قرار رقم 1\2003



قرار رقم 1/2003

تاريخ 21/11/2003

طلب ابطال المادة السابعة من القانون رقم 549 تاريخ 20 تشرين الاول 2003: تصميم وتمويل تطوير وإعادة اعمار مصفاتي طرابلس والزهراني وتشغيلهما وبناء محطة نهائية لتصدير واستيراد الغاز الطبيعي الُمسال وبناء تجهيزات لتخزين الغاز الطبيعي وانشاء شبكات لبيعه وتوزيعه

المواد المسند اليها القرار

 

المادة 29 فقرة 2 من الاعلان العالمي لشرعة حقوق الانسان

الفقرة "ب" من مقدّمة الدستور

المواد 12 و65 فقرة (3) من الدستور

 

رقم المراجعة: 1/2003

المستدعون: النواب السادة: عبد الله قصير، اسامة سعد، غسان مخيبر، صالح الخير، نائلة معوض، بطرس حرب، فايز غصن، محمد كبّاره، محمد الصفدي، موريس فاضل.

القانون المطلوب ابطاله جزئياً: القانون الرقم 549 تاريخ 20 تشرين الاول سنة 2003 (تصميم وتمويل تطوير واعادة اعمار مصفاتي طرابلس والزهراني وتشغيلهما وبناء محطة نهائية لتصدير واستيراد الغاز الطبيعي المسال وبناء تجهيزات لتخزين الغاز الطبيعي وانشاء شبكات لبيعه وتوزيعه)، المنشور في الجريدة الرسمية ملحق العدد 48 الاربعاء تاريخ 22 تشرين الاول سنة 2003.

          إن المجلس الدستوري

          الملتئم في مقره في تاريخ 21/11/2003 برئاسة رئيسه امين نصار وحضور نائب الرئيس مصطفى العوجي والاعضاء: حسين حمدان، فوزي ابو مراد، سليم جريصاتي، سامي يونس، عفيف المقدم، مصطفى منصور، كبرِيال سرياني واميل بجاني.

          وعملا بالمادة 19 من الدستور،

          وبعد الاطلاع على استدعاء الطعن وتقرير العضو المقرر،

          تبين ان النواب المذكورين اعلاه تقدموا بتاريخ 6 تشرين الثاني 2003 من المجلس الدستوري بمراجعة سجلت في القلم بالرقم 1/2003 يطلبون فيها قبول المراجعة شكلا لورودها ضمن المهلة القانونية ولاستيفائها سائر الشروط الشكلية، وفي الاساس ابطال المادة السابعة من القانون رقم 549/2003 لمخالفتها الدستور، استنادا الى السببين الآتيين:

السبب الاول: لتعارضها مع المادة 55 من ميثاق الامم المتحدة، والمادة 23 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 6 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية: وقد اوضحوا قائلين ان الحكومة اللبنانية كانت اعدت مشروع قانوني يرمي، فيما يرمي اليه، الى خصخصة مصافي التكرير في منشآت النفط المملوكة من الدولة اللبنانية على غرار قوانين الخصخصة المتعلقة بوزارة الاتصالات وبشبكتي الهاتف الخليوي. ثم احالت هذا المشروع على المجلس النيابي فدرسته كل من لجنة الادارة والعدل ولجنة الاشغال العامة والنقل، فأحيل معدلا في بعض مواده على الهيئة العامة. وخلال مناقشته امام الهيئة العامة اقترح بعض النواب الغاء المادة السابعة الواردة في المشروع. فطلب بعض النواب تعديلها بما يسمح بأن يصبح الاستخدام بعد خصخصة المصفاتين في الزهراني وطرابلس افضلية للاجراء. كما اقترح آخرون الغاءها لانها تحرم العاملين من حقهم في الاستمرار في العمل. الا ان الهيئة العامة لم تأخذ بتلك الملاحظات فأقرت المادة السابعة موضوع الطعن من دون اي تعديل او الغاء وحرم العاملون حقهم بالاستمرار بالعمل، اذ نصت على ما يلي:

"المادة السابعة:

اوضاع العاملين في المصفاتين:

1- فور موافقة مجلس الوزراء على نتائج المزايدة، تعتبر جميع عقود العمل الفردية وعقد العمل الجماعي وعلاقات العمل في مصفاتي طرابلس والزهراني منتهية حكما، ويتوجب على الدولة، ممثلة بوزارة الطاقة والمياه ان تصفي فورا حقوق العاملين والمستخدمين المصروفين وفقا لما ينص عليه عقد العمل الجماعي مضافا اليها مجموع رواتب العامل او المستخدم وتعويضاته عن ثلاثين شهرا على الا يقل عن ثلاثين مليون ليرة لبنانية ولا يزيد عن مئتي مليون ليرة لبنانية، اذا كان قد مضى على خدمته اكثر من خمس سنوات. اما اذا لم يكن قد مضى عليه مدة الخمس سنوات، فيعطى تعويضا اضافيا يوازي راتب شهرين عن كل سنة خدمة على الا يقل عن /30 مليون ل.ل./ ثلاثين مليون ليرة لبنانية ولا يزيد عن /50 مليون ل.ل./ خمسين مليون ليرة لبنانية.

2- يكون لصاحب الالتزام حرية توظيف من يريد من العاملين الذين انتهى تعاقدهم بحكم القانون، وذلك وفقا لعقود عمل جديدة دون أن تشكل هذه العقود وعلاقة العمل استمرارا للعلاقة التي كانت تربط هؤلاء بوزارة الطاقة والمياه"

          فتكون المادة السابعة، والحالة ما ذكر، قد خالفت حق الانسان في لبنان بالاستخدام والعمل، وحمايته من البطالة، كما خالفت المادة 55 من ميثاق الامم المتحدة، والمادة 23 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان والمادة 6 من العهد الدولي لحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهي المواثيق التي اصبحت جزءا من مقدمة الدستور وباتت بدورها جزءا منه.

          السبب الثاني: لأنها- اي المادة السابعة- قد خالفت مبدأ المساواة بين العاملين في في قطاع الدولة، اذ ان قانون خصخصة وزارة الاتصالات وقطاع الاتصالات اعطى الخيار للعاملين لديه بين البقاء في العمل او قبض التعويض، فتكون لبعضهم الحق بالخيار، وعلى بعضهم الآخر الالزام بترك العمل، الامر الذي ينال من مبدأ المساواة بين اللبنانيين لناحية الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية كما لجهة مبادئ الحماية الاجتماعية.

بناء على ما تقدم

في الشكل:

          بما ان القانون المطعون فيه نشر في الجريدة الرسمية ملحق العدد 48 تاريخ 22 تشرين الاول 2003، وقدمت مراجعة الطعن الحاضرة بتاريخ 6 تشرين الثاني 2003، فتكون مقدمة ضمن المهلة القانونية ومستوفية سائر شروطها الشكلية، فيقتضي قبولها في الشكل.

في الاساس:

          بما ان المادة السابعة من القانون الرقم 549 المطعون فيها تنص على (1) فور الموافقة على نتائج المزايدة تعتبر جميع عقود العمل الفردية وعقد العمل الجماعي في مصفاتي طرابلس والزهراني منتهية حكما، وان على الدولة ممثلة بوزارة الطاقة والمياه ان تصفي حقوق العاملين وفاقا لما ينص عليه عقد العمل الجماعي مضافا اليه مجموع رواتب العامل وتعويضاته على ثلاثين شهرا على أن لا يقلّ عن ثلاثين مليون ليرة لبنانية ولا يزيد عن مئتي مليون ليرة لبنانية اذا كان مضى على خدمته اكثر من خمس سنوات. واذا لم تكن مضت هذه المدة فيعطى تعويضا اضافيا يوازي راتب شهرين عن كل سنة خدمة على ألّا يقلّ عن ثلاثين مليون ليرة لبنانية ولا يزيد عن خمسين مليون ليرة لبنانية. (2) وعلى ان يكون لصاحب الالتزام حرية توظيف من يريد من العاملين الذين انتهى تعاقدهم وفاقا لعقود عمل جديدة دون ان تشكل استمرارا للعلاقة التي كانت تربطهم سابقا بوزارة الطاقة والمياه.

          وبما انه يقتضي بحث ما اذا كانت هذه المادة تتعارض مع احكام المواثيق الدولية المشار اليها في استدعاء الطعن، كما معرفة ما اذا كانت تخالف مبدأ المساواة بين العاملين في قطاع الدولة على ما هو مبين ايضا في الاستدعاء المذكور.

عن السبب الاول:

          بما ان المواثيق الدولية المدلى بها، وان كانت تنص على وجوب توفير اسباب الاستخدام المتصل لكل فرد، وان لكل شخص الحق في العمل وحق الحماية من البطالة، وان تتاح له فرصة الارتزاق بعمل يرتضيه، وان لبنان ملتزم تلك المواثيق عملا بالفقرة "ب" من مقدمة الدستور وتتمتع تاليا بالقيمة الدستورية، لكن ليس من شأن نصوصها المتعلقة بهذا الموضوع ان تنشئ للأفراد حقا قانونيا Prérogative juridique او حقا ذاتيا ملزما droit subjectif contraignantقابلا للتنفيذ او للتحصيل بمقتضى اصول لا وجود لها، وان غايتها ووظيفتها التذكير بأهمية الشأن الاجتماعي وما تهدف اليه على هذا الصعيد.

          وبما انه سبق واعطي لاجتهاد القضاء الدستوري في فرنسا ان بحث هذه المسألة بمناسبة ما كانت تنص عليه مقدمة دستور 1946- التي استعادها دستور 1958 - من ان موجب العمل لا يؤلف موجبا ملزما للعامل اذ هو مجرد خيار متروك لارادته. وكذلك قبول رب العمل بالتعاقد فانه ايضا حق اختياري متروك لارادته. وليسا - لا هذا ولا ذاك - مادة او سببا لمساءلة قانونية وقضائية، بل ربما لمساءلة سياسية واقتصادية ليس غير، والا لكان اقتضى تغيير النظام السياسي والاقتصادي من الأساس:

« Le Préambule de la Constitution de 1946- repris par celui de la Constitution de 1958- va consacrer cette évolution en énonçant, parmi les droits particulièrement nécessaires à notre temps, celui d'obtenir un emploi- auquel s'ajoute le devoir de travailler. Mais ces formules n'ont pas le sens qu'elles suggèrent: le droit d'obtenir un emploi n'existe pas comme prérogative juridique et le devoir de travailler n'est pas positivement contraignant. Juridiquement, travailler est-et demeure- une simple faculté. »

« … Mais le marché vient également prohiber tout droit à l'obtention d'un emploi: en vertu de sa liberté d'entreprendre, l'employeur est doté du droit de choisir ses collaborateurs, qui exclut en principe toute contrainte à l'embauche.

« …L'affirmation, par le Préambule de la Constitution de 1946, du "droit" d'obtenir un emploi obéit aux mêmes considérations que celles justifiant l'énoncé du "devoir" de travailler; elle en constitue d'ailleurs l'indispensable corollaire. Ce lien explique alors son inexistence comme prérogative subjective; il n'y a pas de droit d'obtenir un emploi. Son admission supposerait la détermination d'un créancier et de procédures de réalisation qui… n'existent pas. Et leur avènement n'est pas envisageable… sauf à s'orienter vers un changement de système politique et économique. Or quelque audacieuse qu’ait été la Constitution de 1946, elle n'eut point de telles ambitions.

« L'affirmation par le Préambule de la Constitution de 1946 du droit d'obtenir un emploi a donc pour – seule- fonction de rappeler l'importance contemporaine du travail dans le développement individuel et collectif : en présentant – consciemment – l’exigence individuelle de travail comme un "droit", les auteurs de la Constitution de 1946 ont voulu placer cette nécessité sociale au même niveau que celles trouvant un prolongement certain dans des prérogatives juridiques; d'un point de vue politique, l'équivalence est certaine; mais il ne s'agit que d'une équivalence. »

Droits et libertés fondamentaux, ouvrage collectif, Dalloz, 4e éd., Thierry Revet,
« La liberté de travail », pp. 522, 523, 533.

          وبما أنه انطلاقا من الطبيعة القانونية التي تسم الحقوق الملحوظة في النصوص الدولية السالفة الذكر، يقتضي معرفة ما اذا كان تنظيم تلك الحقوق هو من اختصاص التشريع، وما اذا كانت ثمة قيود تحدّ هذا الاختصاص سلبا او تمدّه ايجابا،

          وبما ان المجلس يرى ان ثمة هرمية او تراتبية بين الحقوق الجوهرية hiérarchie des droits fondamentaux ، الا ان التفريق بينها لا يعود الى مصدرها بل الى النظام الذي يفرده القانون لكل منها، ذلك ان الشرع والمواثيق الدولية تتساوى بقوتها الدستورية عندما يعطف عليها الدستور كما هي الحال في مقدمة الدستور اللبناني بالنسبة الى بعض هذه الشرع والمواثيق، وان مصدر هذه الحقوق الجوهرية والحريات الشخصية او العامة هو ذاك القانون الطبيعي Droit naturelالذي تنبثق منه جميع الحقوق اللصيقة بالانسان: اما من حيث النظام القانوني لهذه الحقوق Régime juridique، فهو يحضن قسمين منها:

-حقوق الانسان بمفهومها الاسمىDroits de l'homme transcendants وهي حقوق مطلقة Absolus وغير قابلة للسقوط بالتقادم Imprescriptibles وتنفر بطبيعتها من منهجية اخضاعها باستمرار لمتغيرات الزمان والمكان، كحق الانسان في الحياة Droit à la vie وفي حماية الجسد والنفس من اي تعد Protection de l'intégrité physique et morale والحق في الزواج والتناسل والحق في العمل والحق في التملك وسائر الحريات العامة.

-والحقوق الاقتصادية والاجتماعية كحق العمل وحق الملكية والزواج، والتي لا يمكن اعتبارها على اطلاقها اذ هي قائمة ومتوجبة في اقاليم وازمان معينة ومرتبطة عضويا بأنظمة واوضاع ظرفية وتاريخية واكثر تعرضا بالتالي للهزال والاضمحلال، على ما ورد صراحة الفقرة "2" من المادة 29 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان.

الا ان كلا النوعين من الحقوق هذه هي في حمى القانون الوضعي الذي يؤمن لها مستوياتها من الحماية وان لم تنشأ اصلا من رحمه، هذا القانون الذي يمكنه ان ضع حدودا او ضوابط لهذه الحقوق الفردية او الجماعية عملا بمقتضيات المصلحة العامة او النظام العام، اي حقوق المجتمع على الفرد والجماعة.

          وبما انه عملا بالمادة 12 معطوفة على المادة 65 فقرة 3 من الدستور، المعطوفتين بدورهما على المادة 29 الفقرة 2 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تاريخ 10/12/1948، ان تولي الوظائف العامة يخضع للشروط التي ينص عليها القانون، وان الفرد يخضع في ممارسة حقوقه وحرياته للقيود التي يقررها القانون، ضمانا للاعتراف بحقوق الغير وحرياته، وتحقيقا للمقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة.

          وبما انه اذا كانت الحقوق موضوع البحث في المراجعة الحاضرة، وايا كانت طبيعتها القانونية، هي من اختصاص التشريع، فان من المسلم به ان لهذا التشريع ان يسن نصوصا يرى انها تفترضها المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة وإن كان في تلك النصوص ما قد يمس بعض الحقوق الدستورية:

« Lorsque la loi poursuit un but d'intérêt général qui justifie une atteinte au droit constitutionnel, le Conseil fait droit, le plus souvent, à la poursuite de l'intérêt general, au détriment de la protection constitutionnelle du droit méconnu. »

Droits et libertés fondamentaux, ouvrage collectif, Dalloz, 4e éd., Nicolas Molfessis, La dimension constitutionnelle des droits et libertés fondamentaux, p. 69.

          وبما ان اجتهاد القضاء الدستوري، الذي يتميز بحرصه الشديد على حماية ما يتعلق بالحريات العامة كحرية الصحافة وحرية التعليم وحرية تأليف الجمعيات التي تنص المادة 13 من الدستور على انها مكفولة ضمن دائرة القانون، لكن تشدده هذا يبدو اقل ظهورا عندما يتعلق الامر بحق الملكية مثلا، او حرية النشاط الاقتصادي، او الحقوق الاجتماعية (Nicolas Molfessis, Op. cit. p. 69) ولاجل ذلك جاء اجتهاده، في حقل الحقوق الاجتماعية وحرية النشاط الاقتصادي، يتميز بشيء من التغاير بحسب الحالات المعروضة كل مرة على تمحيصه، اذ اقر ان بامكان المشترع، ودون المساس بالحق في الاستخدام، ان يخالف مبادئ اخرى ذات قيمة دستورية، بدون ان يشوهها، كحرية النشاط الاقتصادي، او مبدأ المساواة، فيسمح مثلا، وفي سبيل تحسين استخدام الشبان، بتدابير خاصة بهذه الفئة من العمال، وبأن يعالج مؤسسات مختلفة كل مرة بطريقة مختلفة:

 

« En conséquence, sans porter atteinte au droit à l'emploi, le législateur peut, par exemple, habiliter le gouvernement à limiter- en fonction de l'âge, des revenus et du nombre de personnes à charge la possibilité de cumul entre une pension de retraite et le revenu d'une activité professionnelle (81-134 DC, 5 janv. 1982, Rec. 15), prévoir que le cumul d'une pension et d'une activité salariée, dans les cas autorisés, sera subordonné au versement d'une contribution de solidarité (83-156 DC, 28 mai 1983, Rec. 41) ou imposer une contribution de solidarité à l'égard de personnes nouvelles percevant des pensions de vieillesse d'un montant supérieur au salaire minimum de croissance augmenté de 25% par personne à charge (85-200 DC, 16 janv. 1986, Rec. 9). Inversement, pour mettre en œuvre le droit à l'emploi, le législateur peut, sans les dénaturer, porter atteinte à d'autres principes de valeur constitutionnelle comme la liberté d'entreprendre ou le principe d'égalité: ainsi, il peut, en vue d'améliorer l'emploi des jeunes, autoriser des mesures propres à cette catégorie de travailleurs et traiter différemment certaines catégories d'entreprises » (82-207 DC, 25 et 26 juin 1986, Rec. 61). 

O. Duhamel, Y. Meny, Dictionnaire constitutionnel, v. Droit au travail, p. 320.

          وبما انه من قراءة المادة السابعة من القانون الرقم 549 موضوع الطعن الحاضر في ضوء المبادئ المذكورة أعلاه، تتبين الامور التالية:

          بما ان المادة السابعة المشار اليها انما هي تعالج حالة مختصة بفئة معينة هي فئة العمال العاملين في مصفاتي طرابلس والزهراني، فانها تتعلق اذن بحالة تعني اولئك العاملين، في حين ان القانون ومجمله يتناول شأنا عاما واهدافا عامة ومنفعة عامة تتمثل بتطوير واعادة اعمار مصفاتي طرابلس والزهراني، اضافة الى بناء محطة نهائية لتصدير واستيراد الغاز الطبيعي المسال مع بناء تجهيزات لتخزينه وانشاء شبكات لبيعه وتوزيعه. وهكذا، ففي حين هي تعني- اي المادة السابعة- فئة العاملين المذكورين، فان القانون بمجمله وبأهدافه يعني حقوقا وأوضاعا تخضع للمقتضيات العادلة العامة والمصلحة العامة وتاليا للانتظام العام، على ما هو نص المادة 29 فقرة 2 من الاعلان العالمي لحقوق الانسان تاريخ 10/12/1948.

          وبما انه يمتنع على المجلس الدستوري إعمال رقابته على المصلحة العليا التي استدعت التشريع، اي على ملاءمة التشريع Opportunité du législateur، الا بحال وجود خطأ فادح Erreur manifeste، مما يعني انه يعود للمشرع ان يقدر ان نجاح خصخصة اي مشروع عام يقضي بالاستغناء عن عقود العمل فيه مع حفظ حقوق العاملين كاملة، كما هو حاصل بالقانون المطعون فيه التي نصت المادة 7 منه على حقوق تفصيلية واضافية لهؤلاء. وقد اعتبر الاجتهاد الدستوري الفرنسي انه يعود لتقدير المشرع وحده وضع القواعد التي يراها مناسبة كي يمارس اكبر عدد ممكن من المريدين الحق في العمل:

« Il lui appartient de poser les règles propres à assurer au mieux le droit pour chacun d'obtenir un emploi en vue de permettre l'exercice de ce droit au plus grand nombre possible d'intéressés. »

C.C. 28 mai 1983, Dr. Social 1984, 159, note L. Hamon

-C.C. 16 janv. 1986, Dr. Social, 1986, 377, note Gaudemet

          وبما ان حرية العمل ضمن مبادئ النظام الاقتصادي الحرّ المنصوص عليه في الدستور مع ما يستتبعه من توظيف للمهارات والخبرات والاموال، تستتبع حتما حرية رب العمل في انتقاء المشاركين في العملة الانتاجية سواء كانوا من الفنيين او من المستخدمين العاديين، كما تستتبع امكانية صرف هؤلاء من العمل وفاقا لمقتضيات العملية الانتاجية مع مراعاة القوانين المرعية الاجراء التي تضم حقوق المصروفين من العمل تجاه رب العمل والمؤسسات الراعية لشؤونهم كالضمان الاجتماعي وصناديق نهاية الخدمة والتعويضات الاضافية التي تلحظها تلك القوانين او القوانين الخاصة.

          وبما ان المواثيق الدولية وكما سبق اعلاه التي تنص على الحق في العمل وعلى حق كل انسان في انتقاء العمل الذي يرغب به او يرتضيه تشكل تدوينا لمبادئ ذات قيمة توجيهية للدول الموقعة على هذه المواثيق بحيث تعمل على ادخالها في تشريعاتها وسياساتها الاقتصادية ولا تؤلف حقا فرديا للشخص تجاه دولته يمكّنه من الزامها به كموجب مدني تجاهه.

          وبما انه لا يبدو للمجلس ان المادة السابعة السالفة الذكر لم تراع بصورة عادلة مبدأ التوزان في الموجبات – وهو الموضوع المتروك تنسيبه في اي حال لسلطة القانون-ذلك انها نصت على منح العاملين تعويضا استثنائيا من جهة، ومن جهة ثانية امكانية تعاقدهم مجددا مع صاحب الالتزام، مراعية بذلك حق هذا الاخير وحريته بتوظيف من يريد منهم، تأسيسا على ان حق العامل بالعمل وحريته يتوازيان مع حق رب العمل وحريته بتشغيل من يريده. وبهذا تتلاقى المادة السابعة المطعون فيها والمادة 50 من قانون العمل التي تنص على امكانية انهاء عقود العمل غير المحددة المدة لقاء تعويض تشير الى كيفيته وسبل تقديره. هذا فضلا عن ان الموجبات التي تستلزم ايفاؤها قيام المديون نفسه بالعمل تأبى التنفيذ العيني حتى وإن كانت محددة المدة وتقتصر على التنفيذ البدلي مع الغرامة، على ما هو نص المادة 251 من قانون الموجبات والعقود.

          وبما انه يتبين من النص المذكور انه كرس حرية رب العمل في انهاء عقود الاستخدام لديه وفقا لنظام قانوني وضعه، الامر الذي يندرج ضمن مفهوم النظام الاقتصادي الحر المكرس في مقدمة الدستور ومن مقوماته حرية رب العمل انهاء عقود الاستخدام لديه كما حرية العامل في قبول او رفض العمل، كل ذلك ضمن الاطار القانوني الذي وضعه المشترع حفاظا على حقوق رب العمل والعامل من اي تصرف تعسفي يلحق الضرر باحدهما او بكليهما.

          وبما انه لا يتبين في ضوء ما تقدم عرضه ان المادة السابعة خالفت الدستور او المواثيق الدولية او مبادئ ذات قيمة دستورية، فيكون السبب الاول مردودا.

عن السبب الثاني:

          وبما انه لا يرد على السبب الاول بالسبب الثاني المدرج في استدعاء الطعن ومفاده ان المادة السابعة المطعون فيها اخلّت بمبدأ المساواة بين العاملين في قطاع الدولة بحجة ان القانون الرقم 431/2002 (قانون الاتصالات) نص في المادة 49 منه على انه يمكن لاي من الموظفين او العاملين في وزارة الاتصالات ان يستقيل اذا شاء، ذلك ان من المسلم به في اجتهاد القضاء الدستوري ان مبدأ المساواة حتى في حقل الوظائف العامة لا يطبق الا في نطاق الهيئة عينها ولا يمتد من هيئة الى اخرى:

« Le principe d'égalité joue non seulement pour l'accès aux emplois publics, mais également entre agents publics. Le Conseil constitutionnel a toutefois précisé que "le principe de l'égalité de traitement dans le déroulement de la carrière des fonctionnaires n'est susceptible de s'appliquer qu'entre les agents appartenant à un même corps. »

CC, n. 76-67 DC, 15 juil. 1976, p. 35.

O. Duhamel, Y. Meny, Dictionnaire constitutionnel, V. Egalité dans les emplois publics, p. 346.

          وبما انه لا يستقيم التحجج بالمادة 7 من الدستور التي تنص على ان كل اللبنانيين سواء لدى القانون ودون فرق بينهم، ذلك لان من المسلم به ايضا في اجتهاد القضاء الدستوري، ولا سيما اجتهاد هذا المجلس، ان مبدأ المساواة لدى القانون الذي يتمتع بالقيمة الدستورية، لا إعمال ولا مورد له عند وجود اوضاع قانونية مختلفة بين الافراد، او عند اختلاف الحالات، او عندما تقضي بذلك مصلحة عليا، او اذا كان التمييز ينسجم مع اهداف التشريع الذي يلحظه، على غرار ما هو الامر بالنسبة الى حق الملكية الذي يمكن اخضاعه لقيود تقتضيها تلك المصلحة رغم تمتعه بالقيمة الدستورية: (قرار هذا المجلس رقم 1 تاريخ 31/1/2002، وقراره رقم 2 تاريخ 10/5/2001، صادر في المجلس الدستوري 1993-2001 ص. 101 و76).

          وبما ان من الجلي في هذه القضية ان الحالة التي عالجها القانون الرقم 431/2002 (قانون الاتصالات)، تختلف عن الحالة التي يعنيها القانون الرقم 549 تاريخ 20 تشرين الاول 2003 في موضوعه واسبابه ومراميه، فيكون الادلاء بالسبب الثاني في غير محله ويقتضي رده.

لهذه  الأسـباب

يقرر المجلس:

اولا: في الشكل:

قبول المراجعة لورودها ضمن المهلة مستوفية شروطها القانونية .

ثانيا: في الاساس:

رد مراجعة الطعن واعتبار القانون الرقم 549 تاريخ 20 تشرين الاول 2003 غير مخالف لاحكام الدستور او لقاعدة ذات قيمة دستورية.

ثالثا: إبلاغ هذا القرار الى المراجع المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.

قرارا صدر في 21 تشرين الثاني 2003.