قرار رقم 9\2000
قرار رقم 9\2000
تاريخ 8\12\2000
كميل زيادة \ فارس بويز
أحد مقاعد الموارنة في قضاء كسروان (دائرة جبل لبنان الأولى جبيل-كسروان)، انتخابات 2000
رقم المراجعة: 9\2000
المستدعي: كميل زياده، المرشّح الخاسر عن أحد المقاعد الخمسة المخصصة للطائفة المارونية في قضاء كسروان ضمن دائرة جبل لبنان الأولى الانتخابية (جبيل-كسروان)، في دورة العام 2000 لانتخابات مجلس النواب.
المســـــتدعى ضده: النائب المنتخب فارس بويز.
الموضـــــــوع: الطعن في صحة نيابة المستدعى ضده.
إن المجلس الدستوري
الملتئم في مقرّه بتاريخ 8 كانون الأول 2000، برئاسة رئيسه أمين نصار، وبحضور نائب الرئيس مصطفى العوجي والأعضاء السادة: حسين حمدان، فوزي أبو مراد، سليم جريصاتي، سامي يونس، عفيف المقدّم، مصطفى منصور، كبرِيال سرياني، اميل بجاني.
وعملاً بالمادة 19 من الدستور
وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وتقرير العضوين المقررين
تبين ان المستدعي السيد كميل زياده، المرشّح الخاسر عن أحد المقاعد الخمسة المخصّصة للطائفة المارونية في قضاء كسروان ضمن دائرة جبل لبنان الأولى الانتخابية (جبيل-كسروان) في دورة العام 2000 لانتخابات مجلس النواب، قد تقدّم من رئاسة المجلس الدستوري بمراجعة سجلت في قلم المجلس بتاريخ 26 أيلول 2000 تحت الرقم 9\2000 يطعن بموجبها في صحة انتخاب السيد فارس بويز النائب المعلن فوزه عن المقعد المذكور في الانتخابات التي جرت في الدائرة ذاتها، مدلياً بما يلي:
ترشّح المستدعي للانتخابات النيابية لدورة سنة 2000 عن أحد المقاعد الخمسة المخصّصة للطائفة المارونية في قضاء كسروان من دائرة جبل لبنان الأولى الانتخابية (جبيل-كسروان)، كما ترشّح عن أحد المقاعد الخمسة المشار اليها المطعون بصحة انتخابه السيد فارس بويز.
وبنتيجة الانتخابات التي جرت بتاريخ 27\8\2000، حملت الصحف الصادرة في صباح اليوم التالي، أي في 28\8\2000، نبأ سقوط السيد فارس بويز. الا ان النتيجة الرسمية التي أعلنت مساء ذلك اليوم من قبل وزارة الداخلية، قلبت المعادلة وذكرت ان الفائز عن المقعد الماروني الخامس هو فارس بويز الذي نال 25343 صوتاً بينما نال المستدعي 25045 صوتاً، أي بفارق 298 صوتاًعن السيد بويز.
وعزا المستدعي سبب هذه النتيجة المعلنة الى المخالفات الجسيمة التي شابت عملية الاقتراع، والتي من شأنها ان تؤدي الى ابطال انتخاب السيد بويز وإعلان فوز المستدعي، وهذه المخالفات هي:
1- في مخالفات بلدة قهمز
ان رئيس قلم البلدة المذكورة تأخر في تسليم المغلف الذي يتضمّن المستندات الرسمية المتعلقة بعملية الاقتراع التي جرت في ذلك القلم حتى الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي ليوم الانتخاب. ولدى سؤاله من قبل رئيسة لجنة القيد الأولى القاضية لينا سركيس عن سبب هذا التأخير، تذرّع بان عطلاً طرأ على سيارته بعد وقت قصير من مغادرته القلم، وان سيارة أمنية حضرت، بعد اتصال بالمسؤولين الأمنيين، لمؤازرتهم، وان أحد عناصر المواكبة الأمنية أصرّ على ان يعرج على بلدة قرطبا لعمل لديه هناك، وان كل ذلك قد تسبّب بالتأخر في وصولهم الى سراي جبيل. وأضاف المستدعي ان رئيس القلم أفاد أمام رئيسة لجنة القيد انه بدأ بفرز الأصوات عند الساعة الحادية عشرة ليلاً، بينما أشار في محضر الانتخاب الى أن هذه العملية بدأت عند الساعة السادسة مساءً، وان عملية فرز الأصوات انتهت عند ساعات الصباح الأولى، بينما خلا محضر الانتخاب من أية إشارة الى الوقت الذي انتهت فيه هذه العملية، وأنه لغاية الساعة الخامسة والنصف من بعد الظهر، لم يقترع سوى خمسين ناخباً، وكان في باحة القلم نحو 300 مقترع، بينما يشير محضر الانتخاب الى 527 مقترعاً، ثم الى 692 مقترعاً، ثم ان رئيس القلم لم يوقّع على ورقة فرز الأصوات، خلافاً لأحكام المادة 54 من قانون الانتخاب.
2- في مخالفات أقلام بلدة حراجل
كان في بلدة حراجل ثمانية أقلام، وكانت هذه الأقلام موجودة في مبنى المدرسة الرسمية للبلدة، وموزعة على طوابقها. وهناك ملعب يقع أمام البناء. والبناء والملعب مصونان بجدار. وللوصول الى المدرسة يتم الدخول عبر باب رئيسي من الزجاج والحديد، أو عبر باب جانبي من الحديد فقط وفي الحالتين يجب المرور بالملعب لولوج المبنى حيث الأقلام. وقد بقي الباب الرئيسي مفتوحاً والباب الجانبي مقفلاً، طيلة المدة القانونية للاقتراع، أي من السابعة صباحاً، ولغاية السادسة مساءً. وكان دخول الناخبين يتم عبر الباب الرئيسي المفتوح، وفي ظلّ رقابة مشدّدة لرجال الأمن، طيلة هذه الفترة.
وكان الاقبال على الاقتراع بطيئاً قبل الظهر وبعده بقليل. وابتداء من الساعة الخامسة سيطر على المكان ومحيطه جوّ من الترتيبات المالية، مع تغاض من القوى الأمنية الموجودة في المكان.
وعند الساعة السادسة مساء، أقفل الباب الرئيسي، وبدأت عملية الفرز في بعض الأقلام. وفي هذه الأثناء فتح الباب الجانبي وأصبح المواطنون يدخلون منه ويخرجون بدون أي رقابة من المولجين بالأمن.
ومن هذا الباب الجانبي تدفّق بعد الساعة السادسة مئات المقترعين الذين كانوا مجتمعين خارج باحة الأقلام، وحتى خارج مبنى المدرسة والملعب الواقع أمامه.
وهنا توقفت عملية الفرز في الأقلام التي كانت قد بدات فيها، لتستأنف بعد ذلك بطلب من قائمقام كسروان، نقله الى رؤساء الأقلام، رئيس القوة الأمنية، الملازم الأول فادي بيطار، وذلك في ظلّ سجالات حصلت داخل هذه الأقلام بين رؤسائها والمندوبين حول قانونية استئناف عملية الاقتراع، وفي جوّ من الفوضى العارمة التي عمّت أقلام الاقتراع الثمانية.
وقد استمرّت عملية الاقتراع لغاية حوالي التاسعة ليلاً، أي بعد انقضاء ثلاث ساعات على الساعة القانونية.
واثباتاً للوقائع المذكورة قدّم المستدعي مع استدعائه عدداً من الشهادات الخطية الصادرة عن أشخاص من أبناء بلدة حراجل، وطلب من المجلس الدستوري القيام بتحقيق واسع حول ما جرى في حراجل، خاصة لناحية التمديد المريب لعملية الاقتراع واستمرارها لساعات بعد الوقت القانوني، وما شاب الاقتراع من مخالفات أخرى. وقد طلب في هذا الاطار التحقيق مع أصحاب الشهادات الخطية، والاستماع الى رؤساء الأقلام وكتبتها، وأعضائها، والى القوى الأمنية، ولا سيما الملازم الأول فادي بيطار، والى المسؤولين الإداريين، وبخاصة قائمقام كسروان الأستاذ ريمون حتي.
وبالإضافة الى الفوضى في ارتياد أقلام الاقتراع التي تحدث عنها المستدعي، أشار الى وقوع مخالفات في المستندات المتعلقة بالعملية الانتخابية، وأبرزها تلك المتعلقة بضبط المحاضر وأوراق الفرز، وفي تواقيعها. واثباتاً لهذه المخالفات طلب ان يطلع المجلس على جميع أوراق الفرز والمحاضر وسائر المستندات واللوائح العائدة الى أقلام بلدة حراجل، والتدقيق فيها.
3- في المخالفات التي تمّت في كثير من الأقلام
تحت عنوان "المخالفات التي تمّت في كثير من الأقلام " تحدث المستدعي عن مخالفات جوهرية وقعت في عدد من أقلام الاقتراع في قضاء كسروان، وفي قضاء جبيل من شأنها المساس بسلامة العملية الانتخابية وصدقيتها، وبصحة نتائجها، وتعطيل حق المجلس في الرقابة عليها، وطلب الغاء نتائج هذه الأقلام بالنسبة له وللمطعون بصحة انتخابه السيد فارس بويز. وأهم ما ذكره من هذه المخالفات ما يلي:
1-عدم تحرير نسختين عن محضر الانتخاب وأوراق الفرز، وعدم توقيعها من جميع أعضاء هيئة القلم.
2-اختلاف توقيع بعض الأعضاء بين مستند وآخر، وبين صفحة وأخرى، من المستند الواحد.
3-التوقيع على جميع المحاضر بخط واحد لجميع الأعضاء.
4-النقص في توقيع بعض المحاضر وأوراق الفرز.
5-عدم استعمال آلة العرض في فرز الأصوات.
6-عدم وضع بيان بمفردات ومحتويات بعض الملفات.
7-وصول أحد الملفات الى لجنة القيد مفضوض الختم والشمع.
8-التناقض في عدد الأصوات بين مستندات القلم الواحد.
9-عدم ضمّ بعض الأوراق الباطلة الى ملف الانتخاب.
10-عدم ضمّ لوائح فرز الأصوات وتحقيقها الى ملف الانتخاب.
11-الخطأ في احتساب الأصوات.
4- صلاحية المجلس الدستوري للبت بهذه المراجعة
ان الأحكام القانونية التي ترعى المجلس الدستوري، ولا سيما ما ورد منها في قانون انشائه المعدّل بالقانون رقم 150 تاريخ 30\10\1999 قد أعطت المجلس الدستوري صلاحية الفصل في صحة نيابة نائب منتخب، والنظر في النزاعات والطعون الناشئة عن انتخابات أعضاء مجلس النواب.
وبمقتضى هذه الأحكام، يملك المجلس الدستوري أوسع الصلاحيات لمراجعة احتساب مجموع الأصوات، وللتحقق من سلامة ونزاهة العملية الانتخابية. وقد مارس المجلس صلاحياته هذه في العديد من الطعون التي قدمت اليه أثر انتخابات سنة 1996.
وبما ان المخالفات الخطيرة والعديدة المرتكبة في الانتخابات المطعون فيها، قد أثرت على نتيجة هذه الانتخابات، وبما ان هذه المخالفات، مضافاً اليها الفارق الضئيل في عدد الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بصحة انتخابه، توجب ابطال العملية الانتخابية بالنسبة لهذا الأخير، وإعلان فوز الطاعن، فقد طلب الطاعن قبول طعنه شكلاً، وفي الأساس مراجعة احتساب الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بصحة انتخابه، من خلال الكشف على جميع محاضر الانتخاب، ومختلف المستندات والوثائق المتعلّقة بالعملية الانتخابية، وتصحيح النتيجة عند الاقتضاء، وبالتالي اعلان عدم صحة انتخاب المطعون بصحة انتخابه السيد فارس بويز، وإعلان فوز الطاعن السيد كميل زياده في الانتخابات النيابية عن أحد المقاعد المخصّصة للطائفة المارونية في قضاء كسروان ضمن دائرة جبل لبنان الأولى.
وتبيّن ان المطعون بصحة انتخابه السيد فارس بويز، قد أجاب على هذا الطعن بواسطة وكيله بلائحة سجّلت في قلم المجلس الدستوري بتاريخ 11\10\2000، طلب بنتيجتها ردّ الطعن بصورة أصلية، لأنه لم يرفق بأي مستند مثبت لصحة ما جاء فيه، وفقاً لنص المادة 25 من قانون انشاء المجلس الدستوري المعدّل بالقانون رقم 150 تاريخ 30\10\1999، اذ ان المستندات المقدمة مع استدعاء الطعن، هي عبارة عن خبر صحفي لا يمكن الركون اليه لاثبات ما جاء فيه، وبعض الافادات الصادرة عن بعض المندوبين، بعد أسابيع من يوم الانتخاب، والتي لا يمكن الاستناد اليها، لافتقارها الى الفورية والعفوية، ولأنه لم يتبيّن ان المندوبين أصحاب هذه الافادات قد دونوا أي احتجاج او اعتراض في محاضر الاعمال الانتخابية على ما ادعوا مشاهدته من أعمال مخالفة للقانون.
يضاف الى ذلك ان النصوص القانونية التي تولي العضو المقرّر والمجلس الدستوري صلاحيات واسعة في التحقيق لا تعفي الطاعن من واجب اثبات طعونه عن طريق تقديم البيّنة او بداية البيّنة على الأقل، على صحة تلك الطعون. ولا يكفي في مجال هذا الاثبات، ان يتقدّم الطاعن من المجلس بطلب التحقيق في ادعاءاته، لانه في ذلك اخلالاً بالقاعدة العامة التي تلقي على عاتق المدعي اثبات ما يدعيه، وتشجيعاً لأي مرشح خاسر على التقدم بطعون انتخابية لا تقترن بأي اثبات، معتمداً في ذلك على ما يمكن ان يقوم به القاضي الدستوري من مبادرات وتحقيقات.
وبالإضافة الى طلب ردّ الطعن بصورة اصلية للأسباب التي تقدم ذكرها، طلب المطعون بصحة انتخابه السيد بويز، ردّ الطعن بصورة استطرادية للأسباب الآتية:
1-لأن المخالفات التي يمكن ان تؤدي الى ابطال نيابة نائب منتخب- على ما استقر عليه اجتهاد المجلس الدستوري، واجتهاد مجلس شورى الدولة باعتباره قاضياً انتخابياً ناظراً بالطعون البلدية- يجب ان تكون قد أثّرت تأثيراً حاسماً في صحة الانتخاب، بحيث تكون هناك صلة سببية مباشرة بين المخالفة وفوز المطعون في صحة انتخابه.
2-لأن المخالفات المدعى بها تتعلّق بقانونية العملية الانتخابية ولا تطال صدقيتها، وهي على فرض حصولها، لم يكن لها أي تأثير على نتيجة الاقتراع، لا سيما ما يتعلق منها بالنواقص في بعض محاضر الانتخابات وتنظيمها خلافاً للقانون، او تنظيم أوراق الفرز على نسخة واحدة، وعدم توقيعها وفقاً للأصول، أو بغير ذلك من المخالفات القانونية التي أثارها الطاعن، والتي لا تتناول صحة قيود المحضر، ولا سلامة الاعمال الانتخابية المثبتة نتيجتها في المحضر.
3-لأن المخالفات التي ادعى الطاعن انها حصلت في بلدة حراجل غير صحيحة. فاستمرار العملية الانتخابية الى ما بعد السادسة مساء، كان موافقاً لأحكام القانون الذي يمنع اختتام اعمال الانتخاب قبل اقتراع جميع الناخبين الموجودين في باحة أقلام الاقتراع، المتمثلة في حراجل بملعب المدرسة.
أما فتح أحد صناديق الاقتراع، ثم اقفاله ومعاودة الاقتراع، بسبب البلبلة التي حصلت عند أحد الأقلام، فلم يكن له أي تأثير على نتيجة الاقتراع، وكذلك الأمر بالنسبة لسائر الإشكالات التي تحدث عنها الطاعن والتي على فرض حصولها، لم يكن لها تأثير على نتيجة الاقتراع، ولم تكن السبب المباشر لفوز المطعون بصحة انتخابه، او العامل الحاسم لنجاحه في الانتخابات.
4-ان الفارق الضئيل في الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بصحة انتخابه، والذي بلغ 298 صوتاً، لا يبرر ابطال الانتخابات لمجرّد حصول بعض المخالفات، لأنه بالإضافة الى الأسباب المدلى بها آنفاً، فان عوامل محلية كثيرة قد اجتمعت في المنطقة الانتخابية وأدّت الى حصول فروقات قليلة في الأصوات بين مختلف المرشحين، كتعدّد اللوائح المتنافسة، والاقبال الكبير على الاشتراك في الانتخابات. وقد حصل مثل هذا الفارق الضئيل مع المستدعي بالذات في انتخابات سنة 1996، حيث فاز بفارق بلغ \156\صوتاً، ومع ذلك، فان المرشّح الخاسر في حينه، الذي طعن بتلك النتيجة، قد خسر دعواه، لعدم ثبوت أي تأثير للمخالفات التي ادعاها، على نتيجة الاقتراع.
وتبيّن ان العضوين المقررين قد حققا في كل المخالفات المدعى بها من قبل الطاعن، فأعادا جمع الأصوات في جميع أقلام الاقتراع في دائرة جبل لبنان الأولى، واطلعا على الأوراق العائدة للأقلام التي ادعى بوقوع المخالفات فيها، واستمعا الى العديد من رؤساء تلك الأقلام وكتبتها، والى قائد القوة الأمنية في حراجل وبعض مساعديه، والى عناصر القوة الأمنية في قلم قهمز، وقاما بالتدقيق في كل الوقائع والحوادث المدلى بها، للتأكد من علاقتها بنتيجة الاقتراع، ومن تأثيرها فيها، على النحو المدعى به.
بنـاءً عـى مـــا تقـــدّم
أولاً – في الشــــكل
بما ان الانتخابات في دائرة جبل لبنان الأولى (جبيل-كسروان) قد جرت بتاريخ 27\8\2000 وأعلنت نتائجها الرسمية في 28\8\2000.
وبما ان هذه المراجعة وردت وسجّلت في قلم المجلس الدستوري بتاريخ 26\9\2000، أي ضمن المهلة المحددة في المادة 24 من قانون انشاء المجلس الدستوري، وقد استوفت جميع الشروط المنصوص عليها في المادة 25 من القانون المذكور، فيقتضي قبولها شكلاً.
ثانياً – في الأســاس
بما ان الطاعن يطلب ابطال نيابة النائب المنتخب السيد فارس بويز، ومن ثم تصحيح نتيجة الانتخابات، وإعلان فوزه فيها، وذلك بسبب المخالفات العديدة التي شابت العملية الانتخابية والتي تمثّلت فيما يلي:
1-مخالفة أحكام قانون الانتخابات النيابية رقم 171 تاريخ 6\1\2000 وخاصة أحكام المواد 41 و53 و 54 و57 و58 التي توجب تنظيم (جميع المستندات على نسختين) محاضر الانتخاب وأوراق الفرز على نسختين، ووضعها مع قوائم الشطب التي وقّع عليها الناخبون في مغلف مختوم بالشمع الأحمر، بعد توقيعها من رئيس القلم والكاتب وسائر أعضاء هيئة قلم الاقتراع، والصاق نتائج الفرز على باب القلم. فمن مراجعة عدد كبير من وثائق أقلام الاقتراع يتبيّن ان المستندات المذكورة لم تنظم على نسختين، ولم توقع من جميع أعضاء هيئة القلم وانه يوجد تباين في التواقيع بين مستند وآخر، كما توجد تواقيع على جميع المحاضر بخط واحد لجميع الأعضاء.
2-يوجد خطأ في احتساب الأصوات التي نالها المستدعي في بعض أقلام الاقتراع. من ذلك مثلاً انه جاء في أحد محضري قلم كفرياسين انه نال 51 صوتاً، بينما جاء في المحضر الثاني، انه نال 61 صوتاً، وانه ورد في الجدول العام للنتيجة الانتخابية ان الطاعن لم ينل أي صوت في كل من قلمي "فرات رقم 124" "والعاقورة رقم 39"، فيما تبين بعد التدقيق الذي قامت به لجنة القيد الأولى برئاسة القاضية لينا سركيس، بأنه نال في قلم فرات 13 صوتاً، وفي قلم العاقورة 81 صوتاً.
3-تأخر رئيس قلم بلدة قهمز في إيصال الملف الذي يحتوي على المستندات الرسمية ونتائج الاقتراع في القلم المذكور، الى لجنة القيد الأولى في سراي جبيل، حتى الساعة العاشرة وعشر دقائق من صباح اليوم التالي ليوم الانتخاب، وتعارض أقواله حول ساعة انتهاء اعمال الاقتراع وأعمال الفرز، وحول عدد المقترعين-في معرض تبريره لهذا التأخير- مع البيانات الواردة في محضر الانتخاب، وعدم توقيعه لورقة الفرز، مخالفاً بذلك احكام المادة 54 من قانون الانتخاب. وهذه المخالفات –كما يقول المستدعي- تعكس مدى سوء إدارة العملية الانتخابية في قهمز، وتستدعي ابطال النتيجة العائدة لقلم البلدة المذكورة.
4-استمرار عمليات الاقتراع في الأقلام الثمانية العائدة لبلدة حراجل الى ما بعد الساعة السادسة مساء بدون أي مبرر قانوني، والسماح بالاقتراع لناخبين كانوا خارج باحة كل قلم من أقلام الاقتراع عند الساعة السادسة المحددة لانتهاء عمليات الاقتراع وإقدام رئيس احد هذه الأقلام –بعد ان ختم اعمال الاقتراع في الوقت المحدد لذلك- على فتح صندوق الاقتراع والبدء بفرز الأصوات، ثم اقفال الصندوق مجدداً، واستئناف عملية الاقتراع من جديد، بعد ان نقل اليه الضابط المسؤول عن الامن، قرار قائمقام كسروان، القاضي بمتابعة اعمال الاقتراع حتى يتمكن كل الموجودين في الباحة من الادلاء بأصواتهم.
5-وصول ملف قلم الاقتراع في داريا الى لجنة القيد مفضوض الختم والشمع.
6-عدم استعمال آلة العرض عند فرز أصوات أحد أقلام بلدة لاسا.
وبما ان المقررين، بالنظر الى الفارق الضئيل في الأصوات بين الطاعن والمطعون بصحة نيابته، والى تعدّد وخطورة بعض المخالفات المدعى بها، وما يمكن ان يكون لها-في ضوء الفارق المشار اليه- من تأثير على النتيجة النهائية للعملية الانتخابية، وبما لهما من سلطة واسعة في التحقيق، قاما بمراجعة الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بصحة نيابته، في دائرة جبيل-كسروان، الانتخابية بمجملها، واطّلعا على محاضر الانتخاب، وأوراق الفرز، ومختلف المستندات والوثائق العائدة لعمليات الاقتراع، واستمعا الى رؤساء وكتبة الأقلام في حراجل وقهمز، والى عناصر القوى الأمنية التابعة لهذه الأقلام، حول المخالفات المدعى بها، وقام أحدهما بالكشف على مدرسة حراجل، وخلصا بعد التدقيق الى النتائج الآتية:
أ- في مراجعة احتساب الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بصحة نيابته
لقد ثبت وقوع بعض الأخطاء في احتساب الأصوات التي نالها الطاعن والمطعون بصحة نيابته، في بعض أقلام: حاقل وبلونة وعشقوت ويحشوش وعين الدلبة، الا ان هذه الأخطاء كانت بالنتيجة في صالح الطاعن الذي سجّل له 32 صوتاً زيادة على الأصوات التي نالها فعلاً. مما يوجب التشكيك الذي يشيعه حول صحة النتيجة، لانتفاء سببه.
ب- في تأخر وصول الأوراق العائدة الى قلم الاقتراع في بلدة قهمز الى لجنة القيد
في جبيل:
لقد ثبت بنتيجة التحقيق ان وصول الظرف المشتمل على المستندات العائدة لقلم الاقتراع في بلدة قهمز الى لجنة القيد في سرايا جبيل بعد الساعة العاشرة من صباح اليوم التالي ليوم الانتخاب، ناتج عن التأخر في اعمال الاقتراع، ثم في اعمال الفرز، وأخيراً عن عطل على سيارة رئيس القلم بعيد خروجه من القلم، واضطراره بسبب ذلك الى الاستعانة بسيارة عسكرية حضرت من مخفر قرطبة لنقلهم الى سراي جبيل، وقد عرجت في طريقها الى جبيل على المخفر المذكور لدواعٍ وظيفية. ولم يتبيّن وجود أي غش او سوء نية وراء هذا التأخير، كما لم يتبيّن انه أدى بصورة أو بأخرى الى المساس بسلامة الأوراق الانتخابية أو بالنتائج التي انطوت عليها، مما يوجب رد ما يثيره الطاعن وما يستخلصه من هذه الواقعة.
ج-فيما يتعلّق بقلم الاقتراع رقم 35 العاقورة
لقد ثبت بنتيجة التحقيق ان لوائح الشطب العائدة الى قلم الاقتراع رقم 35 العاقورة، موجودة، وكانت بين الأوراق العائدة الى هذا القلم، ولكنها، وبنتيجة خطأ اداري، سقطت من بين تلك الأوراق في وزارة الداخلية، ثم أعيدت اليها، وقد اطلع عليها المقرران ودققا فيها، وتبيّن انها سالمة من أي تحريف أو تحوير، وهذا يفضي الى ردّ ما يدلي به الطاعن حول هذه المسألة لعدم صحته.
د-فيما يتعلّق بأقلام الاقتراع في حراجل
كان في حراجل ثمانية أقلام، وكانت هذه الأقلام موزعة على طبقات مبنى المدرسة الرسمية للبلدة، ابتداء من الطابق الأرضي. وكانت الغرف المخصّصة لهذه الأقلام تفتح على ممرات خاصة، ولكل طبقة ممر. ويلحق بالمبنى ملعب، وهما مسوران بحائط يحيط بهما من كل جانب، ولهما مدخلان: أحدهما رئيسي والثاني جانبي. وقد فتح الباب الرئيسي أمام المقترعين طوال الوقت، وأقفل الباب الجانبي. ولم يفتح الا بعد انتهاء عمليات الاقتراع لتسهيل خروج المقترعين الذين تزاحموا على الاقتراع ما بين الرابعة والخامسة بعد الظهر.
وخلافاً لما ادعاه الطاعن لم يدخل الى الملعب من هذا الباب ولا من الباب الرئيسي، أي ناخب بعد الساعة السادسة، ولم تسجل أي شكوى بهذا الخصوص، لا في أقلام الاقتراع، ولا لدى السلطة الأمنية المكلفة بضبط الامن في أقلام الاقتراع ومحيطها. اما استمرار عمليات الاقتراع في معظم هذه الأقلام الى ما بعد الساعة السادسة، فناتج عن تواجد المقترعين في باحات تلك الأقلام في الوقت المذكور، وتأهبهم للاقتراع، باستثناء قلم واحد هو القلم 192 الموجود في احدى الطبقات العليا من المبنى، والذي خلت باحته من المقترعين منذ ما قبل الساعة السادسة بقليل، ولم يطرق بابه أي ناخب رغم تريث رئيس القلم في فتح صندوق الاقتراع حتى الساعة السادسة والعشر دقائق.
وهذا ما حمل رئيس القلم على اعتبار اعمال الاقتراع منتهية، والمباشرة بفتح الصندوق وعد المظاريف الموجودة بداخله. وظهر ان بعض المقترعين التابعين لهذا القلم كانوا في ملعب المدرسة في ذلك الوقت، ويتريثون في التوجّه الى القلم للاقتراع، وقد لاحظ الضابط رئيس القوة الأمنية التابعة للأقلام هذا الأمر فاتصل بقائمقام كسروان، الذي كلفه بإبلاغ رئيس القلم قراره بتمكين هؤلاء الناخبين من الاقتراع وقد نقل الضابط هذا القرار الى رئيس القلم، ووصله بواسطة هاتفه الخليوي، بالقائمقام الذي كرّر له قراره بتمكين المقترعين الموجودين في الملعب من الاقتراع، معتبراً ان الملعب باحة للقلم. وامام هذا الإصرار من القائمقام، انصاع رئيس القلم للأمر، فأقفل الصندوق من جديد، وفتح باب الاقتراع أمام أولئك الناخبين المتخلفين عن الحضور في الوقت المحدّد، وكان عددهم في حدود الخمسة عشر ناخباً، وكانت تلك هي المخالفة الوحيدة التي شابت عملية الاقتراع في أقلام حراجل الثمانية –خلافاً لكل ما ادعاه مستدعي الطعن –والتي يبني عليها بطلان الاقتراع في هذا القلم بالنظر لخطورتها.
ه-في سائر المخالفات الإدارية وتأثيرها على نتيجة الاقتراع
لقد ثبت بنتيجة التحقيق والتدقيق في أوراق الأقلام الانتخابية المعترض عليها، وجود بعض المخالفات الإدارية في تنظيم المحاضر إن لجهة عدم استكمال بياناتها، أو لجهة النقص في توقيعها، او لجهة تنظيمها على نسختين، كما ثبت وصول الظرف العائد الى احد الأقلام الى لجنة القيد مفضوض الختم والشمع.
الا ان هذه المخالفات-كما تبيّن بعد التدقيق- ليست من المخالفات الجوهرية التي تمسّ بصدقية العملية الانتخابية، او تؤثر في نتيجتها، ولا هي من المخالفات التي تعطل سلطة المجلس الدستوري في الرقابة، وتحول بينه وبين التثبّت من سلامة الانتخابات وصحة نتائجها، خاصة مع وجود سائر المستندات والوثائق التي يمكن الرجوع اليها، والمقابلة بينها وبين المستندات المشوبة بنقص، التحقق من سلامة العملية الانتخابية، وصحة نتيجتها، من مثل لوائح الشطب وأوراق الفرز، لا سيما مع غياب أي اعتراض مسجل من قبل المدعي او من قبل أي واحد من مندوبيه، إن في أقلام الاقتراع او لدى لجان القيد، على أي مخالفة من المخالفات المدعى بها، وبخاصة بشأن الظرف العائد لقلم داريا الذي وصل الى لجنة القيد مفضوضاً، دون ان يتبيّن وجود أي مساس بمحتوياته.
فـي النتيـــجة
بما أنه تبيّن بنتيجة التحقيق المبيّنة أعلاه، ان تصحيح الخطأ في احتساب الأصوات التي نالها كل من الطاعن والمطعون بصحة نيابته في بعض الأقلام التي تقدم ذكرها، من شأنه ان يزيد الفارق في الأصوات بين الطرفين على نحو يؤكد صحة النتيجة المطعون فيها، وانه ليس بين المخالفات المدعى بها، سوى مخالفة واحدة يمكن البناء عليها لابطال النتيجة المتصلة بها، هي المخالفة الواقعة في القلم رقم 192 حراجل، والمتمثلة بفتح صندوق الاقتراع والمباشرة بعدّ مظاريفه، ثم اقفاله مجدداً واستئناف عملية الاقتراع. اذ ان هذه المخالفة وإن استندت الى طلب من ممثل السلطة الإجرائية الا انها تمثل مخالفة جوهرية لنظام الاقتراع والفرز، ومساساً بصدقية عملية الاقتراع الحاصل في القلم، مما يؤدي الى ابطال نتيجة قلم الاقتراع هذا، واسقاط ما ناله كل من الطاعن والمطعون بصحة نيابته، منه، من أصل الأصوات التي حصلا عليها في مجمل الدائرة الانتخابية.
وبما ان ما ناله السيد زياده في هذا القلم هو 29 صوتاً مقابل 118 صوتاً نالها السيد بويز.
وبما ان الفارق في الأصوات بينهما في الأصل هو 298 صوتاً لصالح السيد بويز.
وبما ان هذه النتيجة لن تتغير بابطال نتيجة القلم رقم 192 حراجل، اذ سيظل النائب بويز متقدماً على السيد زياده بمايتين وتسعة أصوات، او بمايتين وواحد وأربعين صوتاً، اذا جرى التصحيح في احتساب مجموع الأصوات الذي طلبه السيد زياده، وحسم منه الـ32 صوتاً التي نالها خطأ.
لـهذه الأســــباب
وبعد المداولـــة
يقـرّر المجلس الدستوري:
أولاً- في الشــــكل
قبول طلب الطعن لوروده ضمن المهلة، مستوفياً جميع الشروط القانونية.
ثانياً- في الأسـاس
1-ردّ طلب الطعن المقدّم من السيد كميل زياده المرشّح الخاسر عن احد المقاعد الخمسة المخصّصة للطائفة المارونية في قضاء كسروان ضمن دائرة جبل لبنان الأولى الانتخابية (جبيل-كسروان) في دورة العام 2000 لانتخابات مجلس النواب.
2-ابلاغ هذا القرار الى رئيس مجلس النواب ووزارة الداخلية وأصحاب العلاقة.
3-نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.
قراراً صدر في 8 من شهر كانون الأول 2000.