من كتاب "المجلس الدستوري في القانون والاجتهاد"، إعداد بول مرقص وميراي نجم شكرالله

حدّدت المادة 19 من الدستور ومن بعدها المادة الأولى من قانون إنشاء المجلس الدستوري والمادة الأولى من نظامه الداخلي مهمات هذا المجلس كالتالي: مراقبة دستورية القوانين وسائر النصوص التي لها قوة القانون، والبت في النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات. وهذه الصلاحيات حصرية حيث أنه لا يجوز للمجلس أن يتصدى لأي مسألة خارجة عن هذه الحصرية المحددة في النص الدستوري وفي النظام الداخلي للمجلس الدستوري.


النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية

قضت المادة 19 من الدستور بإعطاء المجلس الدستوري صلاحية البت في النزاعات والطعون الناشئة عن الإنتخابات الرئاسية والنيابية. ونصت المادة 23 من قانون إنشاء المجلس الدستوري على أن "يتولى المجلس الدستوري الفصل في صحة انتخابات رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب والبت في الطعون والنزاعات الناشئة عنها". يقدم استدعاء الطعن من ثلث الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب قانوناً على الأقل، ويجب أن يكون استدعاء الطعن موقعاً منهم شخصياً. تقدم المراجعة إلى رئاسة المجلس الدستوري خلال مهلة 24 ساعة تلي إعلان النتائج، تحت طائلة ردها شكلاً. يصدر القرار بمهلة أقصاها 3 أيام من تاريخ ورود المراجعة، وقد اعتمدت الاصول السريعة للمراجعة، لإصدار قرار المجلس الدستوري قبل أن يباشر رئيس الجمهورية او رئيس مجلس النواب مهامه الدستورية. يتخذ القرار بأكثرية سبعة أعضاء على الأقل في الدورة الأولى وفي حال تعذر هذه الأكثرية يكتفى بالأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس. يبقى مجلس النواب منعقدا ً كهيئة انتخابية لحين صدور قرار المجلس الدستوري. وفي حال إبطال الانتخاب يعتبر وكأنه لم يكن. لم يرد حتى تاريخه أي طعن بالانتخابات الرئاسية أمام المجلس الدستوري. ولكن من الممكن أن تثار مسألتين أساسيتين أمام المجلس الدستوري في هذا المجال: توافر الشروط التي يفرضها الدستور بمادته 49 في رئيس الجمهورية المنتخب، نظامية العملية الانتخابية (ويشمل ذلك تاريخ الانتخاب والدعوة الى الإنتخاب وفرز الأصوات ونزاهة الانتخاب ومسألتي النصاب والأكثرية).

النزاعات والطعون الناشئة عن الانتخابات النيابية

نظم قانون إنشاء المجلس ونظامه الداخلي الأصول والاجراءات والقواعد التي ترعى عمل المجلس الدستوري في الطعون الانتخابية النيابية. بمقتضى المادة 24 من قانون إنشاء المجلس الدستوري، معطوفة على المادة 46 من نظامه الداخلي، يوجه الطعن بصحة نيابة نائب منتخب الى رئاسة المجلس الدستوري بموجب طلب يسجل في قلم المجلس وفقا ً للمادة 25 من قانون انشائه. وقد حصر المشترع حق الطعن بالمرشح الخاسر شرط ان يكون من الدائرة الانتخابية عينها ومرشحا عن المقعد النيابي نفسه (أي عن مقعد الطائفة نفسها في حال وجود أكثر من مقعد واحد لطائفة ما في الدائرة). على المرشح الخاسر ان يقدم الطعن الى رئاسة المجلس الدستوري في مهلة أقصاها 30 يوما ًتلي تاريخ إعلان نتائج الإنتخاب أصولا في دائرة المرشح الخاسر تحت طائلة ردّ الطلب شكلا. ولا يقبل المجلس الدستوري المذكرات التوضيحية أو تبادل اللوائح كما هي الحال أمام المحاكم. فالمجلس الدستوري يبلغ المطعون بنيابته بالمراجعة، وعليه أن يرد على هذه المراجعة في مهلة أقصاها 15 يوماً ومن ثم يباشر المقرر بإجراء التحقيقات اللازمة لوضع تقريره في الطعن ورفعه إلى رئيس المجلس الدستوري.

لقد رسم المجلس الدستوري من خلال قرارات عديدة واجتهاد مستمر أطر الصلاحيات المناطة به في الطعون الانتخابية. وقد حددها في الرقابة على صحة وصدقية الانتخاب، الى جانب النظر في أهلية المرشح للنيابة والشروط القانونية الواجب توافرها في المرشح. وقد اعتمد بشكل عام مبدأ الحصرية لصلاحية المجلس الدستوري. فحصر اختصاصه بالنزاع القائم بين المرشح الخاسر ومنافسه النائب الفائز المطعون في صحة انتخابه. وأكّد على خصوصية المراجعة وثنائيتها بين الطاعن والمطعون في صحة نيابته، وعدم النظر في صحة العملية الانتخابية برمّتها بل حصر النتيجة بين افرقاء النزاع دون سواهم. بالتالي، فان ابطال نيابة ما بنتيجة الطعن المقدم من المنافس الخاسر لا يمتد بمفاعيله الى ابطال انتخاب نائب آخر حتى ولو كان هذا الانتخاب مشوباً بالمخالفات عينها.

لذا اعتبر المجلس انّه يقتضي التركيز على خصوصية كل قضية وظروفها وليس الحكم على العملية الانتخابية برمّتها. فالدعوى الانتخابية لا تهدف الى النظر في المخالفات التي طالت العملية الانتخابية بحدّ ذاتها، بل تقتصر على النظر في صحة وصدقية الانتخاب المطعون به. كما أقرّ المجلس الدستوري من خلال اجتهادات عديدة مبدأ عدم اختصاصه للنظر في الاعمال التمهيدية للانتخابات، الا في حال كانت الاخطاء والمخالفات المشكو منها مقصودة بنتيجة أعمال تزوير او غش ومن شأنها التأثير على نزاهة الانتخابات. وحصر المجلس الدستوري صلاحيته بالنظر في الاسباب القانونية المقدّمة من الطاعن دون سواها باستثناء الاسباب المتعلقة بالانتظام العام. كما أعلن المجلس عن عدم اختصاصه، كقاضي انتخاب، للنظر في دستورية القانون الانتخابي في معرض البت في صحة نيابة ما.