيان بالمرتشين وليس للمستدعى ضده علاقة بالرشوة ولا يعنيه خبر تحويل مبالغ من مصرف لبنان وان التحقيق في مخفر درك زحلة لم يتوصل إلى اثبات حصول رشاوى وشراء ذمم. ونفى الطاعن استقدامه لبنانيين من الخارج وأدلى بأن الأشخاص المذكورة اسماؤهم في الإستدعاء والمدعى بعدم تمكنهم من الإقتراع نتيجة المضايقات التي مورست عليهم، قد اقترع معظمهم وإن بعضهم متوفٍ والبعض الآخر غير وارد في القائمة الإنتخابية أما ما أورده الطاعن لجهة حصول مخالفات في اقلام الإقتراع التي ذكرها فلا صحّة له خاصة وإنه لم يدوّن أي إعتراض أو ملاحظة في محاضر الإقتراع. أما نتائج الأقلام الشيعية فتعرّي الطاعن من أقواله إذ نال 16212 صوتاً بينما نال المستدعى ضده 366 صوتاً .

وأضاف المستدعى ضده أن إجراءات وضع القوائم الإنتخابية نفذّت وفق أحكام القانون وضمن المهلة القانونية ولم يتقيد بها الطاعن لطلب التصحيح من قبل لجان القيد في حال وقوع أخطاء كما لم يلجأ في حال إعتبر التعميم رقم 13\1 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات بتاريخ 8\11\2008 غير قانوني، الى تقديم مراجعة أمام مجلس شورى الدولة خلال مهلة الشهرين القانونية بإعتبار أن الأمر يخرج عن إختصاص المجلس الدستوري الذي يستعيد صلاحيته إذا ثبت وجود تزوير أو غش.

ويعتبر المطعون بصحة نيابته أخيرا، أن المخالفات المشكو منها من قبل الطاعن لا وجود لها، وفي كل حال لا تتصف بالجسامة والخطورة ولا تؤثر تأثيرا حاسما في النتيجة وبخاصة مع الفارق الكبير في الاصوات ومع غياب الرابط بينها وبين فوز المطعون بنيابته.

وبما أن المقررَين استمعا في جلسة 8\9\2009 الى كل من الطاعن والمطعون بنيابته على حدة وبمفرده وقد أثار الأول نقطة نقل النفوس والرشوة والشحن الطائفي.

بنـــــــاءً عليــــه

أولاً : فـي الشــكل

بما أن استدعاء الطعن مقدم ضمن المهلة القانونية، وهو مستوف سائر شروطه فهو مقبول في الشكل.

ثانياً: فـي الأســاس

بما أن الطاعن السيد كميل معلوف أدلى بعدة أسباب تؤدي، بحسب رأيه الى قبول طعنه وإبطال نيابة المستدعى ضده السيد جوزف معلوف وهذه الأسباب هي:

1-المخالفات المنصوص عنها في المادتين 68 و71 من قانون الانتخاب.

2-المخالفات المتعلقة بالإنفاق الانتخابي والرشوة.

3-المخالفات المتعلقة بالإعلام وقواعد وأصول الاعلام الانتخابي.

4-المخالفات الحاصلة في قيود الناخبين والقوائم الإنتخابية والخلل في أعمال الفرز.

وبما انه يتعين بحث هذه الأسباب تباعاً:

1- في المخالفات المنصوص عنها في المادتين 68 و71 من قانون الانتخاب

بما أن الطاعن يعيب على العملية الانتخابية في دائرة زحلة إستخدام كل الوسائل غير المشروعة من قبل فريق الرابع عشر من آذار لتأمين فوزه في الانتخابات بعدما إعتبر أن هذه الدائرة هي المحور الذي على أساسه يتحدد مصير المعركة الانتخابية ، فعزا الى المطعون بنيابته والى اعضاء اللائحة التي ينتمي اليها: إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والتشهير والافتراء، والتزوير والتحريف والتخوين والقدح والذم وتوسل السبل العديدة للتأثير في إرادة الناخبين وحريتهم في اختيار ممثليهم.

وبما أن الطاعن يشكو مما صدر عن بعض المرجعيات المدنية والروحية والسياسية من خطب ومناشير وتصاريح يعتبر انها تستنهض الشعور الطائفي والمذهبي وتثير النعرات وتبث روح الفتنة والتخويف وتؤثر بالتالي في إرادة الناخبين، وتسيء في بعضها الى شخصه وسمعته لما تضمنته من إفتراء وتخوين وقدح وذم. ويشير الى الإستئثار بالرموز الدينية والإستعانة بمراكز العبادة كمثل تمثال السيدة العذراء، ورسم غبطة البطريرك صفير.

وبما أن الشكوى مما يسمّيه الطاعن استئثارا تفتقر الى اساس واقعي وموضوعي وقانوني ، فتمثال السيدة العذراء والسيدة نفسها هما للجميع ولكل مؤمن ويستطيع الجميع إحتضان الرسم في لوحة إعلانية او في قلبه من دون ان يمنعه احد من ذلك. كما ان وضع رسم البطريرك في لوحة معينة، لا يمنع لوحة فريق آخر من التعامل بالمثل ، وبالتأكيد إن ما يشكو منه الطاعن لا يلامس قطعا إثارة النعرات . اما التصريحات والبيانات والنشرات التي صدرت عن المستدعى ضده او عن الجهات التي تؤيده قد جابهتها تصريحات وبيانات صدرت عن الجهات المقابلة وقابلتها مناشير عبّرت عن التجاذب السياسي الحاد بين الفريقين المتنافسين وعن حرية الرأي المصانة في الدستور، انما تجاوز المألوف في بعض الأحيان وبروز الحدة والوتيرة العالية وتعكير المناخ السليم الذي يجب ان يسود الحملات الانتخابية لا تشكل مخالفة جسيمة تقود الى إبطال نيابة نائب منتخب من الشعب خاصة وإن من شأن صدور التصاريح والتصاريح المضادة الحد من التأثير على الرأي العام ونقله من مقلب إلى آخر.

وبما ان الطاعن من نحوٍ ثانٍ، والى جانب عجزه عن إثبات مدى تأثير ما يشكو منه على الانتخابات، كان لديه متسع من الوقت للرد على ما تناوله وللدفاع عن نفسه بالوسائل القانونية المتاحة خاصة وان وسائل الاعلام المتنوعة وهي متوافرة للفريقين وقد استخدماها في كثير من الايام.

وبما أنه من نحوٍ ثالث، إن الأفعال المشكو من صدورها من الطاعن- عن جهات سياسية وحزبية ودينية وسواها لا يسأل عنها المطعون بنيابته لعدم صدورها عنه
ولعجزه عن منع صدورها ولعدم إمكانية الجزم بإستفادته منها إنتخابياً. ولعدم جواز تحميله تبعة أفعال الغير.

وبما أن إدعاء الطاعن في هذا السبب تعوزه الدقة الكافية والاثبات الجازم ليؤلف سبباً مشروعاً للطعن.

وبما أن الإدعاء بقيام احد الاجهزة المعروفة بالولاء لأحد التيارات النافذة بتجنيد الآلاف بلباس مدني للتدخل بالانتخابات وبممارسة الضغط على الناخبين، فبقي في حدود العموميات ولم يتصف بالدقة والحجة ولم يتخط دائرة الأقوال المجردة ذات الطابع العام الى الثابت والأكيد مما يقتضي معه رده.

2-في المخالفات المتعلقة بالانفاق الانتخابي والرشوة

بما أن الطاعن يثير تحت هذا السبب شراء الذمم وإستقدام الناخبين من الخارج.

وبما ان المجلس الدستوري يقارب مسألة الرشوة بدقة متناهية وبحذر شديد اظهارا للحقيقة كاملة وصوناً لحقوق من اقترع بصورة سليمة تجاه من رشى او إرتشى او كان موضوع شبهة .

وبما ان الطاعن - تحت عنوان إستقدام ناخبين من الخارج، يؤيد صحة هذه العملية وفق ما اجازته الفقرة السادسة من المادة 58 من قانون الانتخاب رقم 25\2008 إنما يعود فيدخلها في محظور المادة 59 من نفس القانون ليعتبرها بمثابة رشوة من جهة وليفرض إدخالها ضمن نفقات الحملة الانتخابية من جهة اخرى مستندا للاثبات الى الشائع بين الجمهور والى الاحصاءات وتصاريح السياسيين لينتهي الى إعتبار القادمين الى زحلة بلغوا اثني عشر الف مغترب، كلفّوا نفقات سفر وإقامة ثلاثين مليون دولار أميركي وهو مبلغ يفوق الحد الاقصى المسموح بإنفاقه.

وبما ان المستدعي اكتفى فيما يدعيه بالعموميات وبالشائع بين الناس واستند الى تصاريح بعض السياسيين والى أقوال لا يمكن الركون اليها لعدم اتصافها بالدقة الكافية وبالحجة الدامغة ولبقائها في دائرة الوقائع ذات الطابع العام، ذلك أن حضور اللبنانيين من الخارج لممارسة حق الاقتراع أمر حاصل وثابت، اما ما هو غير ثابت فهو عدد القادمين من الخارج وعدد الذين استقدمتهم كل جهة، وتحديد الجهة التي دفعت نفقات السفر والاقامة - في حال حصول دفع - ومقدار المبالغ المدفوعة علماً ان هناك لبنانيين حضروا بملء إرادتهم لممارسة حق الإقتراع لمن يرون فيهم خير ممثلين وأخيرا لا يمكن الجزم لصالح من اقترع القادمون.

وبما أن ادلاء الطاعن بالوصف المبيّن اعلاه يجرّد مراجعته من الجدّية والدقة ويجعلها غير مقبولة لهذه الجهة، مما يحول دون ممارسة المجلس الدستوري صلاحيته في التحقيق والاستقصاء.

وبما أنه من نحوٍ ثانٍ، يعتبر الطاعن شراء الذمم من الأخبار الأكثر شيوعا ورواجاً لدرجة تحوّل الشيوع الى قرينة، وذكر ما تناقلته بعض وسائل الاعلان والصحف الأجنبية و واقعة تحويل مبلغ 240 مليار ليرة لبنانية من المصرف المركزي  الى بنك البحر المتوسط - فرع زحلة او شتورة بتاريخ 5\6\2009،  والقى على كاهل المجلس الدستوري عبء استخراج الدليل، كما ذكر اشخاصاً قاموا برشوة المواطنين وضبطوا بالجرم المشهود وجرى استجوابهم من قبل رجال درك مخفر زحلة.

بما ان المستدعي الذي يقر بعجزه عن الاتيان بالمرتشين يكتفي بسرد الوقائع ويبرز صورا عن محاضر تحقيق منظمة من قبل رجال مخفر زحلة بتاريخ 4\6\2009 و 7\6\2009 بالاعداد 565\302 و 566\302 و574\302 بناء على شكوى مقدمة من المحامي ايلي التيني بوكالته عن السيد الياس السكاف وبناء على إخبار من وكيل أملاكه المدعو سمير الشقيّة بحق مختار الفرزل المتهم بدفع رشاوى الى داني جرجس وزوجته، وبحق مختار الميدان الشرقي وسواهم بجرم رشوة وشراء الذمم وتبين من هذه المحاضر عدم توافر أي دليل حري بالاعتبار على ما ادلي به، مع الاشارة الى ان السيد سمير الشقيّة صرح حرفيا في المخفر: "لم اشاهد بأم العين دفع أو قبض من قبل أحد". الامر الذي لا يمكّن المجلس من الإنطلاق في مهمة تحقيقية بعدما إفتقد الطاعن الدليل وترك الامر على عواهنه ولتقدير المجلس الدستوري.

وبما انه من نحوٍ ثالثٍ تبين من تقرير لجنة المدققين في البيان الحسابي الشامل للمستدعى ضده المقدم الى هيئة الاشراف على الحملة الانتخابية، ان هذا الاخير لم يتخط سقف الإنفاق الإنتخابي وفقا للبيانات والمستندات المبرزة منه على مسؤوليته، ولم يقدم الطاعن عكس ذلك.

3-في المخالفات المتعلقة بقواعد وأصول الاعلام الانتخابي

بما ان مخالفة قواعد واصول الاعلام الانتخابي، وعدم التوازن في الظهور الاعلامي وعدم حيادية وسائل الاعلام- المشكو منها من قبل الطاعن- تطال في حال حصولها - مبدأ المساواة وبالتالي صدقية الانتخاب، كما قد تؤثر التجاوزات في السياق الاعلامي والاعلاني، سلبا في إرادة الناخبين – بحيث ان هذا التأثير لا يأخذ حجمه الطبيعي والمشروع الا من خلال الموضوعية والتعددية وحرية ابداء الرأي بشكل متساوٍ بين جميع المرشّحين .

وبما انه معلوم ان وسائل الاعلام في لبنان متعددة وتملكها جهات سياسية مختلفة متنافسة تستقطب كل منها مؤيدين حصريين او شبه حصريين من الصعب جدا التأثير في إراداتهم الثابتة لجهة معينة، ومعلوم ان وسائل الاعلام هذه تهتم وإهتمت بالشأن الانتخابي واستقبلت ووجهت الدعوة الى برامجها السياسية والانتخابية لكافة التيارات بحيث ليس بإمكان أحد ان يدعي ان وجهة نظره بقيت مكتومة او ان منافسيه نعموا وحدهم بإبداء رأيهم وان كانت بعض وسائل الاعلام تعاطفت بشكل اوفر مع مرشحين مقرّبين ومع تيارات معينة،

وبما ان الطاعن أوصل وجهة نظره عبر وسائل الاعلام كما انه ينتمي الى جهة تملك وسائل مرئية ومسموعة ومقروءة، وضعت في تصرفه مع حلفائه مساحة من الاعلان والاعلام، اما اذا كانت له شكوى من بعض المحطات والوسائل، فالاثر في ذلك لا يطال المطعون بنيابته الذي لم  يثبت الطاعن اية علاقة له بما تقوم به  وسائل الاعلام ، كما لا يمس ذلك صحّة العملية الانتخابية ولا ينال من مبدأ المساواة.

4-في المخالفات المتعلقة في قيود الناخبين والقوائم الانتخابية والخلل في أعمال الفرز

بما انه يتبين من جهة اولى ان الطاعن لم يذكر واقعة تبديل المكان (نقل النفوس) في استدعاء طعنه بل اشار اليه خلال استماعه من المقررَين، انما ذكر في الطعن مخالفة تصحيح القوائم الانتخابية خارج الاصول المتبعة قانونا واستحداث سجلات نفوس جديدة لم تكن واردة في قوائم عام 2005 واضافة آلاف الاسماء 15918 إسماً من دون تقديم طلبات تصحيح واستحصال على قرارات من لجان القيد عملاً بالتعميم رقم 13\1 تاريخ 18\11\2008 الصادر عن وزير الداخلية والبلديات.

بما ان المجلس الدستوري، سعيا منه لكشف الحقيقة وتبيان صحة ما يثار حول هذا الموضوع (تبديل المكان) قام بكافة التحقيقات والاستقصاءات، فأرسل كتابا الى وزير الداخلية والبلديات في 8\9\2009 وتلقى الرد في 17\9\2009 متضمنا كافة المعلومات التي ثبت منها انه تم تبديل مكان اربعماية واربعة ناخبين وفقا للشروط المفروضة قانونا بين 2005 و2008  ثم استمرت التحقيقات المكثّفة ودراسة الملفات والقرارات المتخذة من لجان القيد الانتخابية وجرى استماع افادات شهود في ملفات زحلة وثبت بالنتيجة انه  ضمن المهلة القانونية وبموجب قرارات صادرة عن لجان القيد الانتخابية بتاريخ 12
و14 اذار 2009 ، جرى إضافة 12218 قيداً في دائرة زحلة الانتخابية (والاضافات حصلت في كل لبنان) وقد صدرت القرارات وفقا للقانون لم يشبها شائبة، ومبرر هذه العملية ، من نحوٍ اول وضع قانون الانتخاب الرقم 25\2008 موضع التنفيذ لا سيما في المادة 27 منه لاعادة قيود سبق ان سقطت سهواً او لاعادة قيود بحاجة الى تصحيح لتستوفي شروط القيد في القائمة. ومن نحو ثانٍ هدفت هذه العملية الى تامين حق الاقتراع للمواطنين الذين حرموا من هذا الحق بنتيجة الخطأ والسهو. وتجدر الاشارة الى ان لا محل للقول بفساد العملية الانتخابية لان التصحيح حصل قبل 30\3\2009 ولان القوائم الانتخابية، عشية ويوم الانتخاب كانت تسري على الطاعن وعلى المطعون بصحة نيابته وعلى الجميع بالسواء ولانه يستحيل التكهن المسبق باتجاه الاصوات بالنسبة الى اللوائح المتنافسة او بالنسبة الى  كل مرشح خاصة وان الادارة استصدرت قرارات جماعية من لجان القيد لاضافة الاسماء الساقطة سهوا نقلا عن سجلات النفوس بشكل تسلسلي كما وردت من مأموري النفوس بحسب ارقام السجلات بحيث تنتفي امكانية معرفة الانتماء السياسي لاصحاب القيود المضافة.

وبما انه ينبني على ما تقدم ان اعداد المنتخبين المضافة الى لوائح الشطب في دائرة زحلة لم يحصل قطعاً عن طريق تبديل المكان ونقل النفوس – باستثناء العدد المذكور اعلاه – وانما اقتصر الامر على اعادة القيود الساقطة سهوا والعائدة لكافة شرائح المجتمع وطوائفه ومذاهبه.

وبما ان ما يثيره الطاعن لجهة التضييق على الناخبين ومنعهم من الوصول الى اقلام الاقتراع ، بقي بدون اثبات وقد ثبت من التحقيق ودراسة محاضر لجان اقلام الاقتراع ولجان القيد، ان معظم الاشخاص المذكورة اسماؤهم من قبل الطاعن قد اقترعوا في الأقلام المذكورة، ولم يشذ عن ذلك سوى من لا قيد له وهم قلّة.

وبما انه يتبين من التحقيق المجرى في اقلام (جديتا 127 وبرالياس 106 ومجدل عنجر 216 كرك نوح 87 وسعدنايل 166 والراسية الفوقا 61 ) واقلام الشيعة (المعلقة وحزرتا والكرك وعلي النهري ورياق وحوش حالا ) ومن الكشف على محاضر الانتخاب ولوائح الشطب واوراق فرز الاصوات وتحقيقها وعلى محاضر لجان القيد البدائية والعليا – ان العملية الانتخابية تمت على وجه سليم ولم تدون اية اعتراضات او تحفظات ولم تحصل مخالفات تمس صحة عملية الاقتراع ولم تحصل اية حادثة في قلمي جديتا 127 وبرالياس 106  ولا في قلم 216  عنجر .

اما قلم كرك نوح 87 فلم يفرز من قبل لجنة القيد الابتدائية وبقي مشمعا بحيث فضّت الاختام في المجلس الدستوري وجرى التدقيق في مستنداته الكاملة والسليمة، ويقتضي احتساب الاصوات التي نالها كل مرشح وتصحيح النتيجة بعد اضافة 214 صوتا للطاعن و171 صوتا للمطعون بنيابته على مجموع الاصوات التي نالها كل منهما.

أما قلم سعد نايل 166 الذي وصل الى لجنة القيد غير مشمّع وبدون لوائح شطب، فلم تحتسب اصواته لجنة القيد البدائية الثامنة بل قيدت الأصوات، انما لجنة القيد العليا فقد أجرت التصحيح واحتسبت الأصوات وحسناً فعلت لأن المحضر سليم وعملية الفرز والجمع تمت اصولا من قبل رئيس القلم وهيئته ونظم محضر فرز الأصوات وتحقيقها ثم نظم بيان الاصوات بحضور المندوبين الذين وقّعوه ومحضر إعلان النتيجة الذي جرى لصقه على باب قلم الاقتراع- وبذلك تكون عملية الاقتراع والفرز سليمة.

بما أن الطاعن يدلي بحصول عمليات عرقلة للإقتراع في الأقلام الشيعية المبينة اعلاه، من دون أن يبين صحّة حصول العرقلة وماهيتها وحجمها، انما لم يظهر من مراجعة الاقلام حصول اية عرقلة ولم تدون شكاوى أو اعتراضات، بل على العكس أن نتيجة هذه الاقلام تؤكّد سير العملية وإنتظامها لمصلحة الطاعن الذي حصل على 16212 صوتاً في مقابل 366 للمطعون بنيابته علماً بأن هذه الارقام تشكل نسبة عالية جدا من المقترعين قياسا على عدد الناخبين.

وبما ان التدقيق في كافة الاقلام المبينة ارقامها في الطعن، أظهر بما لا يرقى اليه الشك عدم وجود أخطاء تستدعي المس بالنتيجة المعلنة وإن ورود بعض المحاضر من دون ذكر عدد الناخبين او عدد المقترعين (وهي قليلة جدا) ليس من شأنه التأثير في النتيجة لأن أعمال الفرز وتحقيقها وجمع الأصوات وتدقيق لجان القيد وسلامة المحاضر أكدت صحة الأرقام المعتمدة. أما الارقام التي يذكرها الطاعن من دون أن يبين ويحدد الأقلام العائدة لها فلا مجال للبحث في إدلائه لتعذر ذلك.

وبما أن الطاعن يدلي أخيرا بحصول مناورات وضغوط وعمليات إكراه وعدم الإستجابة للطلبات التي تقدّم بها ومكتبه الانتخابي امام لجان القيد لقيد أسماء في القوائم الانتخابية مما حرمه من أصوات بعض الأشخاص الذين لم يستطيعوا الإقتراع كما يشكو استحداث سجلات نفوس جديدة خلافا للقانون وقيد عدة عائلات في سجل واحد .

وبما أن ما يسوّقه الطاعن لجهة الطلبات امام لجان القيد، يتعلق بالاعمال التمهيدية التي يخرج امر النظر بها عن اختصاص المجلس الدستوري كقضاء انتخاب الا اذا كانت الاخطاء والمخالفات في القيود مقصودة بنتيجة أعمال غش وتزوير من شأنها ان تؤثر في نزاهة العملية الانتخابية الامر غير الحاصل وغير الثابت من قبل الطاعن.

أما اضافة سجلات جديدة وقيد أكثر من  عائلة في سجل واحد منها، فمردها إما الى تنفيذ معاملات  بيان اختيار الجنسية اللبنانية وبالتالي فهي ارقام صحيحة نفذت بناء على موافقة المديرية  العامة للاحوال الشخصية، واما الى سقوط اسماء عائلات سهواً او بسبب حالة السجلات المتلفة والمتداخلة ببعضها البعض ولكثرة التوابع لكل قرية وطائفة وعدم حصرهما في سجل واحد خاص ومتسلسل الأرقام، علما بأن كل طائفة في كل قرية او حيّ تبدأ أرقام سجلاتها من الرقم واحد فصاعدا وانه هناك امكانية وجود ارقام سجلات مكررة في نفس المذهب او الطائفة ناتجة عن خطأ مادي عند تدوين القيود اساسا وبالتالي تكون هذه الارقام صحيحة ونفّذت بعد موافقة المديرية العامة للاحوال الشخصية.

وبما انه ينبني على ما تقدم عدم حصول عمليات تزوير أو مناورات ويقتضي تأسيساً على ما تقدم رد السبب المدلى به من الطاعن مع الاشارة الى ان بعض المخالفات والهفوات البسيطة – في حال حصولها – لا تمس العملية الانتخابية ونزاهتها ولا تؤثر في نتيجتها مع وجود سائر الوثائق والمستندات التي تمّ الرجوع اليها مع وجود الفارق المريح في الاصوات وانتفاء وجود مخالفات جسيمة مؤثّرة في ارادة الناخبين أو حاسمة في تأثيرها على نتيجة الانتخاب.

وبما أنه مع خلو محاضر الانتخاب من تدوين اعتراضات أو شكاوى، ومع ثبوت خلو المحاضر من المخالفات المدلى بها في المراجعة، لا يرى المجلس فائدة من الاستماع الى الشهود او اللجوء الى تحقيق إضافي ويقتضي بالتالي رد ما أدلى به الطاعن لهذه الجهة أيضا.

وبما أنه لم يعد بالتالي من ضرورة لإستفاضة في تحقيق أو إجراء أو لبحث أي سبب مدلى به بصورة ثانوية وعارضة لعدم الجدوى

وبما انه يقتضي تاسيسا على ما تقدم وعلى ما توافر في الملف من ادلة وعناصر تقدير، رد الطعن في الأساس.

لــــــــــــــهذه  الأســــــــــــــباب

وبعـد المداولـة

يقرر المجلس الدستوري بالإجماع

أولاً: في الشكل

قبول الطعن المقدّم من السيد كميل معلوف لاستيفائه الشروط القانونية .

ثانياً: في الأساس

1-تصحيح النتيجة بإضافة الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بنيابته في قلم كرك نوح 87 بحيث يصبح مجموع أصوات الطاعن 41857 صوتاً (41643+214) ومجموع اصوات المطعون بنيابته: 48459 صوتاً (48288+171).

2-رد طلب الطعن المقدّم من السيد كميل معلوف، المرشح الخاسر عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة زحلة لدورة العام 2009 لانتخاب مجلس النواب.

ثالثاً: ابلاغ هذا القرار الى المراجع المختصة والمستدعي.

رابعاً: نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.

قـراراً صـدر في 25\11\2009.