قرار رقم 5\2000



قرار رقم 5\2000

تاريخ 27\6\2000

طلب تعليق مفعول وابطال بعض أحكام القانون رقم 227 تاريخ 31\5\2000: تعديل بعض مواد نظام مجلس شورى الدولة

المواد المسند اليها القرار

 

المادة 20 من الدستور (الضمانات للقضاة والمتقاضين)

 

رقم المراجعة: 5\2000

المستدعون: النواب: احمد كرامي، مروان حمادة، بشارة مرهج، سليم دياب، يغيا جرجيان، عدنان عرقجي، آغوب جوخادريان، آغوب دمرجيان، باسم السبع، خالد صعب، بهية الحريري.

القانون المطلوب ابطاله: القانون رقم 227 الصادر بتاريخ 31 ايار 2000 المتعلق بتعديل بعض مواد نظام مجلس شورى الدولة والمنشور في العدد 24 تاريخ 2\6\2000 من الجريدة الرسمية لمخالفته الدستور.

          إن المجلس الدستوري

الملتئم في مقره بتاريخ 27\6\2000 بحضور الرئيس امين نصار ونائب الرئيس مصطفى العوجي والاعضاء: اديب علام، ميشال تركية، كامل ريدان، انطوان خير، خالد قباني، حسين حمدان، سليم جريصاتي.

          بعد الاطلاع على ملف المراجعة وعلى تقرير العضو المقرر.

          بما ان النواب المشار اليهم اعلاه قد تقدموا بمراجعة سجلت في قلم المجلس الدستوري تحت الرقم 5\2000 بتاريخ 16\6\2000 يطلبون فيها تعليق مفعول وابطال الفقرتين 2 و3 من المادة 64 الجديدة والفقرة 2 من المادة الخامسة الجديدة والنص الاخير من الفقرة الخامسة من المادة 34 الجديدة وسائر النصوص الواردة في المادتين 6 و7 من القانون رقم 227 تاريخ 31 ايار 2000 المتعلق بتعديل بعض مواد نظام مجلس شورى الدولة، وذلك لمخالفتها للدستور ولمبدأ خصوصية القضاء الاداري ومبدأ المساواة. وقد ادلوا بالاسباب التالية:

اولا: في اسباب ابطال الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 64 (الجديدة) من القانون رقم 227\2000 وفقا للمراجعة:

          اولت المادة 64 المذكورة، في فقرتها الاولى، مجلس شورى الدولة حق النظر في النزاعات المتعلقة بتأديب الموظفين، وذلك خلافا لاي نص آخر، فيما نصت الفقرة الثانية منها المطعون فيها على ان "لا تخضع القرارات التأديبية الصادرة عن مجلس القضاء الاعلى للمراجعة بما في ذلك مراجعة النقض" واضافت الفقرة الثالثة المطعون فيها ايضا ان "تطبق الفقرة السابقة على المراجعات التي لم يصدر فيها حكم مبرم."

          ويدلي المستدعون ان الفقرتين الثانية والثالثة من المادة 64 (الجديدة) اعلاه تخالفان مقدمة الدستور فيما تتضمنه من تكريس لمبدأ المساواة واحترام الحريات العامة، كما والمواثيق الدولية التي تحيل اليها، سيما الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي ينص في مادته السابعة على مبدأ المساواة وعلى حق الناس في التمتع بحماية من القانون بصورة متكافئة، وفي مادته الثامنة على حق كل شخص في اللجوء الى محاكمه الوطنية لدرء اي اعتداء على حقوقه الاساسية التي يمنحها له القانون، وفي مادته العاشرة على حق كل شخص في ان تفصل محكمة مستقلة بصورة عادلة وعلنية في حقوقه، كما تخالف الفقرتان اعلاه المادة 7 من الدستور التي تنص ايضا بشكل مستقل وتوكيدي على مبدأ المساواة بما في ذلك المساواة في التمتع بالحقوق المدنية، كما يدلي المستدعون بأن مقدمة الدستور، على ما درج عليه المجلس، تعتبر جزءا لا يتجزأ من الدستور ولها قيمة دستورية موازية لاحكام الدستور في كل ما تتضمنه من مبادئ ومواثيق تحيل اليها، وان الفقرتين المذكورتين تكونان والحالة هذه مخالفتين لمبدأ المساواة وحق المواطن بالمراجعة القضائية Droit au recours الذي يتصف بالصفة الدستورية عملا بما سبق، فضلا عن مخالفة المادة 20 من الدستور التي تنص على الضمانة القضائية ومبدأ استقلال القضاء والقضاة من حيث ان مجلس القضاء الاعلى انما يتولى الشؤون التأديبية للقضاة كهيئة ادارية ذات صفة قضائية وترجمة لهذه الضمانة التي يتمتع بها القضاة في ممارسة مهامهم ومحاسبتهم، بحيث ان اعتبار القرارات التأديبية الصادرة عن مجلس القضاء الاعلى غير قابلة للمراجعة يؤدي الى ازالة ضمانة قانونية محمية دستورا وتدخل، فضلا عن ذلك، في اطار حق الدفاع المحمي ايضا دستورا. وتورد المراجعة تأييدا لكل ذلك قرارا اجتهاديا صادرا عن مجلس شورى الدولة ومقتطفات فقهية تصب في هذا الاتجاه وفي سواه مما يدعمه كايراد اوجه الشبه بين الملاحقة الجزائية والملاحقة المسلكية وبالتالي وجوب اعمال حق الدفاع في كلتيهما. والتأكيد على الصفة الادارية لقرارات التأديب الصادرة عن مجلس القضاء الاعلى وقابليتها الطبيعية للنقض لدى مجلس شورى الدولة تفاديا لخرق الدستور بحرمان المحكوم بعقوبة ادارية من التقدم بطعن قضائي بها.

          ويضيف المستدعون ان هذه الحجج تنسحب بصورة اولى على الفقرة الثالثة من المادة 64 (الجديدة) التي تمعن في خرق الدستور من حيث انها تعطل ممارسة بدأت لحق دستوري، هو حق المقاضاة والدفاع وتلغي الاحكام بنتيجة ذلك، مما يؤدي الى اعمال الرجعية حيث لا تجوز سواء في القضايا الجزائية او في القضايا المسلكية والى مخالفة مبدأ فصل السلطات المكرس في الدستور والذي ينتهك عندما يقوم المشترع مباشرة برفع يد القضاء عن قضية عالقة امامه، او ان تقوم السلطة الاجرائية بذلك. ويخلص المستدعون ان الفقرتين اعلاه يخالفان مبدأ خحصوصية القضاء الاداري الذي يرتقي الى المستوى الدستوري.

ثانيا: في اسباب ابطال الفقرة 2 من المادة الخامسة (الجديدة) من القانون رقم 227\2000 وفقا للمراجعة:

          نصت الفقرة 2 المعدلة من المادة الخامسة (الجديدة) من القانون 227\2000، التي تعطف على الفقرة الاولى من المادة ذاتها، انه يمكن تعيين رئيس مجلس شورى الدولة ومفوض الحكومة لدى المجلس بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل من بين القضاء الذين هم في الدرجة الثانية عشر وما فوق، بينما كانت الفقرة 2 قبل تعديلها تشير الى عبارة "القضاة العدليين" وتشترط حيازتهم على شهادة دكتوراه دولة في القانون العام.

          ويدلي المستدعون طعنا بهذه الفقرة ان القضاء الاداري يتمتع بخصوصية تقع موقع المبدأ الدستوري وان هذه الخصوصية تقضي بحيازة القضاة العدليين في حال ولجوا القضاء الاداري على شهادة اختصاص في القانون العام، وان هذه الفقرة تخالف مبدأ المساواة، وهو مبدأ دستوري، لانها تحرم القضاة الاداريين من مراكز في القضاء الاداري قد يشغلها قضاة عدليون لا يحملون مثل هذه الشهادة التخصصية في القانون العام.

          ويضيف المستدعون، طعنا بهذه الفقرة، انها عرضت على التصويت خارج عمل اللجان ولم يسبق لمجلس الوزراء ان اقترحها بحيث يكون التصديق عليها مشوبا بمخالفة الدستور في مادته 56 التي تشترط الموافقة النهائية على القوانين قبل اصدارها من رئيس الجمهورية، وان هذه الموافقة النهائية على الفقرة اعلاه لا تكون حاصلة اذا لم تراع اصول وصيغ اعتمادها قانونا.

ثالثا: في اسباب ابطال المادة 34 (الجديدة) من القانون رقم 227\2000 ابطالا جزئيا وفقا للمراجعة:

          نصت المادة 34 (الجديدة) اعلاه تحت "ثانيا" وفي الفقرة "5" انه "يمكن تعيين قضاة مجلس شورى الدولة في هذه المحاكم (اي المحاكم الادارية) بقرار من رئيس المجلس (اي رئيس مجلس شورى الدولة)".

          ويدلي المستدعون طعنا بهذه الامكانية او السلطة الممنوحة لرئيس مجلس شورى الدولة بتعيين قضاة المحاكم الادارية اي قضاة الدرجة الاولى في القضاء الاداري، بقرار منفرد منه، ان هذا النص يخالف مبدأ استقلال السلطة القضائية الذي ينسحب على استقلال القضاة انفسهم كما تنص على ذلك صراحة المادة 20 من الدستور، سيما وان مكتب مجلس شورى الدولة انما يشكل ايضا، اسوة بمجلس القضاء الاعلى، مؤسسة ضامنة لاستقلال القضاء والقضاة.

رابعا: في جوب ابطال احكام المادتين 6 و7 من القانون رقم 227\2000 لمخالفتها الدستور:

          خلص المراجعون في مراجعتهم الى لفت النظر ان ولاية المجلس شاملة في مراقبة دستورية القوانين وفقا لاجتهاده المستقر، وان ثمة احكام اخرى في المادتين 6 و7 من القانون رقم 227\2000، مخالفة للدستور لسبب خرقها مبدأ خصوصية القضاء الاداري ومبدأ المساواة.

بناء على ما تقدم،

اولا: في الشكل:

بما ان المراجعة قدمت ضمن المهلة مستوفية سائر شروطها القانونية، فتكون مقبولة في الشكل.

ثانيا: في الاساس:

          بما ان المستدعين يطلبون تعليق مفعول وابطال الفقرتين 2 و3 من المادة 64 الجديدة، والفقرة رقم 2 من المادة الخامسة الجديدة، والنص الاخير من الفقرة الخامسة من البند ثانيا من المادة 34 الجديدة وسائر النصوص الواردة في المادتين 6 و7 من القانون رقم 227 تاريخ 31 ايار 2000، وذلك لمخالفتها الدستور ومبدأ خصوصية القضاء الاداري ومبدأ المساواة.

1- في طلب ابطال الفقرة الثانية والفقرة الثالثة من المادة 64:

          وبما ان الفقرات الثلاث من المادة 64 الجديدة، تقرر في قضايا التأديب، وهي لا تختلف من حيث طبيعتها ومضمونها، مبادئ متعارضة ولا يأتلف بعضها مع البعض الآخر، ففي حين تولي احداها، وهي الفقرة الاولى، مجلس شورى الدولة خلافا لاي نص آخر حق النظر في النزاعات المتعلقة بتأديب الموظفين، تنزع الفقرة الثانية عنه النظر في القرارات التأديبية الصادرة عن مجلس القضاء الاعلى، وترفع الفقرة الثالثة من المادة نفسها يد المجلس عن المراجعات المشمولة بنص الفقرة الثانية والتي لم يصدر بها حكم مبرم.

أ- في ابطال الفقرة الثانية من المادة 64:

          بما ان الفقرة الثانية من المادة 64 الجديدة من القانون رقم 227 الصادر بتاريخ 31 ايار 2000، تنص على ما يأتي:

"لا تخضع القرارات التأديبية الصادرة عن مجلس القضاء الاعلى للمراجعة بما في ذلك مراجعة النقص."

          بما ان المادة 20 من الدستور تنص على ان السلطة القضائية تتولاها المحاكم على اختلاف درجاتها واختصاصاتها ضمن نظام ينص عليه القانون ويحفظ بموجبه للقضاة والمتقاضين الضمانات اللازمة.

          اما شروط الضمانة القضائية وحدودها فيعينها القانون. والقضاة مستقلون في اجراء وظيفتهم وتصدر القرارات والاحكام من قبل كل المحاكم وتنفذ باسم الشعب اللبناني.

          وبما ان استقلال القضاء، فضلا عن النص الدستوري الذي يكرسه، يعتبر مبدأ من المبادئ ذات القيمة الدستورية،

          وبما ان استقلال القضاء لا يستقيم اذا لم يتأمن استقلال القاضي بتوفير الضمانات اللازمة التي تحقق هذا الاستقلال ومن ضمنها حق الدفاع الذي يتمتع بالقيمة الدستورية، وعدم اقفال باب المراجعة امامه عندما يتعرض لتدابير تأديبية.

          وبما ان حق مراجعة القضاء هو من الحقوق الدستورية الاساسية وهو يشكل بالنسبة للقاضي في القضايا التأديبية عندما يكون محل مؤاخذة مسلكية، احدى الضمانات التي عنتها المادة 20 من الدستور.

          وبما ان مجلس القضاء الاعلى عندما يمارس سلطة التأديب او الهيئة المنبثقة عنه، وفقا للمادة 85 وما يليها من المرسوم الاشتراعي رقم 150\83، يعتبر هيئة ادارية ذات صفة قضائية مثله مثل اية هيئة تأديبية للموظفين منحها القانون صلاحيات معينة.

          وبما انه اذا كان اناطة مجلس القضاء الاعلى سلطة تأديبية يشكل ضمانة من الضمانات التي نصت عليها المادة 20 من الدستور، فان اعطاء الحق للقاضي العدلي بالطعن في هذه القرارات التأديبية التي تصدر عنه عن طريق النقض يشكل ضمانة لا غنى عنها، مكملة للضمانة التي يوفرها اشتراك مجلس القضاء الاعلى في القضايا التأديبية المتصلة بالقضاة العدليين.

          وبما ان منع القاضي العدلي من الطعن بقرارات المجلس التأديبي يؤدي الى حرمانه من ضمانة دستورية ويشكل بالتالي انتقاصا من الضمانات التي اوجبت المادة 20 من الدستور حفظها للقضاة.

          وبما ان المادة 117 من نظام مجلس شورى الدولة تنص على انه يمكن تمييز الاحكام الصادرة بالدرجة الاخيرة عن الهيئات الادارية ذات الصفة القضائية، وان لم ينص القانون على ذلك، مما يعني ان مراجعة النقض لهذه الاحكام تتعلق بالانتظام العام،

          وبما ان قرارات المجلس التأديبي للقضاة العدليين هي من نوع الاحكام التي تصدر بالدرجة الاخيرة عن هيئات ادارية ذات صفة قضائية، والطعن بها امام القضاء المختص، يشكل بالنسبة للقاضي العدلي، احدى الضمانات التي نص عليها الدستور، وحرمانه من حق المراجعة يتعارض اذن مع احكام الدستور ومع المبادئ العامة الدستورية.

          وبما انه اذا كان يعود للمشرع ان يلغي قانونا نافذا او ان يعدل في احكام هذا القانون دون ان يشكل ذلك مخالفة للدستور او ان يقع هذا العمل تحت رقابة المجلس الدستوري الا ان الامر يختلف عندما يمس ذلك، حرية او حقا من الحقوق ذات القيمة الدستورية (قرار المجلس الدستوري رقم 1\2000 تاريخ 1\2\2000).

          وبما انه عندما يسن المشترع قانونا يتناول الحقوق والحريات الاساسية فلا يسعه ان يعدل او ان يلغي النصوص النافذة الضامنة لهذه الحريات والحقوق دون ان يحل محلها نصوصا أكثر ضمانة او تعادلها على الاقل فاعلية وضمانة، وبالتالي فانه لا يجوز للمشترع ان يضعف من الضمانات التي اقرها بمواجب قوانين سابقة لجهة حق او حرية اساسية سواء عن طريق الغاء هذه الضمانات دون التعويض عنها او باحلال ضمانات محلها اقل قوة وفاعلية (قرار المجلس الدستوري رقم 1\99 تاريخ 23\11\1999).

          وبما ان النص المطعون فيه، بحرمانه القاضي من حق الدفاع عن نفسه امام المرجع القضائي المختص واقفال بابالمراجعة بوجهه يكون قد الغى ضمانة من الضمانات التي نص عليها الدستور والتي تشكل للقاضي احدى اهم ميزات استقلاله.

          وبما ان الفقرة الثانية من المادة 64 من القانون 227\2000 تكون اذن مخالفة للدستور وللمبادئ العامة ذات القيمة الدستورية، ويقتضي بالتالي ابطالها.

ب- في ابطال الفقرة الثالثة من المادة 64:

          بما ان الفقرة الثالثة من المادة 64 من القانون 227\2000 تنص على ما يأتي:

" تطبق احكام الفقرة السابقة (الفقرة الثانية) على المراجعات التي لم يصدر بها حكم مبرم."

          وبما ان هذا النص ينطوي على مفعول رجعي يؤدي الى رفع يد مجلس شورى الدولة عن النظر في مراجعات النقض التي قدمت اليه من قبل القضاة العدليين الذين صدرت بحقهم قرارات تأديبية، ويمنع على القضاء اصدار الاحكام في هذه المراجعات.

          وبما ان مبدأ الفصل بين السلطات، والذي ينبثق عنه مبدأ استقلال القضاء، لا يجيز للمشرع ان يجري رقابته على قرارات القضاء، او ان يوجه اليه الاوامر او التعليمات، او ان يحل محله في الحكم في النزاعات التي تدخل في اختصاصه، ويستوي في ذلك القضاء العدلي والقضاء الاداري.

          وبما ان مبدأ الفصل بين السلطات الذي يتمتع بالقيمة الدستورية يمنع اذن على اي قانون او عمل اداري ان يرفع يد القضاء عن قضية عالقة امامه ويجعل القاضي بمنأى عن تدخلات السلطة التشريعية او السلطة التنفيذية.

          وبما ان الفقرة الثالثة من المادة 64 التي ترفع يد مجلس شورى الدولة عن المراجعات المقدمة اليه ضد القرارات التأديبية الصادرة عن مجلس القضاء الاعلى، وبمفعول رجعي، تكون اذن مخالفة لمبدأ الفصل بين السلطات ولمبدأ استقلال القضاء، ويقتضي، بالتالي، ابطالها،

          وبما ان بطلان الفقرة الثانية  من المادة 64 يستتبع حكما، وفي مطلق الاحوال، بطلان الفقرة الثالثة من هذه المادة.

2- في طلب ابطال الفقرة 2 من المادة الخامسة:

          بما ان الفقرة 2 من المادة الخامسة الجديدة من القانون 227\2000 تنص على ما يلي:

"ويمكن تعيينهما بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير العدل من بين القضاة الذين هم في الدرجة الثانية عشرة وما فوق".

          وبما ان المقصودين بهذا النص هما رئيس مجلس شورى الدولة ومفوض الحكومة والتي كانت الفقرة الثانية المعدلة من المادة الخامسة من نظام مجلس شورى الدولة تجيز تعيينهما من بين القضاة العدليين الحائزين على شهادة دكتوراه دولة في القانون العام الذين هم في الدرجة الخامسة وما فوق.

          وبما ان النص الجديد للفقرة الثانية من المادة الخامس يسقط من شروط التعيين لمنصب رئيس مجلس شورى الدولة ومفوض الحكومة لديه، من بين القضاة (والمقصود العدليين) شرط حيازة دكتوراه دولة في القانون العام، والذي يرى فيه المستدعون خرقا لمبدأ خصوصية القضاء الاداري ولمبدأ المساواة، كما يرون في الطريقة التي تم فيها التصويت على هذا النص تحويرا للاصول.

          وبما ان المادة 20 من الدستور تنص على استقلال القضاء، وهذا النص يشمل على السواء القضاء العدلي والقضاء الاداري.

          وبما ان مبدأ خصوصية القضاء الاداري، وهي قاعدة مسلم بها، يرتبط بمجموعة متشابكة من العناصر، تعطي لهذا القضاء خصوصيته، من بينها عنصر الدرجة العلمية التي تضمن التخصص في القانون العام، كدرجة الدكتوراه، ولا يتوقف مبدأ الخصوصية على توفر هذا العنصر دون غيره.

          وبما ان اسقاط نص القانون شرط الدكتوراه في تعيين رئيس مجلس شورى الدولة ومفوض الحكومة لديه، لا يشكل مساسا باستقلال القضاء او بخصوصيته.

          وبما انه لم يتبين للمجلس في الاقتراح والتصويت على الفقرة الثانية من المادة الخامسة من القانون المطعون فيه او في اصداره ونشره ما يخالف احكام الدستور.

3- في طلب ابطال النص الاخير من الفقرة الخامسة من البند ثانيا من المادة 34:

          وبما ان الفقرة الخامسة من البند ثانيا من المادة 34 تنص على ما يلي:

"تتألف المحاكم الادارية من القضاة المتخرجين من المعهد القضائي- قسم القانون العام- ومن بين القضاة المعينين وفق احكام المادة الثامنة من هذا القانون، ويمكن تعيين قضاة مجلس شورى الدولة في هذه المحاكم بقرار من رئيس المجلس".

          وبما ان طلب الابطال يتناول النص التالي:

" ... ويمكن تعيين قضاة مجلس شورى الدولة في هذه المحاكم بقرار من رئيس المجلس".

          وبما ان الفقرة 2 والفقرة 4 من المادة 19 من نظام مجلس شورى الدولة تنصان على ما يلي:

الفقرة 2: "يسهر مكتب مجلس شورى الدولة على حسن  سير القضاء الاداري وعلى هيبته واستقلاله وحسن سير العمل فيه ويتخذ القرارات اللازمة بهذا الشأن."

الفقرة 4: "يمارس مكتب مجلس شورى الدولة في كل ما لا يتعارض وهذا القانون الصلاحيات ذاتها التي يمارسها مجلس القضاء الاعلى تجاه القضاة بمقتضى قانون القضاء العدلي.

وبما ان المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي تربط، في فقرتيها "أ" و"ب"، فيما خص القضاة العدليين المناقلات والالحاقات والانتدابات القضائية الفردية والجدماعية بموافقة مجلس القضاء الاعلى.

          وبما ان مكتب مجلس شورى الدولة يتمتع، فيما عنى القضاة الاداريين بالصلاحيات نفسها التي يمارسها مجلس القضاء الاعلى تجاه القضاة العدليين، وهو يعتبر مؤسسة اناط بها القانون مهمة السهر على حسن سير القضاء الاداري وعلى هيبته واستقلاله وحسن سير العمل فيه، وتأمينا لقيامه بهذه المهام، فقد اشركه في تعيين القضاة ونقلهم وتأديبهم.

          وبما ان انشاء مجلس قضاء اعلى ومكتب مجلس شورى الدولة لدى كل من القضائين العدلي والاداري يعتبر احد ابرز الضمانات لحماية استقلال القضاء في مفهوم المادة 20 من الدستور.

          وبما ان النص الاخير من الفقرة الخامسة من البند ثانيا من المادة 34، المطعون فيه، تنيط برئيس مجلس شورى الدولة منفردا تعيين قضاة المجلس في المحاكم الادارية، بقرار منه، وهي تنطوي على اعطائه الحق ايضا بنقل قضاة المجلس بمعزل عن مكتب مجلس شورى الدولة.

          وبما ان هذا النص يطيح بالمؤسسة التي اناط بها القانون مهمة السهر على حسن سير القضاء الاداري واستقلاله، ويخل بالتالي، بمبدأ استقلال القضاة وبالضمانات التي اوجبت المادة 20 من الدستور حفظها للقضاة، ويقتضي بالتالي ابطاله.

4- في طلب ابطال الاحكام الواردة في المواد 6 و7:

          بما ان المادتين 6 و7 من القانون 227\2000 تتعلقان بكيفية وشروط تعيين  رؤساء الغرف في مجلس شورى الدولة والمحاكم الادارية والمستشارين في مجلس شورى الدولة، وتجيز تعيينهم من بين القضاة العدليين وقضاة ديوان المحاسبة واساتذة الجامعات والموظفين والمحامين، وتعفي من شرط حيازة شهادة الدكتوراه للمرشحين لرتبة مستشار بالنسبة لبعضهم.

          وبما ان فتح باب التعيين امام فئة من القضاة واساتذة الجامعات والموظفين والمحامين والاعفاء من شرط حيازة شهادة الدكتوراه لا يخل بمبدأ خصوصية القضاء الاداري متى كان ذلك مرهونا بشروط معينة، وطالما لم تتحول هذه الامكانية الى قاعدة لتعيين القضاة في مجلس شورى الدولة، وما دامت مقيدة بنسبة معينة من ملاك القضاء الاداري، وهذا ما لحظته الفقرة الثانية من البند 5 من المادة 7 من القانون 227\2000.

          وبما ان خصوصية القضاء الاداري، فضلا عن الاختصاص، ترتبط بعناصر متشابكة يعود بعضها الى مصدر مبادئ القانون الاداري، واخصها الاجتهاد، وقواعد القانون الاداري التي تختلف عن قواعد القانون الخاص، ويعود بعضها الآخر، الى طبيعة المنازعات التي تدخل في صلاحيات القضاء الاداري واطرافها والامتيازات التي تتمتع بها السلطة العامة، كما يعود الى الهدف الذي تسعى الدولة الى تحقيقه، اي المصلحة العامة.

          وبما ان مبدأ خصوصية القضاء الاداري، وان كان من القواعد المسلم بها، في الفقه والاجتهاد الاداريين، فهو لا يرقى الى مرتبة المبدأ الدستوري، ولا يتمتع بالتالي، بالقيمة الدستورية، على ان ذلك لا يعفي المشترع من مراعاة هذا المبدأ في سن القوانين المتعلقة بالقضاء الاداري، كما لا يعفي السلطة التنفيذية من مراعاة مقتضياته في تعيين القضاة الاداريين.

          وبما ان الاحكام الواردة في المادتين 6 و7 من الدستور ليس فيها اذن ما يخالف احكام الدستور او المبادئ ذات القيمة الدستورية،

لـذلك

يقرر المجلس:

اولا: قبول المراجعة في الشكل:

ثانيا: رد طلب ابطال المادة الخامسة الجديدة (الفقرة 2) واحكام المادة 6 والمادة 7 من القانون رقم 227\2000 لعدم مخالفتها للدستور او للمبادئ العامة الدستورية.

ثالثا: ابطال الفقرة الثانية والفقرة الثالثة من المادة 64 من القانون 227\2000 لمخالفتهما للدستور وللمبادئ ذات القيمة الدستورية.

رابعا: ابطال النص الاخير التالي من الفقرة 5 من البند ثانيا من المادة 34 من القانون 227\2000: "ويمكن تعيين قضاة مجلس شورى الدولة في هذه المحاكم بقرار من رئيس المجلس."

خامسا: ابلاغ هذا القرار الى المراجع المختصة ونشره في الجريدة الرسمية.

قرارا صدر في 27 حزيران سنة 2000.