قرار رقم 15\2000
قرار رقم 15\2000
تاريخ 8\12\2000
قاسم عبد العزيز \ جهاد الصمد
المقعد السني في الضنية دائرة الشمال الاولى (عكار، الضنية، بشري)،
انتخابات 2000
رقم المراجعة: 15\2000
المستدعي: الدكتور قاسم عبد العزيز، المرشّح الخاسر عن المقعد السنّي في الضنية دائرة الشمال الأولى (عكار، الضنية، بشري) في دورة العام 2000 لانتخابات مجلس النواب.
المســـــتدعى ضده: السيد جهاد الصمد، النائب المُعلن فوزه عن المقعد المذكور.
الموضـــــــوع: الطعن في صحة نيابة المستدعى ضده.
إن المجلس الدستوري
الملتئم في مقرّه بتاريخ 8 كانون الأول 2000، برئاسة رئيسه أمين نصار، وحضور نائب الرئيس مصطفى العوجي والأعضاء السادة: حسين حمدان، فوزي أبو مراد، سليم جريصاتي، سامي يونس، عفيف المقدّم، مصطفى منصور، كبرِيال سرياني، اميل بجاني.
وعملاً بالمادة 19 من الدستور
وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وتقرير العضوين المقررين
تبيّن ان المستدعي تقدّم من المجلس الدستوري بتاريخ 27\9\2000 بواسطة وكيله بمراجعة سجّلت في القلم برقم 15\2000 طعناً بانتخاب المستدعى ضده المعلن فوزه عن المقعد السنّي في دائرة الشمال الأولى وبالتالي اعلان فوز المستدعي عن هذا المقعد، وبصورة استطرادية الإفساح في المجال لانتخابات جديدة محصورة بالمركز الذي قد يشغر نتيجة البطلان، وأكثر استطراداً ابطال الانتخابات برمتها وإعادة اجرائها وفاقاً للأصول.
وتبيّن ان المستدعي أدلى بما يأتي:
أ-
ان لائحة الناخبين لم تجدّد مما يعني مخالفة القانون وبالتالي التأثير على صحة الانتخاب وسلامته بحيث انه كما عمل بها اشتملت على أسماء كان يجب ان تسقط بحكم الوفاة او بحكم أي سبب آخر، كما انها كان يجب ان تشتمل على أسماء أصبح يحق لها ان تقترع فلم تدوّن، وان ذلك من شأنه ان يؤدي حتماً الى الاخلال بسلامة الانتخاب، وان الأمر يثبت بمجرّد المقارنة فيما بين لائحة الناخبين الموضوعة منذ انتخابات 1996 حتى 30\3\2000 وبين اللائحة المعتمدة في الانتخابات موضوع المراجعة ومقارنتها جميعاً بالوقوعات الحاصلة في سجلات الأحوال الشخصية عن الفترة عينها. وان وزير الداخلية تطبيقاً لأحكام المادة 25 من القانون 171 تاريخ 6\1\2000 قد أحال آلاف الطلبات التي قدّمت اليه على لجنة القيد، وقد فاق عددها عن ثمانية آلاف وثلاثمئة طلب في أكثر من سبعين بلدة وقرية في قضاء عكار لوحده، وان اللجنة المذكورة أصدرت قراراتها بشأن هذه الطلبات وقررت وجوب تدوينها على لائحة الناخبين، وان قراراتها هذه أصبحت مبرمة ونهائية وبالتالي وجوب تنفيذها لزوماً الأمر الذي لم يحصل، بالرغم من ان لهذه القرارات قوة القضية المقضية. وان تعليل هذا الوضع يماثل تماماً فيما لو منع الناخب من حق الاقتراع بالرغم من ان اسمه وارد على لائحة الناخبين وكان يجب ان يرد حتماً في لوائح الشطب، وانه لم يتمكّن من الحصول على نسخة عن هذه القرارات بالرغم من طلب تزويده بها وطلب العمل على الحصول على نسخة عنها واستيضاح رئيس او عضوي لجنة القيد عند الاقتضاء حول هذا الأمر. وأضاف المستدعي ان من شأن هذا الوضع ان يؤدي الى افساد صحة العملية الانتخابية برمتها، جازماً انه كان مع رفاق له السبب في تقديم طلبات استدراك النقص، ولو تمّ الاستدراك لكان حصل على أصوات الأشخاص التي صدرت قرارات تقضي بتدوين أسمائهم على اللائحة الانتخابية وبالتالي على لائحة الشطب، وان الذين لم تدوّن أسماؤهم في لوائح الناخبين وبالتالي لوائح الشطب بموجب قرارات لجنة القيد لم يبلّغوا شخصياً القرارات الصادرة بفعل الإدارة، لذا يكون ما استقرّ عليه الفقه والاجتهاد موجباً لضم عدد هؤلاء (نيف و8300 صوتاً) الى أصوات المرشحين غير الفائزين وبذلك تصبح النتيجة معكوسة تماماً والفائز قانوناً وبحق هو المستدعي.
ب-
ان الأكثرية الساحقة من لوائح الشطب المعتمدة ان لم تكن جلّها، أتت غير متوافقة مع لائحة الناخبين، وان من شأن ذلك عند ثبوته ان يفسد العملية الانتخابية وان المحاضر المنظّمة من قبل قلم الاقتراع أوردت اعداداً لمقترعين وهميين لم ترد تواقيعهم على لوائح الشطب التي عمل بها في أقلام الاقتراع كما تفرض الأصول القانونية، وان الفقه والاجتهاد بالإضافة الى النصوص القانونية مستمرّان على وجوب الأخذ بقيود لوائح الشطب في حال اختلافها مع قيود أي مستند آخر ومنها قيود محضر الاقتراع، وانه تبيّن من الاطلاع على العديد من لوائح الشطب المعتمدة في أقلام الاقتراع بأن تواقيع نُسبت الى مسافرين كانوا موجودين خارج الأراضي اللبنانية يوم اجراء العملية الانتخابية والى موتى بذلك التاريخ كما هو حاصل في مجمل أقلام الاقتراع بحي السيدة وحي مار سابا في بشري وذلك على سبيل المثال وليس الحصر.
ج- ان القانون اوجب ان تكون هيئة قلم الاقتراع مؤلفة من رئيس ومعاون وأربعة مندوبين على الأقل، وان مجرّد الاطلاع على محاضر جميع أقلام الاقتراع يؤكد ان هيئات أقلام الاقتراع أتت كلّها مخالفة لاحكام القانون والأصول، كما يؤكد خلو المحاضر من تواقيع العدد الكافي من المندوبين، وان من شأن هذا النقص ان يؤدي الى الاخلال بصحة العمليات الانتخابية.
د-ان القانون والأصول التنظيمية تفرض شروطاً يجب توافرها جميعها في شكل وفي كيفية اجراء الاقتراع وفي شكل العازل ومحتواه، ومن هذه الشروط ما نصّت عليه المادة 25 من قانون الانتخاب الصادر سنة 1960 بحيث يقتضي ان تلصق المظاريف قبل اسقاطها في صندوق الاقتراع، والا لما كان من حاجة الى تصميغها، وذلك بعد ان تكون الورقة التي دوّن عليها أسماء المرشحين وضعت في المظروف خلف العازل، وان جميع السواتر في جميع أقلام الاقتراع لم تكن متوافقة اطلاقاً مع ما يفرضه القانون، وان رؤساء الأقلام اذا ما استجوبوا يؤكدون صحة هذا القول وانه، أي المستدعي، يحتفظ بحق تسمية شهود في حال الانكار، وبالإضافة الى ما تقدّم ان الكثير من المقترعين كانوا لا يدخلون وراء الستارة ويضعون قائمة المرشحين علناً خارجها، وان من شأن هذه الواقعة افساد سرّية الانتخاب.
ه-ان القوانين والأصول تفرض ان يشتمل صندوق قلم الاقتراع على لائحة الشطب ولائحة التفقيط ومحضر هيئة القلم، وان الواقع يؤكد ان أكثر هذه الصناديق وردت الى لجان الفرز البدائية خالية من مستند أو أكثر من هذه المستندات.
و-ان أكثر الصناديق، ان لم يكن جلّها، وصل الى لجنة القيد وفيه أكثر من مخالفة إضافة الى عوامل عديدة أخرى مؤثرة في أسباب تعطيل الحرية والإرادة وبالتالي نتيجة الانتخاب يحتفظ المستدعي بحق اثارتها عند الاقتضاء.
ز-ان جميع سكان الدائرة الانتخابية الأولى في الشمال وأهاليها يعلمون بما بذله المستدعى ضده وحلفاؤه لمصلحتهم معاً من أموال لحمل الناس واغرائهم على الاقتراع لمصلحتهم الشخصية، وان الأموال التي دفعت تفوق على ملايين الدولارات، ولم تخل قرية او بلدة من ذلك، وان بمقدوره، أي بمقدور المستدعي، اثبات ذلك بجميع وسائل الاثبات ومنها البينة الشخصية، ولكن حرصاً منه على مصالح الشهود من جهة وعلى ان لا يُستبق من أصحاب المصلحة بإمكانية حمل هؤلاء على رفض الشهادة او على الانكار خوفاً يحتفظ بحق تسمية العديد من الشهود في حينه، وان "الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات" أشارت في تقاريرها بان الدائرة الأولى في محافظة لبنان الشمالي شهدت أوسع عملية شراء للاصوات والضمائر مما أفسد العملية الانتخابية برمتها وصادر حرية الناخب، وان شراء الأصوات قد اتخذ اشكالاً عديدة منها الأموال العينية ومنها الأموال النقدية ومنها أيضاً صرف النفوذ الذي مارسه المفتش التربوي الدكتور أحمد الصمد لمصلحة نسيبه (ابن خاله) المرشح جهاد الصمد، الذي قام بجولة واسعة شملت كل مدراء مدارس عكار طالباً اليهم العمل كماكينة انتخابية والاقتراع لمصلحة السيد جهاد الصمد، وأضاف المستدعي انه قد أجرى اتصالاً بالدكتور كاظم مكي رئيس التفتيش المركزي وضعه في صورة الحال وقد وعد باجراء تحقيق.
وتبيّن ان المستدعي قدّم بتاريخ 7\10\2000 مذكرة ابدى انها تتضمّن تفصيلاً للأسباب القانونية والفقهية والاجتهادية المعتمدة في المراجعة وكرّر فيها أقواله ومطاليبه.
وتبيّن ان المستدعى ضده أبدى في لائحته المقدمة في 11\10\2000 ان قيود المديرية العامة للأحوال الشخصية تثبت ان القوائم الانتخابية قد جرى تنقيحها تباعاً منذ سنة 1996 وحتى 30\3\2000، وان كل ادعاء خلاف ذلك يفتقد الى الدليل، وان قيود وزارة الداخلية تثبت ان المديرية العامة للأحوال الشخصية قد أرسلت القوائم الانتخابية الى المراجع المعدّدة في المادة 21 من القانون رقم 171\2000 وفق الأصول التي نصت عليها تلك المادة، وان الطاعن يعترف بأن أياً من الناخبين الثمانية الاف حسب ادعائه لم يتقدّم بطلب او اعتراض أمام لجنة القيد ضمن المهلة المنصوص عليها في المادة 23 من القانون المذكور، وان اجتهاد المجلس الدستوري الفرنسي قد استقرّ على ان المجلس غير صالح للنظر بالشوائب التي تعتري القوائم الانتخابية ما لم تكن بحد ذاتها تشكّل مناورات من شأنها ان تعيب العملية الانتخابية، وانه يتبيّن من أقوال الطاعن ان الاعتراضات التي يدعي انه أوصلها الى وزير الداخلية قد أخذت مجراها الى لجان القيد، وان هذه الأخيرة قد بتت بها، وانه كان بإمكان الأشخاص الذين يدّعي الطاعن انه قد أغفل قيدهم ان يمارسوا حقّهم الانتخابي بالاستناد الى قرارات لجان القيد عملاً بأحكام المادة 48 من القانون رقم 171\2000، وانه لا علاقة سببية بين امتناع من ذكر عن ممارسة حقّه الانتخابي وبين رسوب الطاعن الدكتور قاسم عبد العزيز، وان عدد الأصوات التي حصل عليها كل من المستدعي والمستدعى ضده ينطوي على فارق كبير بينهما، وانه ينبغي الاعتداد بالفارق بين الأصوات ما لم يكن مقترناً بمخالفات وتجاوزات عديدة وفادحة من شأنها ان تؤدي الى تأثير حاسم في صحة الانتخاب، وان المستدعي لم يتقدّم بأي اثبات قانوني يؤدي الى تبديل النتائج المعلنة، وان سائر الأسباب التي أدلى بها المستدعي هي غير صحيحة وغير ثابتة، وأضاف المستدعى ضده ان اجتهاد المجلس الدستوري قد استقرّ على ان المخالفة المتمثلة بعدم دخول الناخب الى المعزل تبقى غير مجدية ما لم يثبت ان الناخب قد تعرّض لضغط على ارادته منعه من الدخول وراء الساتر، وانه لا يمكن الاعتداد بمقتطفات الصحف أو الحجج التي يدلي بها الأطراف عندما تكون مجرّدة من الاثباتات الدقيقة او عندما تكون ذات طابع عام، وان المفتش التربوي الدكتور أحمد الصمد لم يكلّف بالتفتيش على أي مدرسة في قضاء عكار بالنسبة للسنوات الدراسية 96-97، 97-98، 98-99، واما بالنسبة للسنة الدراسية 1999-2000، فانه كلّف بالتفتيش على أربع ثانويات في قضاء عكار من أصل ثلاث عشرة ثانوية، وانه بالنسبة الى قضاء الضنية فان القانون الإداري يمنع عليه ان يمارس أعمال التفتيش في منطقته، وان مردود أعمال التفتيش هو عكسي، أي انه يضرّ سياسياً ولا ينفع، وطلب المستدعى ضده بالنتيجة ردّ الطعن شكلاً اذا تبيّن انه غير مستوف سائر شروطه لهذه الجهة وردّ سبب الطعن الأول لعدم الصلاحية وردّ الطعن برمته لعدم القانونية وعدم الصحة وعدم الثبوت.
وتبيّن ان المستدعي قدّم بتاريخ 23\10\2000 مذكرة أبدى فيها أن الأسباب المعتمدة في الطعن تستوجب كلها تحقيق وهي متعددّة الأوجه من مثل التدقيق في الكثير من المستندات الرسمية والمقارنة فيما بينها الى استيضاح مسؤولين، وأخذ إفادات افراد، وان قيام المجلس بجميع هذه المهمات يتطلّب وقتاً قد يمتدّ أشهراً، هذا عدا عن صعوبة نقل سجلات ومستندات رسمية ودعوة موظفين وأخذ إفادات العديد من المخاتير والافراد، وانه تسهيلاً للأمور وتأميناً لسرعة البت يقتضي تعيين لجنة خبراء للقيام بالمهمة.
وتبيّن ان المستدعى ضده أبدى في لائحته المقدمة بتاريخ 30\10\2000 ان الطعن مفتقد للأسباب الجدية، وان طلب التحقيق مستوجب الإهمال، وان طلب الشهود هو غير مجد للأسباب المبيّنة في لائحته الأولى، وطلب ردّ ما ورد في مذكرتي المستدعي وردّ طلب تعيين لجنة خبراء لعدم القانونية وعدم الجدوى ولشمولية موضوع المهمة واستحالتها معاً، مكرراً أقواله ومطاليبه.
فبنــــــــاء علــــــى مـــــا تقـــــدّم
أولاً – في الشكل
بما ان العملية الانتخابية في دائرة الشمال الأولى جرت في 27\8\2000، والنتيجة أُعلنت بتاريخ 28\8\2000، وقد قُدّم الطعن الى المجلس الدستوري بتاريخ 27\9\2000 برقم 15\2000، أي ضمن المهلة المنصوص عليها في كلّ من المادتين 24 من القانون رقم 250\93 المعدّل بالقانون رقم 150\99، و46 من القانون رقم 243\2000.
وبما ان المستدعي قد أبرز ربطاً باستدعاء الطعن وكالة مصدّقة لدى الكاتب العدل تجيز صراحة لوكيله تقديم الطعن لدى المجلس الدستوري،
فتكون مراجعة الطعن الحاضرة مستوفية شروطها القانونية من حيث الشكل ومقبولة شكلاً.
ثانياً – في الأساس
بما ان المستدعي أبدى ان أسباب الطعن في صحة انتخاب المستدعى ضده تتمحور حول الأمور التالية:
أ-عيوب ومخالفات للقانون تعتور لائحة الناخبين او القوائم الانتخابية.
ب-مخالفات وعيوب تعتور لوائح الشطب وهيئة قلم الاقتراع وكيفية اجراء الاقتراع وفي العازل وفي صناديق الاقتراع ومحتواها، الى أساليب الضغط والاكراه على إرادة الناخبين.
أ-فيما يتعلّق بلائحة الناخبين أو القوائم الانتخابية والقول بمخالفتها للقانون
بما ان المستدعي يدلي بان القوائم الانتخابية التي عُمِلَ بها قد اشتملت على أسماء كان يجب أن تسقط بحكم الوفاة أو بحكم أي سبب آخر، كما كان يجب ان تتضمّن أسماءً اصبح يحق لها ان تقترع فلم تدون، وان القرارات التي أصدرتها لجنة القيد بناء على إحالة من وزارة الداخلية لم تبلّغ الى أصحابها فحُرم هؤلاء من إمكانية ممارسة حقهم في الانتخاب، وان اللجنة لم تقم بإبلاغ تلك القرارات الى المديرية العامة للأحوال الشخصية التي عليها تنفيذ التصحيح بادراج أسماء كل الذين صدرت قرارات لصالحهم في القائمة الانتخابية وتالياً في لوائح الشطب، وان هذا التقصير والإهمال من شأنه تعطيل صدقية الانتخابات وتدخل في صلاحية قاضي الانتخاب، وان اهمال قيد الألوف من أسماء الناخبين في قائمة انتخابية لدائرة انتخابية معيّنة كما هي الحال وكما يقول المستدعي في المراجعة الحاضرة، من شأنه تعطيل العملية الانتخابية برمتها مما يجعل الأمر واقعا حتماً في صلاحية المجلس الدستوري.
وبما ان من المسلّم به فقهاً واجتهاداً ان النظر في المنازعات المتعلّقة بالقيود الواردة في القوائم الانتخابية هو من اختصاص لجان القيد المنصوص عليها في قانون انتخاب أعضاء مجلس النواب، هذا الا اذا كانت المخالفات والنواقص المدلى بها في المنازعات المذكورة نتيجة مناورات او أعمال غش من شأنها التأثير في نزاهة الانتخابات، فعندئذ، وعندئذ فقط، يكون المجلس الدستوري مختصاً لبحثها والبت في أمرها:
Philippe Dufresnoy, Guide du contentieux électoral, 1991, p.27.
وبما انه بمقتضى المادة 25 من القانون رقم 250 الصادر بتاريخ 14\7\1993 المعدّل بالقانون رقم 150 الصادر بتاريخ 30\10\1999 والمتعلّق بانشاء المجلس الدستوري يجب ان يذكر في استدعاء الطعن الأسباب التي تؤدي الى ابطال الانتخاب وان ترفق به الوثائق والمستندات التي تؤكد صحته.
وبما انه وإن كانت أصول المحاكمات المتّبعة لدى المجلس الدستوري هي أصول استقصائية توليه سلطة واسعة في التحقيق ، فانه يبقى ان ذلك لا يخلّ بالقاعدة العامة التي تلقي على عاتق المدعي، مبدئياً، عبء اثبات ما يدعيه او على الأقل تقديم بداية بيّنة على المخالفات التي يدّعيها تمكّن المجلس الدستوري من الانطلاق في ممارسة حقّه في التحقيق للتثبّت من الوقائع المدلى بها وأثرها في نتيجة الانتخاب.
وبما ان المستدعي لم يقدّم أية بيّنة أو بداية بيّنة على أية مناورات أو أعمال غش قد تكون اعتورت القوائم الانتخابية وبقيت أقواله لهذه الجهة مجرّدة من الاثبات، وهو لم يبدِ ان تلك المخالفات والنواقص قد اقترنت بأي اعتراض مدوّن منه أو من سواه، ولم يثبت انه كان لها ثمة تأثير في نزاهة الانتخابات فلا يصحّ التوقف عندها.
وبما أنه مهما يكن من أمر فان عدم تنقيح أو عدم تصحيح القوائم الانتخابية لا يعتبر من قبيل المناورات أو أعمال الغش المفسدة لصدقية الانتخاب، علماً بأنه لا يمكن التكهّن مسبقاً باتجاه أصوات الناخبين بالنسبة الى اللوائح الانتخابية المختلفة أو بالنسبة الى كل مرشّح:
Philippe Dufresnoy, Guide du contentieux électoral , N° 0077, p.33.
وبما انه اذا كانت القرارات التي تصدرها لجان القيد بتصحيح القوائم الانتخابية بناء على طلبات الناخبين تبلّغ الى أصحاب العلاقة والى المديرية العامة للأحوال الشخصية لتنفيذ مضمونها وذلك عملاً بأحكام المادتين 16 و23 من القانون رقم 171\2000 المذكور أعلاه فان القرارات التي تصدرها اللجان المذكورة، بناء على إحالة من وزير الداخلية من تلقاء نفسه تطبيقاً لأحكام المادة 25 من القانون المذكور لا تُبلّغ الى المقرّر قيد أسمائهم في القوائم المذكورة لانتفاء النص على ذلك، علماً بأن القوائم الانتخابية لا تُبلّغ الى الناخبين بل تنشر ويُعلن عنها ويحق لأي كان ان يطلع عليها او ينسخها (المادة 21 من القانون رقم 171\2000 المذكور).
وبما انه فضلاً عن ذلك يجوز لمن كان حاصلاً على قرار من لجنة القيد يتضمّن قيد اسمه في القائمة الانتخابية ان يشترك في الاقتراع عملاً بالمادة 48 من القانون رقم 171\2000 المعدّل لقانون انتخاب أعضاء مجلس النواب.
وبما ان المستدعي لم يثبت ان أحداً من المدّعى تقرير قيد أسمائهم في القوائم الانتخابية قد طلب تسليمه نسخة عن قرار القيد ولم يُستجب طلبه او قدّم اعتراضاً على عدم إجابة طلبه. وقد بقي ادعاء المستدعي بأنه طلب تزويده نسخاً عن قرارات صادرة عن لجنة القيد متضمّنة تصحيح القوائم الانتخابية وبأنه لم يتمكّن من الحصول عليها مجرداً من الدليل فيكون مستوجباً الاغفال، وكذلك جميع ادعاءاته المتعلّقة بالقوائم الانتخابية.
ب-فيما يتعلّق بالعيوب والمخالفات المدّعى بها لجهة لوائح الشطب وهيئة قلم الاقتراع وكيفية اجرائه وفي العازل وفي صناديق الاقتراع وأساليب الضغط والاكراه على إرادة الناخبين
وبما ان أقوال المستدعي لجهة لوائح الشطب المعتمدة والمحاضر المنظمة من قبل أقلام الاقتراع ولجهة ورود تواقيع على لوائح الشطب منسوبة الى مسافرين وموتى كما هو حاصل في مجمل أقلام في حي السيدة وحي مار سابا في بشري وغيرها من الأقلام، حسب ادعائه، لا تتصف بالدقة الكافية، وهي لم تقترن بأي بيّنة أو بداية بيّنة، وان المستدعي لم يبدِ ان المخالفات التي يدعي حصولها قد اقترنت بأي اعتراض مدوّن. ولم يثبت في أي حال انه كان لهذه المخالفات أثر في نتيجة الانتخاب.
وبما ان قول المستدعي الوارد في مذكرته التوضيحية تاريخ 7\10\2000 ان كلاً من لوائح الشطب المعتمدة في العمليات الانتخابية أتى مخلاً بشرط أو أكثر من الشروط التي يفرضها القانون هو قول لا يتّصف بالدقة الكافية فلا يصحّ التوقف عنده خصوصاً وانه لم يثبت وجود اعتراض بشأنها في محاضر الاقتراع.
وبما انه كذلك أيضاً ان أقوال المستدعي لجهة هيئة قلم الاقتراع وكيفية اجراء الاقتراع والعازل ومحتوى صناديق الاقتراع وحالة هذه الصناديق لم تقترن بأي بيّنة بل حتى ببداية بيّنة ولم يبدِ المستدعي ان المخالفات المتصلة بها قد اقترنت بثمّة اعتراض مدوّن فهي أيضاً مما لا يمكن التوقّف عنده.
وبما ان المعزل قد أُقيم حفاظاً على السرية، وان هذه السرية هي لضمان سلامة الإرادة وتأمين حرية الانتخاب، فإذا شاء الناخب ان لا يخفي ميله الى مرشح معيّن وأدلى بصوته جهاراً دون الدخول الى المعزل فلا عيب يشوب اقتراعه، هذا الا اذا كان المانع الذي حمل الناخب على عدم الدخول الى المعزل وليد ضغط أو اكراه مما يحمله على انتخاب من لا يريد انتخابه فيما لو خلا الى نفسه في المعزل وتحصّن بالسرّية، فيكون من شأن ذلك التأثير على صدقية الاقتراع.
وبما ان المستدعي لم يقم أي دليل ولم يقدّم أي بيّنة على ان عدم دخول الكثير من الناخبين الى المعزل، على فرض ثبوت ذلك، كان وليد ضغط او اكراه.
وبما ان ادعاء المستدعي، الوارد في استدعاء الطعن، بأن هناك عوامل عديدة مؤثرة في أسباب تعطيل الحرية والإرادة وبالتالي في نتيجة الانتخاب، تنقصه الجدية والدقة لعدم ذكر المستدعي هذه العوامل والاحتفاظ بحق اثارتها عند الاقتضاء.
وبما ان كذلك أقواله الواردة في استدعاء الطعن لجهة دفع أموال لحمل الناخبين واغرائهم بالاقتراع لمصلحة المطعون في صحة نيابته تفتقر الى الدقة وهي ذات طابع عام، وقد وردت وظلّت مجرّدة من الدليل، فضلاً عن انها لا تتسم بالجدية لاقترانها بالاحتفاظ فقط بحق تسمية العديد من الشهود فيما بعد حرصاً على مصالحهم وحتى لا يُستبق من أصحاب المصلحة بإمكانية حملهم على رفض الشهادة او على الانكار خوفاً، كما قال، وهو من الاعذار التي ليست حرية بالقبول في كل حال، لان المجلس الدستوري لا ينطلق من ممارسة حقّه في التحقيق اذا لم يقدّم المستدعي، على الأقل، بداية بيّنة على ادعائه.
وبما ان قول المستدعي الوارد أيضاً في استدعاء الطعن ان دائرة الشمال الأولى شهدت أوسع عملية شراء للأصوات والضمائر اتخذ أشكالاً عديدة منها الأموال العينيّة ومنها الأموال النقدية لا يصحّ الأخذ به لأن المجلس الدستوري لا يقيّد بالأقوال التي لا تتصف بالدقة أو التي تكون ذات طابع عام أو التي يكتنفها الغموض والابهام.
وبما ان التذرّع بتقرير الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات والوارد فيه ان دائرة الشمال الأولى شهدت عملية واسعة لشراء الأصوات والضمائر، لا ينهض دليلاً كافياً حرياً بالقبول لأن تقاريراً كهذه غير رسمية لا يمكن الاعتداد بها خصوصاً عندما تكون مجرّدة من الاثبات الدقيق الذي يصلح امام القضاء، او عندما تكون ذات طابع عام وواردة بصيغة التعميم والابهام.
وبما ان المستدعي ابدى في مذكرته التوضيحية تاريخ 7\10\2000 ان المستدعى ضده وانصاره دخلوا الى بلدة القرنة عن طريق بعض أبنائها بنيّة عمل خيري (توسيع مقبرة) تبيّن فيما بعد انه كان رشوة انتخابية مباشرة (قيمتها \4000\دولاراً) دفعها المستدعى ضده قبل الانتخابات بيومين كما يتبيّن من الوثيقة المرفقة. لكن المستدعي لم يرفق بمذكرته أي وثيقة، خلافاً لقوله، مما يجعل ادعاءه غير متسم بالجدية، وكذلك قوله بأن المستدعى ضده تبرّع بأرض فلقد ورد وظلّ مجرداً من الدليل، وان قوله بانه سيقدّم عند التحقيق صورة طبق الأصل عن صكّ التفرّغ عن الأرض قبيل الانتخاب لا يصحّ التوقّف عنده لعدم الجدية.
وبما انه في أي حال، وعلى فرض اقدام مرشّح على التبرع بمال منقول أو غير منقول في سبيل ما، لا يؤلف من حيث المبدأ شراءً لضمير المقترعين طالما لم يقدّم أي دليل على ان عملية التبرّع قد أدّت الى الاقتراع لمصلحته نتيجة لافساد إرادة المقترعين.
وبما ان أقوال المستدعي ان المفتّش التربوي الدكتور أحمد الصمد قام بجولة واسعة شملت مدراء مدارس عكار طالباً اليهم العمل كماكينة انتخابية والاقتراع لمصلحة نسيبه المطعون في صحة نيابته قد وردت وظلّت أيضاً مجردة من أي اثبات. هذا فضلاً عن ان الجولة التي شملت كل مدراء المدارس –كما يقول- في القضاء يسهل كشفها ومواجهتها في الوقت المناسب، فتبقى تلك الجولة، وعلى فرض ثبوت حصولها، دون تأثير حاسم في نتيجة الانتخاب.
وبما انه لكل ما تقدّم ان طلب المستدعي الاستماع الى الشهود الذين سمّاهم في مذكرته التوضيحية تاريخ 7\10\2000، وكذلك طلب تعيين لجنة خبراء للتثبّت من بعض الوقائع ولتبيان البعض الآخر، يبدو دون جدوى اذا ما أُضيف الى الأسباب القانونية المبيّنة أعلاه الفرق في الأصوات، حيث نال المستدعي (24539\ صوتاً والمستدعى ضده 31242 صوتاً أي بفارق بلغ 6703 أصوات.
لـــــــهذه الأســــــــباب
وبعد المداولة
يقرّر المجلس الدستوري
أولاً- في الشكل
قبول طلب الطعن لوروده ضمن المهلة مستوفياً الشروط القانونية.
ثانياً- في الأساس
1-ردّ طلب الطعن المقدّم من الدكتور قاسم عبد العزيز المرشح الخاسر عن المقعد السنّي في الضنية في دائرة الشمال الأولى في دورة العام 2000 لانتخابات مجلس النواب.
2-ابلاغ هذا القرار الى رئيس مجلس النواب ووزارة الداخلية وأصحاب العلاقة.
3-نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.
قراراً صدر في 8 من شهر كانون الأول 2000.