قرار رقم 2\2012



القرار رقم 2\2012

تاريخ 17\12\2012

طلب ابطال القانون رقم 244\2012 الصادر بتاريخ 13\11\2012:

ترقية مفتشين في المديرية العامة للامن العام

المواد المسند اليها القرار

 

مقدّمة الدستور مواده 7 و8 و9 و10 و12 و13 و14 و15

 

رقم المراجعة: 1\2012

المستدعي: رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان.

القانون المطلوب إبطاله: القانون رقم 244\2012 الصادر بتاريخ 13\11\2012.

          إن المجلس الدستوري

          الملتئم في مقره فيتاريخ17\12\2012 برئاسة رئيسهعصام سليمان وحضور نائب الرئيس طارق زياده والأعضاء: أحمد تقي الدين، أنطوان مسره، أنطوان خير، زغلول عطيه، توفيق سوبره، سهيل عبد الصمد، صلاح مخيبر ومحمد بسّام مرتضى.

          وعملاً بالمادة 19 من الدستور،

          وبعد الاطلاع على ملف المراجعة وسائر المستندات المرفقة بها، وعلى تقرير العضو المقرر، المؤرخ في 11\12\2012،

          وبما ان رئيس الجمهورية تقدّم بمراجعة، سجلت في قلم المجلس في تاريخ 29\11\2012 تحت الرقم 1\2012، يطلب فيها إبطال القانون رقم 244\2012 الصادر في تاريخ 13\11\2012 والمنشور في العدد 48 من الجريدة الرسمية الصادر في تاريخ 15\11\2012، المتعلق بترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق الى رتبة ملازم أول.

          وبما ان المستدعي يدلي بأن القانون، موضوع المراجعة، مستوجب الإبطال للأسباب الآتية:

1-  مخالفة مبدأ الفصل بين السلطتين الإشتراعية والإجرائية، وقد نصّت عليه مقدمة الدستور في الفقرة هـ اذ جاء فيها «النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها»، كما نصّت عليه المادتان 16 و17 من الدستور، فقد أناطت المادة 16 السلطة المشترعة بمجلس النواب، بينما أناطت المادة 17 السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء. والقانون المطعون بدستوريته خالف المادة 65 من الدستور التي تناولت صلاحيات مجلس الوزراء ومن ضمنها تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول إستقالتهم وفق القانون.

ويبيّن المستدعي، من هذه النصوص ومن المبادئ الدستورية العامة، ان مجلس النواب هو السلطة المشترعة التي تختص بوضع القواعد القانونية العامة، والتي لا يمكن ان تستهدف أشخاصاً محددين سلفاً، ويعود للسلطة التنفيذية تطبيق هذه القواعد القانونية العامة على جميع من تتوافر فيهم شروط تطبيقها. ومن هذه القواعد تلك المتعلقة بالوظيفة العامة والتي تحكم تعيين الموظفين وحياتهم الوظيفية، بما في ذلك الترقية، وانتهاء خدماتهم.

إن القانون المطعون فيه، بمعالجة ترقية موظفين محددين، وتقرير هذه الترقية يكون قد خالف النصوص والمبادئ الدستورية المذكورة أعلاه.

2- مخالفة مبدأ المساواة التي نصت عليه الفقرة ج من مقدمة الدستور وجاء فيها أن «لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحريات العامة...وعلى العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل».

إن المباراة التي أعلنتها وأجرتها الحكومة عام 2002 قد تقدّم اليها مرشحون مدنييون وعسكريون من عدة أجهزة عسكرية.

إن القانون المطعون بدستوريته، بتخصيصه بالترقية فقط العسكريين التابعين للمديرية العامة للأمن العام دون سائر العسكريين والمدنيين الناجحين في المباراة المذكورة، يكون قد خالف مبدأ المساواة المنصوص عنه في الفقرة ج من مقدمة الدستور.

3- مخالفة الفصل بين السلطتين الإشتراعية والقضائية، فبعد ان نصّت مقدمة الدستور على مبدأ الفصل بين السلطات جاءت المادة 20 من الدستور لتنص على ان «السلطة القضائية تتولاها المحاكم...».

إن المباراة التي اعتمدت في القانون المطعون بدستوريته، لترقية المفتشين في الأمن العام، مطعون في صحتها ونتائجها أمام مجلس شورى الدولة الذي لم يبت بعد في المراجعة. وان القانون المطعون بدستوريته يستبق نتيجة المراجعة القضائية ويعطل مفاعيلها، الأمر الذي يجعله مخالفاً لمبدأ الفصل بين السلطات.

بناءً على ما تقـدّم

أولاً- في الشـكل:

بما ان القانون المطعون في دستوريته صدر في تاريخ 13\11\2012 ونشر في العدد 48 من الجريدة الرسمية الصادر في تاريخ 15\11\2012،

وبما ان إستدعاء الطعن قدّم في 29\11\2012 ويحمل توقيع مقدم الطعن رئيس الجمهورية،

وبما ان الطعن يكون وارداً ضمن المهلة القانونية مستوفياً شروطه الشكلية عملاً  بالمادة 19 من الدستور معطوفة عليها المادة 19 من القانون رقم 250\1993 وتعديلاته، فهو مقبول شكلاً.

ثانياً- في الأسـاس:

1- في مخالفة مبدأ الفصل بين السلطتين الإشتراعية والإجرائية.

بما ان القانون المطعون في دستوريته ينص في مادته الأولى على ما يأتي:

«بصورة إستثنائية يرقى المفتشون من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق الذين حازوا على معدّل خمسين علامة وما فوق من مئة في المباراة التي أعلنت نتائجها بتاريخ 8\11\2002 ولم تتم ترقيتهم، تتولى السلطة المختصة وضع هذا القانون موضع التنفيذ وإصدار مراسيم منح قدم ووضع على جدول الترقية واجراء الترقية الى رتبة ملازم أول».

          وبما ان الدستور نص في مقدمته على أن النظام قائم على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها،

          وبما ان الفصل بين السلطات ركن أساسي في الأنظمة الديمقراطية، وضمانة من الضمانات الدستورية للحقوق والحريات،

          وبما أن الدستور نص في مقدمته على ان لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، وضمن الحقوق والحريات من خلال الالتزام بالإعلان العالمي لحقوق الانسان، والتأكيد على ان الدولة تجسّد مبادئ هذا الاعلان في جميع الحقول والمجالات دون استثناء. كما ضمن الدستور الحقوق والحريات في العديد من مواده ومنها المواد 7 و8 و9 و10 و12 و13 و14 و15، وأفرد لهذه المواد فصلاً خاصاً هو الفصل الثاني وعنوانه في اللبنانيين وحقوقهم وواجباتهم،

          وبما أن الدستور حدد مهام كل سلطة من السلطات الثلاث، فأناط السلطة الإشتراعية بمجلس النواب والسلطة الإجرائية بمجلس الوزراء، والسلطة القضائية بالمحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها،

          وبما ان التوازن بين السلطات يعني إلتزام كل سلطة حدود صلاحياتها وعدم طغيان أية سلطة على سلطة أخرى،

          وبما ان التعاون بين السلطات يعني تسهيل كل سلطة عمل السلطة الأخرى، وعدم عرقلة عملها، وذلك من أجل انتظام عمل السلطات وتفعيل دورها خدمة للصالح العام،

          وبما ان التعاون بين السلطات لا يعني إندماج السلطات ويجب ان يقف عند حدود الفصل في ما بينها،

          وبما أن التعاون بين السلطات لا يجوز أن يؤدي الى حلول سلطة مكان السلطة الأخرى وممارسة صلاحياتها جزئياً أو كلياً،

          وبما ان الدستور حدد في المادة 65 صلاحيات مجلس الوزراء ومن بينها تعيين موظفي الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم وفق القانون،

          وبما أن صلاحية تعيين الموظفين في الدولة وصرفهم وقبول استقالتهم تتضمّن أيضاً صلاحية ترقيتهم وفق القانون،

          وبما ان لمجلس النواب صلاحية مراقبة الحكومة ومحاسبتها، وليس له بالتالي ان يحل محلها في ممارسة صلاحياتها،

          وبما ان ترقية المفتشين، من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق، الفائزين بمباراة جرت في العام 2002، الى رتبة ملازم أول، بقانون، هو إجراء تجاوزت فيه السلطة الاشتراعية حدود صلاحياتها، وقامت بممارسة صلاحية تدخل حصراً في صلاحيات السلطة الإجرائية، متجاوزة بذلك مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.

          لهذه الأسباب يعتبر القانون المطعون بدستوريته مخالفاً لمبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها.

2- في مخالفة مفهوم الإستثناء.

          بما أن القانون يجب ان يكون واحداً لكل المواطنين، أو واحداً لجميع المنتمين منهم الى أوضاعٍ قانونية متشابهة  ولا يجوز اعتماد قانون مفصلٍ على قياس أشخاص محدّدين،

          وبما أنه في الظروف الإستثنائية، الناجمة عن حدوث أمور غير متوقعة، تتولد شرعية إستثنائية يجوز فيها للمشترع، ضمن حدود معينة، أن يخرج عن أحكام الدستور والمبادئ الدستورية أو القواعد ذات القيمة الدستورية، وذلك حفاظاً على الانتظام العام، واستمرارية عمل المرافق العامة، وصوناً لمصالح البلاد العليا،

          وبما ان الإستثناء يتطلب ما يبرره، وينبغي أن يبقى في اطار محصور،

          وبما ان القانون المطعون في دستوريته أقر في مجلس النواب بصورة إستثنائية،

          وبما أنه ليس هناك ما يبرر الإستثناء، فليس ثمة ظروف استثنائية، واذا كان للمشترع ان يقدر وجود ظروف استثنائية تستدعي سن قوانين لا تأتلف وأحكام الدستور، في حدود المدة التي تستوجبها هذه الظروف، فإن ممارسته لهذا الحق تبقى خاضعةً لرقابة المجلس الدستوري،

          وبما ان المجلس الدستوري لم يلاحظ في الأسباب الموجبة للقانون المطعون في دستوريته وجود ظروف إستثنائية نشأت فجأة بعد مرور عشر سنوات على المباراة،

          وبما ان الإستثناء غير المبرر، بهدف ترقية مفتشين في الأمن العام لا علاقة له بالانتظام العام ولا باستمرارية مرفق العام ولا بالحفاظ على مصالح البلاد العليا، لا بل يؤدي الى خلل في التراتبية والبنية الهرمية للضباط في المديرية العامة للأمن العام،

          لذلك لم يكن ثمة مبرر لإقرار القانون رقم 244\2012، المطعون في دستوريته، بصورة إستثنائية.

3- في مخالفة مبدأ المساواة.

بما أن الدستور قد ضمن المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات دون تمييز أو تفضيل،

وبما ان المساواة لا تعني المساواة بالمطلق، انما المساواة بين المواطنين الخاضعين للوضع القانوني نفسه،

وبما ان المشترع يستطيع ان يميز في المعاملة بين المواطنين في حال توافر شرطان: وجود المواطنين في أوضاع ومراكز قانونية مختلفة، وتوافر المصلحة العامة التي تبرر عدم المساواة، على ان يبقى هذا التمييز في المعاملة متوافقاً مع غاية القانون،

وبما ان الذين تقدموا الى المباراة التي أجريت في العام 2002 لتطويع ضباط أمن عام، من مختلف الأسلاك العسكرية ومن المدنيين المتوافرة فيهم الشروط المطلوبة للمباراة، كانوا في الوضع والمركز القانوني عينهما،

وبما ان الدستور نص في المادة 12 على انه «لكل لبناني حق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون»،

وبما ان المباراة هي التي تحدد مستوى الاستحقاق والجدارة،

وبما ان مفهوم المباراة يختلف عن مفهوم الإمتحان،

وبما ان التعيين في الوظيفة العامة بنتيجة المباراة يتم في ضوء احتياجات الادارة، وفقاً لتراتبية تصنيف الناجحين في المباراة، ولا يجوز تعيين جميع الفائزين اذا ما فاضوا عن حاجة الادارة،

وبما أن التمييز بين الناجحين يكون على أساس العلامات وبالتالي على أساس الاستحقاق والجدارة تبعاً لما نص عليه الدستور،

وبما انه لا يجوز على صعيد آخر التمييز، في القانون موضوع الطعن، بين المفتشين في الأمن العام والعسكريين من الأسلاك الأخرى والمدنيين، الذين تقدموا الى المباراة نفسها وكانوا في الوضع القانوني نفسه، لأن ذلك يؤدي الى انتهاك مبدأ المساواة الذي نص عليه الدستور.

4- في مخالفة مبدأ الفصل بين السلطتين الاشتراعية والقضائية.

بما ان الدستور نص صراحة على مبدأ الفصل بين السلطات وتوازنها وتعاونها،

وبما ان الدستور نص على استقلالية السلطة القضائية،

وبما أن بعض المشاركين في المباراة التي أعلنت نتائجها بتاريخ 8\11\2012، ولم تتم ترقيتهم، تقدموا بطعن بصحة المباراة أمام مجلس شورى الدولة،

وبما أنه لا يجوز للسلطة الاشتراعية ان تستبق قرار القضاء بشأن المباراة المطعون في صحتها، ووضع قانون يستند الى هذه المباراة،

لذلك يعتبر القانون موضوع الطعن مخالفاً لمبدأ الفصل بين السلطتين الاشتراعية والقضائية.

لهذه الأسباب

وبعد المداولة

وعطفاً على قرار المجلس الدستوري رقم 1\2012 الصادر في 3\12\2012، القاضي بتعليق العمل بالقانون المطعون فيه،

يقرر المجلس الدستوري بالإجماع:

أولاً: قبول المراجعة شكلاً

ثانياً: إبطال القانون رقم 244\2012 الصادر في تاريخ 13\11\2012 والمنشور في العدد 48 من الجريدة الرسمية الصادر في تاريخ 15\11\2012 المتعلق بترقية مفتشين في المديرية العامة للأمن العام من حملة الإجازة اللبنانية في الحقوق الى رتبة ملازم أول.

ثالثاً: نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية.

قـرارا صدر في17\12\2012.